بحثك عن الله

فهرس المقالات
بحثك عن الله
تقديم الكتاب
مقدمة
الفصل الأول: هل هناك إله؟
الفصل الثاني: هل مرشدك الروحي موضع ثقة؟
الفصل الثالث: بمَن نشِّبه الله؟
الفصل الرابع: ما الذي يمِّيز الناس؟
الفصل الخامس: ما هي المشكلة الحقيقية؟
الفصل السادس: لماذا يظل الناس مخدوعين هكذا؟
الفصل السابع: هل حقاً يحبني الله؟
الفصل الثامن أين أجد الحياة؟
الفصل التاسع: كيف أُصبح عضواً في عائلة الله؟
الفصل العاشر: ثم ماذا بعد هذا؟
جميع الصفحات

يوضح المؤلّف حقيقة وجود الله معتمدًا على: الكتاب المقدّس، على مرشدين روحيّين موثوقين، وعلى مصادر موضع ثقةٍ. ويظهر انقسام المجتمع بين مؤمنٍ بالله وغير مؤمنٍ به. ويرشدنا إلى كيفيّة الانضمام إلى عائلة الله.

 


تقديم الكتاب

 

سرني أن أقدم هذا الكتاب »بحثك عن الله« لسببين، أولهما شخصي، فأنا أعرف المؤلف، فهو ابنٌ لي في الإيمان، »لَيْسَ لِي فَرَحٌ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ أَسْمَعَ عَنْ أَوْلَادِي أَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ بِالْحَقِّ« (3يوحنا 4). أما السبب الثاني فموضوعي، لأن الدكتور ريتشارد بنيت قام بعمل رائع وهو يوضِّح باختصار وإقناع أساسيات علاقة الإنسان بالله.

يخبرنا الكتاب المقدس أن الله جعل الأبدية في قلبنا (جامعة 3:11). ولما كان قد خلقنا لغايات أبدية، فإن كل الأمور الزمنية لا يمكن أن تمنحنا الإشباع الكامل المستمر، ففي داخل كل إنسان فراغ لا يمكن أن يملأه إلا الله وحده. قال القديس أغسطينوس: »اللهم لقد خلقتنا لذاتك، فلن تجد نفوسنا راحة إلا إذا استراحت فيك«. ويحضُّنا هذا الكتاب للبحث عن الراحة التي نجدها عندما نعرف الله الأبدي معرفة حية وشخصية.

إني أدعو الله أن يقرأ الآلاف الصفحات التالية، وأن يفهموا معاني الرسالة المتضمَّنة فيها، لمجد الله ولخيرهم الأبدي.

الدكتور ستيفن ألفورد

مؤسس ومدير معهد الوعظ الكتابي

ممفيس تنيسي


مقدمة

 

أثناء سفراتنا الطويلة تقابلت أنا وزوجتي دوروثي مع أصدقاء كثيرين من مختلف مشارب الحياة، جاءوا من ثقافات وخلفيات اقتصادية ومستويات تعليمية مختلفة. ونحن لا نؤمن أننا قد تقابلنا معهم مُصادفةً، كما أننا لا نعتقد أن هذا الكتاب الصغير قد وقع بين يديك مُصادفةً.

وعلى مدى السنين كانت أهم مناقشاتنا مع أصدقائنا العديدين تتركز على بحثنا عن الله، وقد سجلتُ بعض أفكار هذه المناقشات في هذا الكتاب.

