ظلموني لآني أنثى

طباعة

ولأنني أنثى فأنا أحمل في قلبي وجع كل بنت  من بنات جنسي.. بداية من اتهامها بإخراج آدم من الجنة.. إلى ختانها بصورة غير آدمية.. إلى تنشئة الولد على أنه الأحق منها بالتعليم والطعام الجيد والكسوة النظيفة.. إلى ليلة العمر التي تتحول مع «الدخلة البلدي» إلى ليلة نهاية العمر.. إلى ضرب الزوج لزوجته وإغراقها بالكيروسين وإشعال النيران فيها.. إلى اغتصابها على اسفلت الطريق.. إلى.. وإلى... الكثير من الأوجاع والجراح.. وضروب شتى من القسوة والعنف ضد المرأة، فإلى الآن، وبرغم التطور المذهل للزمن.. وبرغم تعدد الثقافات وتبادلها، وبرغم تفتح أذهان الناس ورحابة أفقهم، إلا أننا نلمح في عيون كل سيدة حامل رجاء صامتاً من الله.. وأملاً دفيناً في أن تضع مولوداً ذكراً لا مولودة أنثى! هل لرغبتها في إرضاء زوجها، أم لأنها تشفق عليها إن جاءت أنثى أن تقاسي ما قاسته هي؟!
وسواء كان هذا أو ذاك، فإن الأمنية تظل واحدة، وهي المولود الذكر.. وهل يغدو عالماً سعيداً هذا الذي يوجد بدون نساء!
إن أوجاع المرأة تأخذ أشكالاً عدة، وهو ما نطلق عليه العنف ضد المرأة.

تقول (د. ر) لقد كرهت العلاقة الحميمة التي تربطني بزوجي منذ الليلة الأولى، فقد كانت ليلة ملؤها الألم والمهانة.. ظللت طريحة الفراش بعدها لثلاثة أيام، حتى يتوقف النزيف واستعيد صحتي.. ولم يختلف الحال كثيراً بعد ذلك فمعاشرته لي لا تمت للعلاقة الحميمة التي توجد بين الزوج المُحب لزوجته بأي صلة.. تلك العلاقة التي يغلفها دفء المشاعر والرقة والعذوبة، وإنما هي أشبه بما يحدث عندما يلتهم الذئب شاة سمينة بعد جوع شديد!
هذه إحدى مظاهر العنف الأسري فهناك عدة أشكال منها ضرب الزوج لزوجته وإيذائها بدنياً، وإجبار الزوج لزوجته على الخروج للعمل، بجانب التزامها بكل أعمالها ومسئولياتها المنزلية كزوجـة وأم دون مشاركة منه، أو مساعدة، مع استنزاف كل عائدها المادي نظير عملها..
بالإضافة إلى العنف والإيلام الجسدي وغير الآدمي، الذي تتعرض له الطفلة الأنثى عند ختانها دون داع حقيقي. والتفرقة بينها وبين الولد.. وهكذا.
والشكل الثاني هو العنف المجتمعي، الذي يتضمن الإساءة للمرأة في الطريق العام أو وسائل المواصلات، أو العمل، بالتحرش الجنسي والملامسات، أو إسماعها كلمات جنسية أو ترهيبها أو مراودتها عن نفسها وأعنفها بالطبع هو الاغتصاب.
والشكل الأخير من العنف ضد المرأة هو «العنف المؤسسي» ويشمل العمالة في سن صغيرة.. كما يشمل ارتفاع معدل البطالة بين الإناث، أو استبعاد المرأة من مراكز القيادة والترقيات، وإظهار المرأة في المقررات الدراسية أو وسائل الإعلام في صورة متدنية بالنسبة للرجل.
(س. عبــد المقصود) هي كبـــرى اخوتها السبعة. وبرغم أنها الكبــرى، إلا أن عمرها لا يتعدى العشر سنوات.. والأب أجير، لا تقوى أجرته على توفير متطلبات أسرته كبيرة العدد. وكان الحل أن تخرج الابنة الكبرى للعمل.. وماذا تعمل فتاة في مثل عمرهــا وهـــي التـــي لا تقرأ ولا تكتــب؟ ليس أمامها إلا العمل كخادمة.. وقد كان.. وبداية من شروق الشمس إلى منتصف الليل، وهي في عمل متواصل دون رحمة. ويا ليت طعامها يعينها على أعبائها، أو ليت المعاملة الحسنة تخفف عنها متاعبها، إلا أن المسكينة لا تأمن خشونة سيدتها ومعاملتها السيئة، منها هي وأولادها والتي تتطور إلى حد الصفع والركل.
وعن أسباب تعرض المرأة للعنف، والسلبيات التي تلحق بها نتيجة هذا التعرض، توضحها لنا الدكتورة نبوية عزيز أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة حلوان فتقول:

