آمن بخطة الله

طباعة

الله في حبه لنا رسم خطة لحياتنا، قال عنها بولس الرسول "كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" (رومية 8: 28)... ولكن هل تؤمن بأن كل أمور حياتنا ستؤدي للخير؟
نحن دائماً ما نخلط بين الخير والراحة، فالخير الذي وعد به الله قد لا يتفق مع مفهومنا للراحة. فالخير في نظرنا هو أن لا نصاب بأي ألم وأن تكون حياتنا خالية من المضايقات، أما الخير الذي يقصده بولس فهو أن نكون مشابهين صورة ابنه (رو 8: 29). فهدف الله من كل ما يمر بنا أن يجعلنا نتغير لنشابه صورة ابنه، بصرف النظر عن تأثير ذلك على راحتنا، فالحياة المشابهة للمسيح لا تتوافر دائماً وسط ظروف الراحة. لقد اجتاز المسيح نفسه الصليب فأعطانا خلاصاً وحياة أبدية، فالمهم خيرك حتى لو تخليت عن راحتك.

تأمل معي هذه القصة: استقلت امرأة عربة من طفلها الصغير وكان الشتاء قارساً حتى أن الأم كانت على وشك الانهيار من شدة البرودة، فلما شعر السائق بخطورة الموقف أوثق الحصان الذي كان يجر العربة ودفع الأم بشدة خارج العربة فسقطت الأم على الأرض وانطلق بالعربة، ثم انطلقت الأم بكل ما فيها من قوة خلف العربة طالبة ابنها، وعندما أحسن السائق بأن الأم قد اكتسبت نتيجة الجري الدفء اللازم، وأن الدم بدأ يجري في عروقها أوقف العربة وحملها داخلها وأعطاها ابنها وهو فرح بنجاتها.

قد تكون بحياتك الكثير من التعاملات القاسية بحسب الظاهر، ولكن كل ألم أو قلق تمر به لابد أن يكون لخيرك. آمن بهذا لتسعد وتفرح. حين تتداخل الأحداث وتتشابك، يظن الإنسان أن الله لا يعمل، وأنه نسى الإنسان "وقالت صهيون قد تركني الرب وسيدي نسيني" (إش 49: 14) وكثيراً ما يتهم الإنسان الله بأنه صامت "يا رب لماذا تقف بعيداً ولماذا تختفي في أزمنة الضيق" (مز 10: 1). وكثيراً ما يبدو الله وكأنه لا يفعل شيئاً، ولعل هذا ما رأيناه عند الصليب "إن كنت ملك اليهود فخلص نفسك" (لو 23: 27). ولكن الله يعمل خلف الأحداث، وكثيراً ما يكون الله في قمة العمل حيث تراه لا يعمل شيئاً.

إن الأحداث اليومية مهماً كانت مقلقة هي المادة الخام، أي ظروف أخرى لن تستطيع أن تنجح الخطة التي رسمها الله على نحو أفضل من ظروفك الحالية. خذ حذرك، فحينما تظن أن الله صامت قد تميل أن تأخذ الأمور بيديك وترسم لنفسك خطة لحياتك بدلاً من الثقة في الله، ولكن آمن بحبه وانتظر إتمام عمله "إنما لله انتظري يا نفسي" (مز 62: 5).

فأحداث الحياة التي سبق الله ورسمها لك لا تأتي إلا مترابطة ومتناغمة، فالدواء يتألف من عدة عقاقير واللوحة الجميلة تتألف من عدة ألوان، فإذا أخذنا أي وحدة من أحداث الحياة منفصلة عن الأخرى لا تظهر أنها للخير، ولكن إذ تؤخذ مجتمعة وممتزجة لا تنتجة إلا الخير. إن النفس الواثقة هي التي تنظر لترى حكمة الله وتدبيره في ملء الزمان. إن الله مثل الرسام الماهر الذي يمزج ألواناً لا تظهر للناظر العادي أنها تصلح لإتمام الغاية التي خلطت من أجله، ولكن ما أن ينتهي الرسام من عملية المزج إلا وتظهر اللوحة الجميلة بكل ما فيها من تناغم وألوان قاتمة كانت أو لامعة. نعم فكل الأشياء تعمل معاً للخير، فلا يوجد شيء خارج عن سلطان الله، فالله يسمح للشر أن يحدث لأنه يحقق قصداً لم يكن ممكناً تحقيقه بدون هذا الشر، قد تقر بأن الحياة ككل تحت سيطرة الله وعنايته لكنك قد تتردد بأن تعتقد بأن كل جزء من الحياة مهما صغر فهو موضوع لاهتمام الله وحبه، فكيف يمكن أن تؤول للخير أشياء مثل الحزن والمرض والألم والفشل، لكن الله أكد هذا "فالعصفور لا يقع على الأرض بدون علم الآب وإذنه" (مت 10: 29).. "وشعرة من رأسك التي يصنع منها الله خطة حياتك وأريدك أن تؤمن أن لا تسقط إلا بأمره" (لو 21: 18).

ليس هناك ما يسمى خطأ أو صدفة، فكل ما يحدث بسماح منه وبناء على خطة هو رسمها لخيرك لإتمام مقاصده الحكيمة.