كانت الطبعة الأولى من هذا الكتاب »بحثك عن الله« (والتي تمَّ تنقيحها مرتين) عبارة عن مشروع شخصي لتقديم الشكر لله، فقد كنتُ وزوجتي نقترب من عيد زواجنا الخامس والعشرين، ففكرنا وبحثنا عن طريقة عملية نعبِّر بها عن شكرنا لله من أجل خيراته علينا، فلم نجد أفضل من أن نكتب ونطبع ونُهدي خمسة وعشرين ألفاً من الناس رسالة تحمل لهم الرجاء والسلام: ألف نسخة عن كل سنة من سني حياتنا الزوجية. وبارك الله عمل المحبة الصغير هذا، فقد وجد الكتاب طريقه بالفعل إلى العالم. وكم كانت فرحتنا غامرة ونحن نقرأ خطابات الذين وجدوا هدفاً جديداً في الحياة نتيجةً لقراءة »بحثك عن الله«. لقد وضعتُ هذه الخمسة والعشرين ألف نسخة في أيادي الناس من بلاد كثيرة، فتوالت الطلبات لنترجم هذا الكتاب إلى لغات أخرى. وكنتيجة لذلك قررنا أن ننقِّح محتوياته ليحقِّق هدفنا، مصلّين أن يجد  فيه الكثيرون في أوروبا وإفريقيا وسائر قارات العالم ما يساعدهم في »بحثهم عن الله«. وقد تمَّ طبع وتوزيع أكثر من مليوني نسخة في سبع وعشرين لغة. ونصلي أن تقدِّم هذه الطبعة المنقَّحة والمزيدة للقراء معونة أكبر.

ولن يكون الفصلان الأوَّلان بذات الأهمية لكل قارئ. فقد كُتب أوَّلهما للّذين يتساءلون عن وجود الله. وكُتب الثاني للّذين تعلّموا أن يضعوا كل شيء موضع البحث والاستفسار، إلا أنه فصل حيوي لكل القراء، لأنه يشجع كل واحد على تقييم معتقداته واتجاهاته.

ومع ذلك يُعتبر هذان الفصلان الإعداديان أساسيين للفكرة العامة للكتاب، لأنهما يساعدان على بناء الثقة في المعلومات الواردة في الفصول 3-10 حيث قدمنا الحقائق الأساسية التي ستساعدك في بحثك عن الله. ونحن نضع هذه الطبعة الجديدة بين يدي الله ليباركها أعظم بركة.

ونودّ أن نسجّل شكرنا لله من أجل محبة وصلوات وبصيرة أصدقاء كثيرين شاركونا  في اختباراتهم الشخصية عن الله. لكل هؤلاء الأصدقاء نقول »شكراً«. إننا ندعو الله أن تجد في محتويات هذا الكتاب معونة حقيقية لك. وبكل سرور نضع هذا الكتاب الصغير في يدي الله ليبارك كل ما جاء به لخير القارئ الكريم


الفصل الأول: هل هناك إله؟

ربما مرَّت بك أوقات بدت فيها الأمور بلا أمل، حتى أنك لم تشك في محبة الله فقط، بل تساءلت أيضاً عن وجوده!

لم يشرح لنا الكتاب المقدس وجود الله ولا أثبته، ولكنه ببساطة اعتبره أمراً مسلَّماً به. وتقول أول عبارة فيه: »فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ« (تكوين 1:1). وهذا تصريح بسيط وعميق يعلن أن الله موجود وأنه سبحانه خالق الكون.

منذ عدة سنوات حصلت زوجتي على وظيفة رئاسية في التمريض في إحدى أشهر المستشفيات النفسية في أوروبا. وذات يوم سخر طبيب أمراض نفسية مشهور من إيمانها، وكان يفتخر بأنه ملحد. فأجابته: »يا دكتور، أنت تعلم أني أحترمك جداً كمتخصّص في مجالك، فأنت مُحاضر جامعي عظيم، واسمك مشهور في مجال العمل الطبي. ولكن هل تسمح لي أن أقترح عليك قبل أن تبدأ في الإعلان ثانية بأنك ملحد أن تقرأ الكتاب المقدس بنفس الجدية التي تميَّزت بها أبحاثك النفسية؟«. ثم ذكَّرته بالعديد من مرضاه الذين خرجوا أصحاء من قسم الأمراض النفسية المزمنة بعد التغييرات العجيبة التي أحدثتها قوة الله في حياتهم. وذكرت له اسم مريضين كانا قد تغيَّرا بطريقة درامية، ويعيشان بعد تمام شفائهما حياة مثمرة. وحدَّثته كيف أن هذين المريضين عرفا الله بطريقة شخصية. وكان الطبيب يعلم تماماً أن هذين المريضين لم يتلقَّيا العلاج النفسي بالطرق الحديثة. ولم يكن يقدر، لا كملحدٍ ولا كطبيب نفساني، أن يفسِّر ظاهرة شفائهما وتغيير حياتيهما بطريقة علمية!