إن أسباب العنف كثيرة، منها الموروث الثقافي السائد في المجتمع من حيث التمييز بين الذكر والأنثى، والتنشئة على هذا الأساس، حيث يرى الطفل الولد المعاملة السيئة من جانب والده لوالدته وأخته وبالتالي فهو يقلده..
الفهم الخاطئ لمعنى الرجولة وكأن الرجولة الحقة هي الخشونة في المعاملة والقسوة والعنف لا الجَلَد وتحمل المسئولية والتدبر وحسن التصرف.
كما أن هناك أسباباً اقتصادية، كانخفاض دخل الفرد مع ازدياد الأسعار وارتفاعها، مما جعل الكثيرين من الشباب لا يستطيعون توفير متطلبات الزواج، فيلجأ بعضهم إلى ارتكاب الجرائم، كالاغتصاب والتحرشات لإطفاء جذوة رغباتهم.
كما نجد أيضاً من الأسباب الاقتصادية عدم قدرة الأب على توفير نفقات التعليم لأبنائه، فيفضل تعليم الولد، ويحجم عن تعليم البنت.. كما نجد أن الدخل المنخفض لبعض الأسر، قد يكون سبباً في خروج أطفالها الإناث للعمل.. وهناك أسباب نفسية، فقد يكون لدى بعض الرجال نزعات سادية.
وســواء كانـــت الأسبـــاب اقتصاديـــة أو اجتماعيـــة أو نفسية، فإن العنف ضد المرأة ينتج عنه الكثير من المساوئ والسلبيات، فالمرأة التي تتعرض للعنف تتحطم نفسيتها وتتحول حياتها إلى جحيم، فتشعر بالإحباط، وقد تتطور إلى حالة اكتئاب مما يجعلها تكره حياتها، وقد تحاول الانتحار لإنهاء عذابها.
كما أن الزوج الذي يستخدم العنف مع زوجته، فإنه بذلك لا يُعرِّض زوجته فقط للأذى، وإنما هو بذلك يهدد الأسرة بأكملها بالانهيار. فالطفل الذي ينشأ في مثل هذا الجو من المشاحنات والعنف والقسوة لــن يشـــب سويـــاً كمـــا نأمل. فإن كان ذكراً فقد يشب مثل أبيه، وبذلك نخلق جيلاً لا يعرف إلا العنف، وإن كانت أنثى فلن تعرف في حياتهــا إلا الخـــوف من الجـــنس الآخــــر، وقــــد ينتج عــــن ذلـــك إما الانطوائية والنفور من الجنس الآخر.. وإما التمرد على جنسها هي وتمنيها أن تكون ذكراً فتبدأ في التشبه بالذكور وتحاول تقليدهم.
هذا إلى جانب أن المرأة هي الأم المسئولة عن تشكيل شخصية أبنائها فما الحال لو تعرضت للعنف؟ كيف ستقوم بتنشئتهم التنشئة السوية؟ بالتأكيد سوف تنقل لهم عصارة تجربتها الأليمة حتى وإن كان بشكل غير مقصود أو مباشر، بالإضافة إلى أن قهر الزوجة يخلق نوعاً من الشراسة السلبية لديها التي قد تجعل بعض النساء يمارسن العنف على أولادهن، تنفيساً لما يحملنه من ضغائن وغضب دفين.. وبالتالي ستخرج للمجتمع فئة من الأطفال الممزقين نفسياً والأخطر هو أنهم سيشكلون مستقبل الأمة بعد ذلك..لذا فلابد من معالجة الأمر من جذوره، أي لابد من التوعية بأخطار العنف ضد المرأة. وتكون مثل هذه التوعية على جميع المستويات، سواء المستوى الديني في دور العبادة المختلفة والمؤسسات الدينية المتعددة، بالإضافة إلى الدور الاجتماعي من ندوات ومحاضرات في المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام، كل ذلك من شأنه تغيير فكر ومعتقدات المجتمع، نحو نظرة أكثر احتراماً وتقديراً للمرأة.
وتمسك بطرف الحديث الطبيبة والدكتورة عبير بدوي رياض، دكتوراه في أمراض النساء والتوليد، فتوضح لنا الأخطار الصحية التي تهدد المرأة نتيجة تعرضها للعنف، قائلة:

