الرئيسية قصص واقعية دعوة للرجوع

دعوة للرجوع

PDFطباعةأرسل إلى صديق

كانت خادمة نشيطة للغاية للأسف، والأسف هنا أنها كانت ولم تعد كذلك، وهي من أسرة متوسطة ارتبطت بالكنيسة ولكن للأسف مرة أخرى كان ارتباطاً شكلياً فقد كان لها صورة التقوى ولكنها أنكرت قوتها، أنكرتها بشدة على النحو الذي سوف نراه، أما قصتها فنبدأها من الأول نشأت هذه الأخت في أسرة مكافحة تضم إلى جانب الأب والأم وهذه الأخت أخاً وأختين آخرين، وكان الوالدان يعملان في وظائف التعليم في جهاد من أجل توفير لقمة العيش والمعيشة الكريمة لأفراد الأسرة، وكانت هذه الأخت هي الابنة الكبرى في الأسرة ولطبيعة شخصيتها القوية كان لها في معظم الأحيان الكلمة العليا في الأسرة حتى على الأب والأم نفسهما، كما كانت متفوقة في دراستها، ودائماً ما تحصل على غاياتها ومرادها حتى ولو عارضتها الأسرة جميعاً، وبعد حصولها على الثانوية العامة بتفوق وبمجموع كبير أصرت على دخول كلية الفنون الجميلة لأنها تتفق وميولها الفنية ومواهبها في مجالات الرسم والتصميم، وهكذا تخرجت بعد سنوات خمس قضتها بين قاعات ومعامل هذه الكلية كمهندسة ديكور كما رسمت بالضبط لحياتها وكما تمنت لمستقبلها، وحصلت كذلك على المركز الأول متفوقة على طلبة دفعتها بفارق كبير، وهكذا حصلت على وظيفة معيد بالكلية واستعدت لاستكمال دراستها العليا وفي أقل من عامين حصلت على درجة الماجستير في زمن قياسي وهكذا انتقلت من على الجانب الآخر من حياتها وأقصد به الجانب الروحي صادفها نجاحات متعددة فكما عرفنا فقد نشأت في أسرة لها ارتباط بالكنيسة ومع أنه كان ارتباطاً سطحياً إلا أنه سمح لها أن تنتظم في حضور اجتماعات مدارس الأحد وأن تلتحق بفصل إعداد الخدام الذي أظهرت فيه نشاطاً واضحاً وتخرجت فيه لتبدأ خدمتها وأهلتها مواهبها الفنية والأنشطة العديدة التي استحدثتها في الخدمة إلى أن تصبح في وقت قصير جداً من أبرز الخدام والخادمات في كنيستها وتحمل مسئولية أمانة لإحدى الخدمات في تلك الكنيسة، وفي الحقيقة لقد استثمرت مواهبها وميولها في خدمتها وحاولت توظيفها لتضفي على الخدمة نشاطاً ملحوظاً وفاعلية ملموسة.


في حقيقة الأمر كان هذا النشاط الملحوظ والفاعلية الملموسة مجرد قشرة بسيطة لا تعكس الصورة الحقيقية للنفس الداخلية فخلف هذه القشرة كان هناك فراغ داخلي لا تستطيع الخدمة أو الأنشطة أن تملأه، بل يبدو أن النشاط الخارجي كوّن طبقة من البر الذاتي عطلت عمل الروح القدس في النفس الداخلية، وعمل النعمة داخل الذات، لقد كان معظم وقت هذه الأخت في الكنيسة، ولكن الكنيسة لم تكن في قلبها، وكثيراً ما خدمت باسم الرب يسوع لكنه ظل خارج القلب يقرعه منتظراً أن تفتح له، لكن يبدو أنه كانت مشغولة عنه، حتى صلواتها كانت روتينية يخرج فيها الكلام دون أن تدري، بل ربما دون أن تعنيه، أما قراءتها في الكتاب المقدس والكتب الروحية فكانت غير منتظمة وكلها بغرض أن تُحضر موضوعاً أو نشاطاً أو أسئلة لمسابقة ونحو ذلك، لكنها أبداً لم تحاول أن تمتلئ، وأن تهدأ وتنصت لصوت الله، كانت حياتها مملؤة نشاطاً وضجيجاً لكنها كانت تحتاج لذلك الصوت الهادئ الخفيف الذي يخاطب النفس الداخلية ويرشدها ويكشف أعماقها ويظهر ذاتها ويصفيها وينقيها، كانت في أشد الاحتياج وإن لم تشعر بذلك فقد أغنتها تلك المظاهر عن ذلك الاحتياج للأعماق.