وهنا طلب هذا الطبيب (الذي ذكر توّاً أنه لا يؤمن بالله) من زوجتي أن تصلي من أجله، ووعدها أنه لأول مرة في حياته سوف يبدأ قراءة الكتاب المقدس بجديَّة وفكر منفتح.

وبعد سبعة أسابيع من القراءة الدقيقة قال الطبيب النفساني لزوجتي إنه لم يعُد بعد قادراً أن يجاهر بإلحاده. ومع ذلك فقد كانت عنده مشكلة: إن تسليم نفسه لله يتطلَّب منه تغيير أسلوب حياته. وقال: »لم تعُد مشكلتي عقلانية، لكني أجد نفسي عاجزاً عن قبول التغييرات التي قد تحدث في حياتي إن أصبحتُ مؤمناً مُخْلصاً«.

وبعد أن صلّينا من أجل صديقنا الطبيب لمدة عشر سنوات استلمنا منه خطاباً يخبرنا عن إيمانه الذي حصل عليه مؤخَّراً، وعن تسليمه الشخصي لله. ففاضت قلوبنا بالفرح، ولكن بدون دهشة، لأننا كنا نعرف »إِذاً الْإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللّهِ« (رومية 10:17).

لقد أراد الله أن يعرِّفنا نحن البشر بنفسه، فأودع في داخلنا إحساساً عميقاً بوجوده.

ربما اختار بعض الناس أن لا يؤمنوا بالله، ولكن ليس هناك إنسان على كوكب الأرض يستحيل عليه أن يؤمن بالله، فقد أعطانا الله في الكون براهين كثيرة مقنعة بوجوده. وكلما زادت معرفتنا العلمية بأسرار الكون، يستحيل أن نقول إن هذا الكون قد أتى إلى الوجود  بدون مصمِّم ومخطط. إن أحداً لا يستطيع أن يدّعي أن مركبة فضائية تسبح عالياً في الفضاء وتدور حول الأرض ثم تهبط في اللحظة والمكان المحدَّدين لها من قبل، بدون العبقرية الخلاّقة والتعاون الكامل بين المصمّمين والفنيين وعلماء الرياضة.

أليس هذا ما نراه في غروب الشمس، وتعاقب الفصول، وحركة المجموعات الشمسية والذرات، وقوة الجاذبية الأرضية، وقدرة المحبة؟ وكل هذه لا يمكن أبداً أن توجد بدون ذلك التخطيط والتصميم من إله خالق.

ويحتاج التصديق »أن الخليقة وُجدت بالصدفة« إلى مجهود أكبر مليون مرة من المجهود الذي نحتاجه لنؤمن أن الله هو الخالق المبدع لكوننا، فلا تصميم بدون مُصمّم، ولا حركة بدون مُحرّك. حتى الحكومة التي تنكر وجود الله، تعلن عن ثقتها في قوانين الكون ونظامه كلما أطلقت ملاّحاً إلى الفضاء. ولا يستطيع ملاحو الفضاء أن يعودوا سالمين إلى الأرض إلا إذا خضعوا لقوانين الطبيعة، التي يُعتمد عليها دائماً!

إننا ندرك القوة المدمِّرة التي تنطلق مع انفجار القنبلة الذرية، ومع ذلك فإن الشمس تطلق كل ثانية مقداراً من الطاقة يعادل خمسة آلاف بليون قنبلة ذرية. وبالمقارنة بالطاقة التي تطلقها النجوم، فإن شمسنا ليست كبيرة جداً، كما أننا لا نعرف بالتحديد عدد النجوم السائرة في الكون.

