الرئيسية قصص واقعية الوداعة الحقيقية

الوداعة الحقيقية

PDFطباعةأرسل إلى صديق

بيني وبين ذوات الطابع الهادئ، وهو ما كنت أراه أنا طابعاً ( بارداً) لذا كثيراً ما فزعت من زوجي حينما كنت أجده يفكر فترات طويلة قبل اتخاذه أي قرار، واعتبر أن كثرة التفكير في الأمر هو تردد. . .
ولكن الله الحاني معزي القلوب وفاحص الكلى . . علمني في هدوء أن الجدية لا تعني أن أكون حادة في تعاملي مع الآخرين، ولكن الجدية هي فقط أن وأقوم وأسير بخطى جادة في حياتي. وكان الله يُغير الكثير من خلال أحداث حياتي اليومية، وكان يتعامل معي كأب يعلم ابنه ا لخطى. . . في حنان بالغ. لهذا في تلك الفترة تعرفت إلى خادمة يمكنك أن تطلق عليها لقب "الوداعة المجسمة". كان وجهها مريحاً جداً لا تفارقه البسمة الحانية أبداً، معبراً دائماً عن الحب الذي يملأ قلبها للجميع. تعامل الكل برقة فائقة. صوتها رقيق منخفض النبرات. . . وهناك الكثير والكثير مما كانت تتصف به من محاسن الخلق ورقة الطبع.

وما حدث هو أن هذه الخادمة رُشحت معها للعمل في مجال خدمة الطفل. فما كان منها ألا التعامل معي - وكأنني أنا التي أصغرها كثيراً في السن- وكأنني أمها ورئيستها. . رغم أن الخدمة ليس فيها رئيس ولا مرؤوس بل الكل سواسية في المسيح. .

ومن هنا بدأت أنظر إليها كمعلمة لي في التواضع وأقول لكم إن كلمات الإنجيل هي خير نبراس في هذا المجال، فمثلاً حينما قال الكتاب " الجواب اللين يصرف الغضب" بدأت أطبق هذه القاعدة في حياتي. وكلما ابتدأ أحد الأشخاص بالانفعال نتيجة لتأخر أتوبيس مدارس الأحد، في التقاط أطفاله في الميعاد المحدد لهم مثلاً، أجد أنني حينما أعامله بالهدوء والرقة تبدأ ثورة الانفعال القاسية في الخمود تدريجياً. ثم أشركه معي في حل المشكلة، فينقلب الحال من حوار هجومي صارخ، إلى مشاركة عاقلة هادئة، ربما يُسهم الشخص الآخر أكثر مني في الحل.

حتى إنني أتذكر أنه في إحدى المرات، وقع طفل في الحوش وكسرت يدي فما كان مني إلا أن أخذته إلى المستشفى، وقام الطبيب بعمل جبس له، ثم أخذته إلى منزله بنفسي. وحينما دخلت المنزل فوجئت بوابل من الكلمات القاسية: هذا إهمال . . كيف يحدث هذا. . . وهكذا.

وحينما حاولت الكلام لم أجد الفرصة للرد. . فتذكرت وقلت ماذا كانت ستفعل الأخت في هذا الموقف! وفي الحال ومضت في عقلي صورتها . . فركعت بقلبي في صلاة حارة أطلب مشورة إلهي . . ماذا أفعل؟

لأن أم الطفل أخذت تهددني بأنه حينما يحضر الأب، فسوف يذهب بي إلى قسم البوليس ويتهمني أنا والكنيسة بالإهمال، وانهم لن يذهبوا إلى الكنيسة قط فيما بعد. . .

والحقيقة لو أنني تركت نفسي لطباعي الحامية، لكنت أسمعتها كلاماً قاسياً يسكتها في الحال، وكنت قديرة على ذلك، ولكنني كما قلت حينما تذكرت ماذا كانت ستفعل الأخت في هذه الحالة، سوى الصلاة، تركت قلبي يتجه إلى الصلاة ولم أتكلم. والعجيب أنه حينما دخل الأب وهو تاجر الفاكهة المعروف بطباعه الحادة ثار ثورة عارمة، ثم نظر إلى في غضب وأعتقد أن الصلاة المشتعلة في قلبي أضفت على وجهي وداعة امتصت كل سهام الغضب المتقدة، فكانت كالمياه التي أطفأت الجمرات الملتهبة. . . قال الأب: . . . أنا عارف ابني . . .شقي جداً جداً، وهذه ليست المرة الأولى التي تكسر فيها يده. والحقيقة أنا النهاردة سمعت عظة جميلة من زوجك الأستاذ فلان كانت في جهاز المسجل في المحل، لا أعرف من بالضبط الذي وضعها في الجهاز، كانت تقول:" الخير نقبل من عند الرب والشر لا نقبل". "الظاهر ربنا كان عاوز يقول لي حاجة" لأن كلمات العظة مازالت ترن في أذني كل شوية. فقلت هو إحنا طول عمرنا نسمع كلام، وعند التنفيذ نتراجع عنه.

ولما دخلت البيت وعرفت اللي حصل قلت يبقي هو ده التنفيذ العملي. . في هذه اللحظات رفعت عيني إلى السماء فوجدت صورة السيد المسيح فاتح أحضانه أمامي على الحائط المقابل لي وتذكرت قول الرب إنه في كل ضيقاتهم تضايق وأرسل ملاك حضرته ليخلصهم. . .

وتصوروا أنه منذ هذه الحادثة والأب والأم صارا من الأعضاء الأكثر نشاطاً في الخدمة وأصبح بيتهما مصدراً للحب والمساعدة لكثيرين.

وتعجبت أنه لولا الهدوء والوداعة التي اتبعتها في معالجة القضية، لصارت معركة كبيرة لا أدري ماذا كانت ستصير نتائجها.

حقاً القلب الوديع يستطيع أن يعاين الرب.

وهكذا أخذت أدرب نفسي على احتمال الآخرين بدون غضب، وبدأت أقرأ في كافة المصادر عن الوداعة، والابتسام، وسحر التعامل الرقيق. وشكرت ربي أن وضع في طريقي الأخت التي كانت هي السبب في لفت نظري إلى أهمية الوداعة، والوجه الوديع للخادم الذي يمثل المسيح، فيجب أن يسلك على مثاله.

Facebook

Twitter

Facebook

YouTube