الحاجة الى واحد

PDFطباعةأرسل إلى صديق

بينما كان دكتور فرانك ميي فيلد Dr. Frank May Field يتجوَّل في معهد Tewksbury لدراسة الزَّحَّافات والبرمائيات في نيو جرسي بأمريكا، وبعد تجواله وأثناء خروجه منه، اصطدمت رجلاه - عن غير قصد - بامرأة عجوز تعمل في مسح أرضية المعهد. ولكي يستدرك هذه اللحظة المُحرجة، توجَّه دكتور فرانك بالسؤال للسيدة قائلاً:

* "منذ متى وأنتِ تعملين هنا؟"
فردَّت عليه:
- "إني أعمل هنا منذ أن بدأ المعهد أعماله".
فسألها:
* "وهلاَّ تخبرينني عن تاريخ هذا المكان؟"
فأجابت:


- "لا أظن أنه يمكنني أن أذكر لك شيئاً عن ذلك، لكني أستطيع أن أُريك شيئاً ما".
وهنا أخذت بيده وقادته إلى أسفل الدور الأرضي تحت القسم القديم من المبنى. وأشارت إلى مكان يُشبه زنزانة سجن صغيرة، وكانت قضبانها قد علاها الصدأ نتيجة مرور الزمن، وقالت:
- "هذه الزنزانة احتفظوا فيها بـ "آني Annie"".
فسألها الدكتور: "ومَن هي "آني" هذه؟"
فبدأت السيدة تسرد قصة "آني".
- آني هذه كانت فتاة صغيرة تربَّت هنا لأنها كانت مُعوَّقة، ولا يمكن لأحد تقويمها أو إصلاحها. وكانت تعضُّ وتصرخ وتُلقي بطعامها على الناس. ولم يكن بمقدور الأطباء ولا الممرضات حتى أن يفحصوها أو يتصرفوا معها بأيِّ تصرُّف. وكنتُ أراها تبصق وتجرِّح نفسها أمامهم. لقد كنتُ أصغر منها سنّاً.
وكنتُ أفكِّر قائلة: "أنا متأكِّدة أني لا أستطيع أن أحبس مثلها في زنزانة مثل هذه". لقد كنتُ أريد أن أُساعدها، لكن لم يكن لديَّ أية فكرة عن ماذا يمكنني أن أفعل لها؟ أي أنه إذا كان الأطباء والممرضات لم يستطيعوا أن يُساعدوها، فكيف يمكن لمَن هو مثلي أن يفعل هذا؟
ولمَّا لم أعرف ماذا يمكنني أن أفعل! خبزتُ لها في إحدى الليالي كعكة بالشيكولاتة والبندق، وفي اليوم التالي أحضرتها لها. وتوجَّهتُ إلى زنزانتها بحرص وقلتُ لها: "لقد خبزتُ لكِ هذه الكعكة، يا آني، وسأضعها هنا على الأرض، ويمكنك أن تأتي وتأخذيها إذا أردتِ".
ثم خرجتُ من هناك بأسرع ما يمكن، لأني كنتُ خائفة من أن تُلقي بها عليَّ! لكنها لم تفعل ذلك؛ بل أخذت الكعكة والتهمتها!
وبعد ذلك، أصبحت هذه الفتاة أكثر لُطفاً معي، حينما كنتُ أمُرُّ حول هذا المكان. وفي بعض الأحيان كنتُ أتكلَّم معها. ومرةً استطعتُ أن أجعلها تضحك. وقد لاحظَت إحدى الممرضات ذلك، فأخبرت الطبيب.
فسألوني ما إذا كنتُ أوافق على أن أعمل معهم شيئاً من أجل "آني". فرددتُ عليهم: "لا مانع، سوف أفعل ذلك إذا استطعتُ".
وهكذا تطوَّر الأمر، ففي كل مرة كانوا يريدون أن يَرَوْا آني أو يفحصوها طبياً، كنتُ أذهب إلى غرفتها أولاً وأشرح لها المطلوب وأُهدِّؤها وأُمسك يدها. وهذا ما جعلهم يكتشفون أن "آني" كانت عمياء!
وبعد أن ظلُّوا يعملون معها حوالي العام، استطاعوا – بعد محاولات مُضنية - أن يجعلوا معهد Perkins "بركنز" للعميان يفتح أبوابه لها. وهكذا نجح الأطباء في هذا المعهد، ليس فقط في تدريبها؛ بل جعلوها تَدْرس، ثم جعلوها مُدرِّسة تُدرِّس رفقاءها من المكفوفين!

