مسرحية الموت

طباعة

أنا شاب في العشرين من عمري ، روسي الجنسية وأعيش في العاصمة موسكو وأدرس العلوم الإلكترونية في واحدة من أكبر جامعات موسكو . إنني لست ملحدا بل مسيحيا ولكني بعيدا عن الله أو إن الله لا يشغل تفكيري في الوقت الحالي.
صديقي فلاديمير ، وهو من أعز أصدقائي ، مختلف عني ، فهو فعلا ابن المسيح و كثيرا ما يحدثني عن الله وعن محبته وعنايته بنا ، ولكني دائما أقول له مازحا: الله لكبار السن والعواجيز ، أنا صغير لسه ، لما أكبر و أعجز أبقى أشوف التوبة اللي عمال على طول تكلمني عنها.

و اقترحت عليه أن نذهب لنشاهد أحد العروض المسرحية في أشهر مسرح في موسكو ، وذهبنا يوم الأربعاء 23 أكتوبر لسنة 2002 وكان عرضا جميلا راقيا....

(إنذار لكل الموجودين في المسرح ، لا أحد يتحرك من مكانه ، أنتم  محاصرين ، الذي يريد أن يعرف ما هو الموت هو المسموح له بالحركة ، المسرح كله ملغم بالقنابل ، لا أريد سماع صوت )  قالها الزعيم و هو يمسك بمدفعه الرشاش ومعه أكثر من50  شخص كلهم مقنعين ومسلحين.

بكى الأطفال وصاح الرجال ولطمت النساء و .... " أنتم مين ؟ إحنا مالنا ؟ إحنا ملناش دعوة بحاجة !  إحنا ملناش في السياسة " ولكن ما من مجيب.

ثم أعلن الثوار الشيشان عن مطالبهم  وهى انتهاء الحرب بين روسيا و الشيشان ، و انسحاب روسيا  من الشيشان وإلا....

وإلا سيقتلون الأسرى كلهم ، وكنا نحو 800 شخص أو أكثر.

انهرت تماما وبكيت و أنا أرتجف من الرعب ونظرت لفلاديمير ، فوجدته يرنم!!!!

" أهذا وقته ؟؟؟؟؟ " قلتها غاضبا ، فقال لي بكل هدوء : ولماذا الانزعاج يا صديقي ؟ ثق بالله واطلب معونته وسينجينا من هذه التجربة .

" كيف ؟ ألا ترى الموقف العصيب الذي نحن فيه ، إن الموت يحيط بنا من كل جانب ، فروسيا لن تستلم لهذه المطالب ولو قرروا إنقاذنا بعملية انتحارية  سينسف هؤلاء المجانين المكان و سوف نموت ،  نمووووووووووت ، هل يمكنك تفهم هذا يا فلاديمير ، هل يمكنك أن تستوعب الأمر ؟ "

قال لي بكل ثقة : ثق بالله ولا تيئس ، فحتى لو سمح الله لنا بالموت ، فسوف ننتقل لحياة أفضل ، سوف نذهب لحضن المسيح"

صمت تماما هذه المرة ، فلاديمير وحده سينتقل لحياة أفضل لأنه سيذهب لملكوت السموات ، أما أنا فلن تكون بالنسبة لي حياة أفضل بل حياة أسوأ ، لأنني سأنتقل  لجهنم .

قررت لأول مرة في حياتي أن أتكلم مع الله :

يارب ، استمع لي هذه المرة فقط ، أعرف إن الخطية التي أنا منغمس فيها تصنع حاجز بيني وبينك ولكني واثق أنك تسمعني ، يارب لقد كنت بعيدا عنك سنين طويلة ولكنى أجد نفسي الآن في حاجة شديدة إليك ، أنقذني من هذا الموقف العصيب يارب ، لا تأخذ حياتي منى الآن لأني غير مستعد ، اعطني فرصة أخيرة يارب  ، أرجوك يا إلهي ، أرجو...

وبكيت كما لم أبكي من قبل....

و مرت ليلة واثنين وثالثة و نحن ننتظر الموت ، و في فجر يوم السبت 26 أكتوبر ، قررت القوات الروسية اقتحام المكان بقنابل الغاز وجن جنون المقاتلون الشيشان و قرروا تفجير قنابلهم . وكاد قلبي يتوقف من الرعب وأنا أرى واحد منهم ينتزع  القنابل ليستعد لتفجيرها وهو على بعد  متر واحد مني .

لم أنطق بكلمة وأنا أحدق فيه مذعورا ، فبالتأكيد ستنسفني هذه القنبلة نسفا ، فقوة تأثيرها تمتد لعشرات الأمتار.

لحظتها لم أنطق سوى بجملة واحدة كنت سمعتها من فلاديمير : يارب يسوع المسيح أعني أنا الخاطئ  وجريت و من ورائي دوى الانفجار الذي اقتلعني ورماني على الأرض و فقد ت الوعي تماما, و .....

ثم استيقظت لأجد نفسي في المستشفى الرئيسي بموسكو و صديقي فلاديمير ، الذي نجا هو أيضا ، يقول لي:

الحمد لله ، لقد حدثت معك معجزة ، لقد كانت القنبلة على بعد متر واحد منك و كان من المفترض أن تنسفك ولكنى رأيت وكأن حاجز بينك وبينها ، إنها فعلا معجزة.

قلت له و أنا في قمة التأثر مما حصل : نعم يا فلاديمير ،  إنها يد الله التي أنقذت حياتي ، لقد أعطاني الله حياة جديدة.