المقتنيات المادية

طباعة

افترض أن ساعي البريد طرق بيتك في يوم من الأيام، وسلمك خطاباً من البنك الأهلي يخطرك فيه بأن شهادة الاستثمار فئة ج رقم كذا "والمشتراة باسمك منذ سنوات، قد ربحت جائزة قدرها خمسون ألفاً من الجنيهات... فماذا يكون شعورك؟
طبيعي أنك ستفرح وتبتهج، ومن يقول غير ذلك فإنه غير صادق... فلابد أن هذا المبلغ غير المنتظر سوف يحقق لك بعض الرغبات والأحلام ويذلل بعض الصعوبات لكن... هل يضمن لك هذا المبلغ سعادة دائمة؟ هل يضمن لك دوام الصحة؟ هل يحقق لك السعادة الزوجية؟ هل يضمن لك النجاح في امتحان عسير تجتازه؟ أو تستطيع بهذا المبلغ شراء محبة الناس الحقيقية واحترامهم؟ أعتقد أننا جميعاً نعرف أن الجواب على هذه الأسئلة... هو بالنفي فهناك أشياء كثيرة لا يمكن أن نشتريها بالمال. بل كثيراً ما يكون المال نفسه سبباً في النزاع بين الأقارب والإخوة، وتوتر العلاقات بين الناس.

لا ينكر أحد أنه يوجد أناس أشقياء تعسون بسبب الحرمان المادي.. فهناك من يحتاجون إلى قوت يومهم الضروري، وهناك من يعانون المتاعب بسبب عدم وجود مسكن مناسب لهم... لكن الاختبار يؤكد أن المقتنيات المادية ليست كل شيء في هذه الحياة. وهناك أناس تعسون بسبب عدم قدرتهم على تحقيق أحلامهم وطموحاتهم، ولكننا لابد بأن نعترف بأن كثيراً من هذه الأحلام تفوق قدرتهم.. فالناس يسعون سعياً متواصلاً لتحسين مستواهم الاجتماعي، ويلهثون في هذا السعي، بعضهم يسقط سريعاً دون أن يحقق الكثير والبعض الآخر يصاب بالإحباط ويفقد الأمل ويظل يندب حظه في هذه الحياة...

لا أريد أن أقوم بدور واعظ يخدر نفوس السامعين بأحلام الأبدية السعيدة، وينصحهم بأن يقبعوا ثابتين ومحتملين آلام هذه الدنيا طمعاً في قصر في الجنة. إن هذا الاتجاه السلبي يتنافى مع روح التدين الحقيقي، ولا أريد للناس أن يكونوا خاملين يقبلون المذلة في الحاضر الأرضي أملاً في حلم السماء في المستقبل الأبدي فإن الله قد أنار لنا بواسطة الإنجيل الحياة والخلود.. لا الخلود فقط ولكنا يجب أن ننقي أذهاننا وأفكارنا التي تتعلق بطموحنا من الطمع.. فمن المؤكد أن كثير من الناس محرومون من السعادة لأنهم طماعون... فقد قال السيد المسيح لرجل متخاصم مع أخيه بسبب الميراث:

"انظروا وتحفظوا من الطمع فإنه متى كان لأحد كثير فليست حياتهم من أمواله" لو 12: 15 فالطمع يسوع الإنسان ويجعله يلهث حتى يموت وهو يجري وراء الكسب دون أن يشبع... وكثيراً ما نفقد السعادة بسبب المبالغة في الإنفاق، فالمسرف والسكير يفتقران كما قال الحكيم فكثيراً ما يكون ذلك بدافع الفخر الكاذب والكبرياء وحب الظهور أمام الغير...

يجب أن نعترف أن بعض العادات الاجتماعية المتأصلة فينا والمتوارثة من الأجيال السابقة، تتحكم فينا وتجعلنا نتصور أن الكرم والشهامة يتطلبان منا أن نرهق أنفسنا بالديون في سبيل الظهور بمظهر مشرف أمام المجتمع في ضيقاتنا وحفلاتنا وأفراحنا بل وحتى أحزاننا أيضاً!!

إن السعادة الحقيقية ليست فيما تملك، ولكن في تعلمك أن تكون مكتفياً شاكراً، فكثيرون أشقياء بسبب اللهفة المستمرة على المقتنيات رغم أنهم يملكون الكثير، لذلك؛ قال الكتاب: "إن التقوى مع القناعة تجارة عظيمة" (1تي 6: 6) وكثيرون تعساء لأنهم تعلموا أن ينظروا دائماً إلي نواقص حياتهم فيشعرون دائماً بعدم الرضى بالواقع.. فقد تجد إنساناً عنده الكثير لكنه لا يشكر لأنه يريد أكثر.. وقد تجد إنساناً ليس لديه إلا القليل لكنه يشكر من أجل هذا القليل.

ما أسعد الإنسان الراضي الفرحان بما يملك وبما قسم الله له من الرزق، وفي نفس الوقت لا يكون متواكلاً أو كسولاً أو خاملاً... تلك هي السعادة.