وسط هذا الفراغ الداخلي وجد الشيطان عدو كل خير فرصته الثمينة ليهاجم هذه النفس ويقتنصها لنفسه، ونظراً لخبرته الواسعة في هذا المجال لم يختر أسلوب الهجوم المباشر الذي تقاومه النفس التي لها مثل هذا النوع من التدين الشكلي وبدلاً من هذا الهجوم المباشر بدأ يرسم خطة طويلة الأمد يتحين فيها الفرص أو يهيئها للإيقاع بها، ولعدو الخير صبر كثير في هذا المجال، فهو فتّاك حبال كما يقول بعض الآباء، ويبدأ بتنازل صغير يقود إلى آخر، وسلسلة من التنازلات يكون بعدها السقوط عظيماً، فالذي يسير على منحدر خفيف ربما بعد فترة طويلة ينزل إلى عمق كبير وهو لا يشعر.


وهذا الانحدار الخفيف هو ما حدث بالضبط لهذه الأخت، ونعود لنستكمل قصتها، فبعد حصولها على الماجستير قررت فجأة الاستقالة من وظيفتها في الجامعة متعللة بأنها لا تتناسب مع ميولها وتدفن مواهبها الفنية وقررت العمل كمهندسة ديكور والتحقت بإحدى الشركات الخاصة، وفي فترة صغيرة جداً أصبحت مديرة لهذه الشركة والذراع الأيمن لصاحب هذه الشركة، وإلى هنا لا يوجد خطأ، ولكن الذي حدث بعد هذا أن هذه الأخت أعجبت بصاحب هذه الشركة وأعجب هو بها ورأت فيه الرجل العصامي الذي رغم أنه لم ينجح في التعليم وبدأ عاملاً بسيطاً أصبح مالكاً لهذه الشركة الكبرى، وزاد إعجابها به حينما دعاها لزيارة قصره الجديد الذي بناه… بحجة عمل الديكورات الداخلية له، وعاشت في هذا القصر شهوراً وهي تستخرج من مواهبها وفنها أفضل ما عندها لتجعل كل ركن في هذا القصر تحفة فنية حتى أصبح القصر عبارة عن لوحة رائعة الجمال، وفي هذه الشهور اقتربت من مالك الشركة كثيراً جداً، وارتاحت إليه شيئاً فشيئاً حتى صارت لا تستطيع الاستغناء عنه أبداً، أو هكذا تصورت ولا تكاد تمر ساعات قليلة دون رؤيته حتى تسرع إلى مكالمته والحديث معه تليفونياً.
بدأ الصراع يدور داخلها حول هذه العلاقة ومستقبلها ولكنها كانت تخمد هذا الصراع متعللة بأنها مجرد علاقة عمل وصداقة ولا شيء أكثر، ولكن الأكثر بدأ يحدث وبدأت العلاقة تتطور أكثر فأكثر، وبدأ عدو الخير يحيك الشباك حولها حتى لا تستطيع الفكاك منها إلى أن كان يوم اصطحبها معه إلى موقع العمل في ذلك القصر بحجة إبداء بعض الملاحظات فيه، وهناك فاجأها أنه يقدم لها هذا القصر مهراً لها لأنه يحبها ويريد أن يتزوجها. فوجئت هي بهذا الطلب الغريب، وتلجلجت وهي تقول له إن هذا الطلب مستحيل ولكنه هدأ روعها، وبدأ يسوق لها الأمثلة على إمكانية مثل هذا الطلب وعدم استحالته، ولم تدر ماذا تقول لكنها استأذنت في الانصراف لشعورها بالتعب وبعض الألم في رأسها، ولم يتركها إلا على وعد أن تفكر في هذا الأمر.