أبسط هذه الأخطار هو إصابة المرأة بمرض الاكتئاب، هذا المرض الذي قد يدفعها للتخلص من حياتها.. بالإضافة إلى أن إصابتها بالضغوط العصبية تجعلها عرضة للإصابة بضغط الدم وزيادة نسبة السكر وأمراض الشرايين التاجية والقولون العصبي والصداع النصفي، بالإضافة إلى ما قد يسببه العنف المادي على جسدها من إصابات كالكدمات والكسور، وقد تصل إلى حد الحروق أو الإصابة بعاهة مستديمة.
أمـــا المرأة التـــي تتعـــرض للعنف في أثناء المعاشرة الزوجية، فهذا يعرضها للنزف الشديد والتهتكات، سواء كان ذلك فيما يسمى بالدخلة البلدية، والتي قد تكون نتيجتها في بعض الحالات الوفـاة، أو في المعاشرة العنيفة كما يحدث في حالات الاغتصاب، فتفقد الفتاة غشاء البكارة بالإضافة إلى نزف كميات كبيرة من الدماء، التي قد تعرضها أيضاً للوفاة.
ومـــاذا عـــن القانـــون كيــف يحمي المرأة من العنف؟ سؤال توجهنا به إلى الأستاذ خالد محمد رفعت المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، فأجاب قائلاً:

إن القانون المصري يقرر للمرأة نفس ما يقرره للرجل دون تفرقة، من الحماية الجنائية ضد العنف المعنوي كالسب والقذف والترويع.. بالإضافة إلى أن القانون يجرم التعرض للأنثى على وجه يخدش حياءها، ويعاقب على مثل هذه الجريمة بالحبس.. كما أن من حق المرأة العاملة التي يتم تفضيل الرجل عليها عند التقدم لترقيـــة ما، ويكـــون التفضيــل لا علــى أساس كفاءة أو أقدمية، ولكن لكونه رجلاً وهي امرأة، فمن حقها أن تتقدم للقضاء الإداري بدعوى تطلب أحقيتها في الترقية.
أما العنف المادي ضد المرأة فهو تعدٍ عليها ينتج عنه ضرر وأذى على ذات جسد المرأة، وعقوبته بالطبع أشد بحسب درجات هذا الضرر، فضرب الزوج لزوجته واستخدام العنف معها وإصابتها بأذى في أي جزء من جسدها، يعاقب مثل هذا الزوج بالحبس ودفع التعويضات للزوجة المصابة.
ويندرج تحت الأذى المادي أيضاً حالات معاشرة الزوج لزوجته بطريقة وحشية أو إتيانها من الدُبر، فهنا يكفل القانون للزوجة الحق في الطلاق والتفريق بينها وبين زوجها وذلك بموجب التقرير الطبي.
أما عن جرائم الاغتصاب، فإن المغتصِب يتم الحكم عليه بعقوبة الإعدام، إلا إذا وافقت المغتصبة على الزواج منه فإن العقوبة يتم تخفيفها من إعدام إلى الحبس، ولكن لا يتم إسقاطها بالزواج.

فيا كل رجل، سواء كنت أباً أو أخاً أو زوجاً، قف مع نفسك وحاول أن ترى المرأة التي أمامك بمنظار آخر، فالمرأة في حياتك هي الأم والأخت، وستصبح الزوجة والابنة في المستقبل، هل يمكنك أن تنظر إليها بنظرة مختلفة؟ هل يمكنك أن تراها إنساناً وكياناً يشعر ويتألم ويئن عندما تأتيه ضربة من الخارج، كما يكون الأنين على أشده إذا كانت هذه الضربة منك يا عزيزي الرجل.
فالرجل والمرأة خليقة الله، وقد خلقهما الله سبحانه مختلفين. فقد أكمل بالمرأة ملامح الوجود الإنساني في منظومة هذا الكون الرائع..
فالرجولة لا تعني القوة الجسدية، ولا القسوة، أو العبوسة، أو العناد والتشبث بالرأي، ولا هي السيادة والتسلط للرجل.. وإنما تعني قوة شخصيته، والإحساس بالمسئولية والقدرة على الاحتواء والحب.