ولا كل شعور طيب حب‏

طباعة

فالشخص الحبوب اللطيف الذي يقال عنه "يحب كل الناس" ليس بالضرورة أكثر حباً من ذلك الهادئ الخجول الذي لا يعرف كيف يتواصل مع الناس. المعيار هو في قراراته الداخلية ومواقفه عند لحظات التحدي والامتحان. هل سيختار مصلحته الأنانية أم سيختار أفضل الخير للآخر هذا هو الامتحان.


والآن لنفحص هذا المثل، رجل لبس معطفاً ثقيلاً في يوم ممطر وشديد البرودة ثم صادف امرأة عجوز ترتدي ثياب رثة، فتحركت في داخله مشاعر شفقة شديدة حتى خلع معطفه وأعطاه لها وأكمل مشواره في البرد والمطر. ثم بعدها بيومين وفي عز انشغاله واستعجاله وجد هذه المرأة أمامه تعثره في الطريق فأثارت غضبه جداً حتى شتمها.
فما حكمك عليه ؟
أليس من الممكن أن هذا الرجل لا تحركه إلا مشاعره الشخصية ولا يرضي إلا نفسه؟ شعوره بالشفقة أرضى شعوره الساعي نحو إشباع ذاته فخلع المعطف وأعطاه لها، وشعوره بالغضب أرضى هذا الشعور أيضاً وشتم المرأة. فإنه لا يقدر وجود تلك المرأة في ذاته بل لا يرى إلا وجوده هو ومشاعره هو.
ولذلك فالحب الحقيقي لا يمكن أن يقوم أبداً على إطاعتي لمشاعري بل هو موقف إرادتي الواعي والداخلي، وقراري بالالتزام بالعطاء تحت كل ظروفي الشعورية والخارجية.

وحتى أحب رغماً عن مشاعري لا يمكنني أن أتأكد ما إذا كنت أحب فعلاً أم لا.
بل أن كل المشاعر الطيبة، لا قيمة حقيقية لها إن لم يكن خلفها قرار إرادي واعي.
فالمشاعر الناتجة عن الطباع الشخصية، مثل اللطف أو الكياسة أو الطبيعة الإنبساطية المنطلقة ، أو هدوء الأعصاب ليست بالضرورة تعبيراً عن المحبة لو كان ما ورائها ليس هو ذلك القرار الواعي الملتزم.
ولا المشاعر المضادة من عصبية وطبيعة انطوائية أو نقص في الكياسة والمجاملة، تثبت عدم المحبة طالما هي غير مقصودة، وطالما قرار الإرادة هو الالتزام بالحب حتى لو كان هذا ضد تلك المشاعر وغصباً عنها.

الحب الحقيقي يستغل الريح المواتية من مشاعر طيبة ولكنه لا ينخدع بها،
فهو أيضاً يذلل ويقود شراع مركب الإرادة بمهارة متفادياً الريح المضادة من مشاعر مقاومة
وعندما يفعل هذا يكون قد فعل كل ما عنده ونجح فعلاً في مسعاه حتى قبل أن يصل إلى بر المشاعر المواتية.

 

من كتاب "حجاب الحب" د. إيهاب الخراط