عادت إلى منزلها ومشاعرها في أوج اضطرابها، فشعرت في البداية بمدى الخطر الذي وصلت إليه هذه العلاقة، ولكنها أحست أنها ترتاح إليه ولا تستطيع أبداً أن تستغني عنه ولكن كيف يحدث هذا؟! لا تعلم كيف ستقابل أسرتها وماذا سيكون رد فعل صديقاتها في الكنيسة والخدمة؟!، بل كيف سيكون وضعها الجديد داخل المجتمع؟!، ولكن على الجانب الآخر أعمتها الحياة الجديدة وذلك القصر الرائع الذي شعرت أنه أصبح جزءاً منها ولماذا لا يصبح لها مع شخص ترتاح إليه وبخاصة وقد فهمت منه أنه لن يحرمها من أصلها وكنيستها ونشاطها هناك، وبدأت مشاعرها تتأرجح ما بين القبول والرفض وقضت تلك الليلة وكل لحظة فيها تنقسم بين أن تكون له تارة وبين ألا تذهب إليه أو إلى عملها مرة أخرى، ونامت وهي لا تدري متى نامت أو إن كانت قد نامت بالفعل، ولكنها وجدت نفسها وهي ترتدي أفخر ما لديها وتذهب إليه كما لو كانت مسلوبة الإرادة وما أن دخلت مكتبه حتى لاحقته بسيل من الأسئلة هي حصيلة ليلة ليلاء ولكنه في كلمات معسولة بدأ ينفث سمومه القاتلة مقترحاً أن يظلا في البداية كل واحد في منزله ويتزوجا عرفياً، ويتبقى لهما النهار بأكمله يقضيانه في ذلك القصر حتى يتحينا الفرصة المناسبة ويعلنا زواجهما بعد أن يكونا قادرين على مواجهة أسرتيهما والمجتمع، ووافقت في النهاية وبدأت خطوات الإعداد لذلك الزواج الوهمي أو العلاقة الغريبة

تم بالفعل ما أراد عدو الخير لهذه الأخت، وتطورت العلاقة إلى ورقة وهمية تحمي خطية مميتة، وبعد أسابيع قليلة شعرت بأعراض الحمل رغم احتياطهما لهذا الأمر، وهنا فقط بدأت تفيق هذه الأخت وتسأل وماذا بعد؟! ووقع عليها كالصاعقة جوابه أنه لا يوجد بعد!! فهي المسئولة عما حدث وهو غير جاهز في الوقت الحالي لإعلان زواجهما، وبدأ يسوق الأسباب والأعذار للتهرب منها، وأهملها فترة حتى جاءته راكعة وقد أصبحت مكسورة الجناحين تستعطفه ألا يتركها، وهنا تبدل ذلك الحب الوهمي الذي زعم أنه يحمله تجاهها إلى كراهية وبغضة، وتحولت السعادة الزائفة التي ظنتها في ذلك القصر إلى تعاسة وشقاء، وكشف عدو الخير عن أفكاره وحيله التي تسللت شيئاً فشيئاً، وهكذا كان عليها أن تقبل الصفقة الخاسرة؛ أن تتزوجه مقابل أن تنكر مسيحها وتتنكر لأسرتها وأهلها وكنيستها، وهكذا ضاعت هذه الأخت ولكننا نصلي واثقين أنها سعود بقوة أعظم، ستعود لأحضان الرب يسوع المفتوحة المستعدة أن تقبلها دوماً، ستعود لدفء الكنيسة وحياة القداسة الحقيقية.