ومرة زارت "آني" معهد Tewksbury الذي كانت فيه، لترى ماذا يمكن أن تعمل لتقديم أية خدمات. ولم يردَّ مدير المعهد في الحال على عرضها الخدمة، لكنه تذكَّر أن رسالة كانت قد وصلته من شخصٍ ما يقول فيها إن ابنته تتصرَّف تصرُّفات غير طبيعية تماماً "وكأنها حيوان"!
وذَكَرَ المدير أنَّ هذه الفتاة ابنة صاحب الرسالة كانت عمياء وأيضاً صمَّاء، ولكنها أيضاً مخبولة! ولكن أباها لم يُرِدْ أن يُودِعها في ملجأ للأيتام. لذلك فقد كتب والد الفتاة رسالة يسأل فيها إنْ كنَّا نعرف أي شخص يكون مُعلِّماً يأتي إلى منزله ويعمل مع ابنته لمعالجتها.

+ + +

وكانت هذه هي الفرصة التي جعلت "آني" تصير المُرافق الدائم طيلة الحياة للشخصية المشهورة "هيلين كيلر" Helen Keller.
ومرةً سألوا هيلين: "مَن هو الشخص الذي كان له الأَثَر الأكبر على حياتكِ"؟
فردَّت قائلة: "إنها "آني سوليفان"".
ولكن "آني" ردَّت عليها قائلة: "لا، يا هيلين، إنها المرأة التي كان لها أكبر الأَثَر علينا نحن الاثنتين، تلك التي كانت تعمل عاملة نظافة لمسح أرضية معهد الزَّحَّافات Tewksbury".

+ + +

هذه القصة ترُدُّ على السؤال الذي كثيراً ما يسأله أي واحد: ماذا يمكن لواحد مثلي أن يعمل شيئاً مُفيداً؟
عن مجلة: Nursing Management Magazine

+ + +

 

نبذة عن "هيلين كيلر":

وُلدت في 27 يونية عام 1880م، وتوفيت في أول يونية 1968. وهي كاتبة أمريكية مشهورة، وناشطة سياسية، ومُحاضرة في الجامعات. وكانت أول شخص كفيف أصم أخرس ينال بكالوريوس الآداب Bachelor of Arts.
كما درست اللغات الألمانية والفرنسية واللاتينية واليونانية. ثم قفزت قفزة هائلة بحصولها على الدكتوراه في العلوم، ثم الدكتوراه في الفلسفة.
وكانت هي المتحدث الرسمي لحركة معارضة الحروب. كما قادت حملة من أجل منح المرأة حق الانتخاب، وكذلك كانت تُنادي بحقوق العمال، ودافعت عن حقوق المعوَّقين، كما أدَّت خدمات جليلة للمكفوفين.
وقد سُمِّيت هيلين كيلر بـ "المعجزة الكبرى". كما صوَّرها بهذا الاسم فيلم عن سيرتها.
وفي الثلاثينيات من القرن الماضي قامت هيلين كيلر بجولات متكررة في مختلف أرجاء العالم في رحلة دعائية لصالح المُعوَّقين، للحديث عنهم وجَمْع الأمـوال اللازمة لمساعدتهم، كما عملت على إنشاء كلية لتعليم المُعوَّقـين وتأهيلهم.
* ومن أقوالها المأثورة:
- "عندما يُغلَق باب السعادة، يُفتح آخر. ولكننا في كثير من الأحيان ننظر طويلاً إلى الأبواب المغلَقة بحيث يغيب عن أنظارنا فلا نرى الأبواب المفتوحة لنا".

 

 

Facebook

Twitter

Facebook

YouTube