ورغم أن بلايين النجوم تتراءى على مرمى بصر الإنسان فإن هذه تُعتبر »المنطقة الهدابية« أي الحافة الخارجية للفضاء الواسع المجهول! واليوم، يدرك علماء الفضاء أن الطاقة المنطلقة من بعض المجموعات الشمسية هي أكبر ببلايين الأضعاف من الطاقة المنطلقة من الشمس! فكيف يمكن لهذه القوة أن توجد بغير خالق قوي؟

إن الخليقة تقودنا لنعرف إله التخطيط والتصميم، وإله القانون وإله القوة غير المحدودة. »السَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللّهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍ يُذِيعُ كَلَاماً، وَلَيْلٌ إِلَى لَيْلٍ يُبْدِي عِلْماً. لَا قَوْلَ وَلَا كَلَامَ. لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُمْ. فِي كُلِّ الْأَرْضِ خَرَجَ مَنْطِقُهُمْ، وَإِلَى أَقْصَى الْمَسْكُونَةِ كَلِمَاتُهُمْ. جَعَلَ لِلشَّمْسِ مَسْكَناً فِيهَا« (مزمور 19:1-4). »لِأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلَاهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلَا عُذْرٍ« (رومية 1:20). إذاً ليس هناك عذر لأي إنسان في أي وقت لينكر وجود الله.

وما أكثر الذين يشعرون بالضآلة والصغر والتواضع كلما تأملوا اتساع ونظام قوة الله الخالقة. ومن هؤلاء نبي الله داود الذي وقف خاشعاً أمام عظمة الله بالمقارنة بضعفه البشري، فتساءل: »إِذَا أَرَى سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ، الْقَمَرَ وَالنُّجُومَ الَّتِي كََوَّنْتَهَا، فَمَنْ هُوَ الْإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟« (مزمور 8:3-4).

واليوم وقد زادت معلوماتنا عن سماوات النجوم التي تكبّرها التلسكوبات العملاقة إلى نصف مليون مرة، وحيث ترسل الأقمار الصناعية صوراً إلى كوكب الأرض أثناء رحلاتها في الفضاء الخارجي، قد نسأل نفس سؤال داود: »كيف يمكن لله الذي خلق كل هذا أن ينشغل بي أنا الضئيل؟«.

ومع ذلك فإن عالم المجهر عظيم كعالم التلسكوب. فاليوم نعلم أن عالم الأجسام المتناهية في الصِّغر، والتي لا تُرى إلا بالمجهر مثير للدهشة، تماماً كجبروت الفضاء الخارجي. حتى أن الضوء أكبر وأكثر شدة من أن يكشف أسرار عالم »ما دون المجهر«. وما قد يفلت من مجهر المعمل التقليدي يمكن التقاطه بواسطة المجهر الإلكتروني الذي يستطيع أن يكشف لنا الروعة، والتصميم، والقانون، والقوة المتجسِّمة في عالمنا الصغير والدقيق جداً بدرجة لا تُقاس.

فإن كنت تتعجب كيف يهتم الله بإنسان ضئيل، فانصِت إلى علماء الطبيعة النووية وهم يخبرونك أن الأجسام المتناهية في الصِّغر هامة جداً لحفظ توازن الكون كله، فنيوترونات ذرَّة حجمها جزء واحد من 12 من الجزء التريليوني من البوصة تجمع المادة لتصبح كتلة صلبة، ولولاها ينفجر العالم ويتبدد في انفجار كوني نووي. نعم إن للصغر والضآلة نفس أهمية الكبر والعظمة، بالنسبة إلى إله الخليقة. وعندما نسأل: »من هو الإنسان حتى تذكره؟« نكون مطمئنين لأننا نعرف أن حجم الإنسان لا يحدِّد قيمته. فهناك عوامل كثيرة جداً تشهد أن لنا قيمة شخصية عظيمة عند الله.

وقد أظهر الله لنا لماذا نحن ذوو قيمة عنده، وكيف أننا أعزاء في عينيه.

ورغم أن الخليقة نفسها تتحدث عن إله التخطيط والقانون والقدرة، إلا أن الله اختار طريقاً آخر ليعلن لنا ذاته كإله المحبة اللامحدودة، الذي يريد خيرنا الأعظم. ولتتعرَّف على هذا الإله ينبغي أن يكون لديك مرشد روحي تثق فيه ثقة كاملة.

وقفة للتفكير

هل يمكن أن يكون الكون المنظم هذا التنظيم المدهش قد وُجد بالصدفة، بدون إله خالق؟

تشهد الخليقة لك عن إله خالق، أعلن عن نظامه وقوانينه وقوته. ولكن هل تقدر الخليقة أن تشرح لك محبة الله ورحمته؟

»يمكن أن يجتاز شخص كهفاً مظلماً بسهولة إن دخله يحمل مشعلاً« (أفلاطون).