سقوط المؤمن
السقوط في الخطية رغم بشاعته فهو ليس بالأمر الخطير في حد ذاته، بل يمكن الخطر في البقاء منطرحاً بعد السقوط وعدم القيام مرة أخرى كما قال إرميا النبي "هل يسقطون ولا يقومون، أو يرتد أحد ولا يرجع" (إر 4:8)، والكتاب المقدس مملوء بأمثلة عديدة لمؤمنين سقطوا وعادوا من جديد أكثر قوة، بل أكاد أجزم بأن الكتاب المقدس قد تعمد ذكر الضعفات والسقطات والخطايا التي وقع فيها رجال الإيمان وكيف كانت عودتهم قوية، بل كيف كانت مثل هذه السقطات دافعاً قوياً نحو المزيد من الإيمان والتسليم، بل لقد ساق لنا رب المجد أمثلة عديدة عن سقوط المؤمن مثل الخروف الضال الذي كان من نفس القطيع وضل عنه ثم عاد محمولاً على منكبي الراعي الصالح، وكذلك مثل الابن الضال الذي كان ابناً وتاه بعيداً وجائعاً وهو يشتهي أن يملأ بطنه من طعام الخنازير ولكن حتى هذه لم يعطه أحد منها، ولكنه عاد بعد السقوط وأكل من العجل المسمن، ولبس الخاتم والحلة الأولى.
والذي يعزينا جداً في ضعفنا وسقطاتنا هو أن الله أعد لنا السماء وأمجادها إذا رجعنا إليه فهو ينادي: "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت 40:25)، أما جهنم والنار الأبدية فلم تعد لنا بل لإبليس وملائكته (مت 41:25)، فاستمرارنا في الخطية والسقوط بإرادتنا ويأسنا من النجاة والخلاص بدم الرب يسوع هو انحياز كامل بإرادتنا لمعسكر إبليس وملائكته ورفضنا للملكوت المعد لنا، ورغم أن باب الرجاء مفتوح دوماً على مصراعيه أمامنا مادمنا في هذه الحياة، ولكن بعد انتقالنا إلى العالم الآخر فلا يوجد مكان للتوبة حتى ولو طلبناها بدموع كما في حالة عيسو ولو صررنا على أسناننا وقرعنا صدورنا فلن نسمع سوى الكلمات التي قيلت في مثل الغني ولعازر "بيننا وبينكم هوة عظيمة" (لو 26:16).


دعوة للرجوع
هي دعوة شخصية لك للرجوع إليه إلى الرب يسوع إلى السماء وأمجادها، دعوة للجميع القائم والساقط ومن يظن أنه قائم، دعوة لجلسة هادئة مع النفس التي يطلب الله جمالها الداخلي، دعوة لأن تعرف ذاتك وكما يقول القديس كليمنضس الإسكندري (اعرف ذاتك تعرف إلهك)، لا تقف ساكناً أبداً بل جاهد في كل لحظة، لا تكتف بالوجود في الكنيسة وحتى الخدمة بها فهناك خطر أعظم عليك أن تحصنك هذه الأمور ضد عمل النعمة، ولا تفرح نفسك بالسير مع القطيع دون أن تتبصر طريقك فقد يقودك هذا القطيع أن تنجرف إلى البحر، لا تسر وراء إنسان مهما كان ولا تسر بمشورة نفسك وسط ضوضاء هذا العالم بل أعط نفسك فرصة للهدوء والخلوة حتى تسمع صوت الله داخلك فيرشدك ويقويك في طريق جهادك وعودتك إليه، إنها دعوة للصلاة من أجل كل نفس تاهت في أودية العالم؛ كل نفس انحرفت عن طريق الرب يسوع أو انحرف بها الطريق الذي سارت فيه بإرادتها أن تعود إلى مخلصها وينبوع حياتها، إنها دعوة للعودة والرجوع إليه فهل تقبل وتعود من جديد لتتمتع به وبعرشه الذي أعده لنجلس معه

Facebook

Twitter

Facebook

YouTube