»الطبيعة هي الضوء المعتم الذي يدخل من فتحة كهف، أما كلمة الله فهي السراج المنير« (أ. ه. سترونج).


الفصل الثاني: هل مرشدك الروحي موضع ثقة؟

منذ وقت دقَّت الصحف ناقوس الخطر بسبب خسارة مأساوية في الضحايا البشرية عندما تحطمت طائرة بسبب إشارة رادار خاطئة. ومع ذلك فإن هذه الحادثة تبدو ضئيلة إذا قورنت بما يحدث للناس، الذين يضعون ثقتهم في جهاز رادار روحي خاطئ يقودهم إلى كارثة روحية.

واليوم توجد أصوات عديدة متصارعة ومشوَّشة في العالم، يدَّعي كلٌّ منها أنه المرشد إلى الله. فكيف يمكنك أن تميِّز الصوت الذي تثق فيه؟ علماً بأن الخطأ هنا خطير للغاية، لأنه يؤدي إلى كارثة أبدية! قال رئيس الوزراء البريطاني أ. جلادستون: »يتميَّز الكتاب المقدس بخاصية الأصالة، وهناك مسافات شاسعة بينه وبين كل منافسيه«. وقال الرئيس الأمريكي إبراهام لنكلن: »أومن أن الكتاب المقدس هو أعظم هدية أعطاها الله للبشر«.

ورغم أن عظماء كثيرين في التاريخ شهدوا أن الكتاب المقدس فريد لا نظير له، إلا أن الشهادة العظمى له تنبع من داخله، من محتوياته!

كان الملك داود واضحاً في إمكانية الاعتماد على مرشده الروحي، فقال: »سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلَامُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي« (مزمور 119:105). وإلى هذا اليوم يجد الناس أن الكتاب المقدس موضع ثقة ليرشدهم إلى الله. ومع أن البعض حاولوا أن يحطموا حقيقة صدقه، إلا أنه يقف صادقاً راسخاً بلا مثيل بين كتب العالم، تضع فيه أرقى شعوب العالم ثقتها.

ولأن الناس تحتاج إلى التأكيد أن الكتاب المقدس هو حق أصيل، فقد ختم الله على صدقه بأختام عديدة تؤكد أنه »كلمة الله«. فمن داخل صفحاته، ومن سجلات التاريخ العالمي، يجد الباحث المُخلص أقوى البراهين التي تدعِّم حقيقة أن »كُلَّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللّهِ« (2تيموثاوس 3:16).

ولو أن الكتاب المقدس كتبه كاتب واحدٌ، فلن نندهش إن كانت موضوعاته تتطوَّر بطريقة منظمة ومطَّردة. ولكن »كتاب الكتب« هذا لم يكتبه شخص واحد، بل »تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ« (2بطرس 1:21) وهم نحو أربعين، أتوا من ثقافات مختلفة في فترة قرون عديدة. ومع ذلك فهو يحتوي على سجل ثابت ومنظم وفريد عمَّن هو الله، وهذا في حد ذاته معجزي!

أضِف إلى ذلك أن علماء الآثار يكتشفون باستمرار إثباتات تؤكد الدقة التاريخية لما سجله الكتاب المقدس، وقد أكَّدوا صدق كل ما جاء به لمن كانوا يسخرون منه باعتباره أسطورة. فعلى سبيل المثال في سنة 1868 زار رحالة ألماني يُدعى »كلاين« أرض موآب القديمة، وهي اليوم »المملكة الأردنية« وهناك اكتشف حجراً أثرياً نُقش عليه أربعة وثلاثون خطاً بواسطة »ميشا« ملك موآب، وذلك في ذكرى تمرده على ملكي إسرائيل: عُمري وأخآب. وقد جاء ذكر ذلك في 2ملوك 1:1 حيث قيل إن هذين الملكين استعمرا موآب. فالكتاب المقدس والآثار متوافقان تماماً. وتؤكد حفريات اليوم الدقة التاريخية لما سجله الكتاب المقدس.

إن الكتاب المقدس هو كتاب الله الذي يحتوي على رسالة الله لكل الناس.

ومع أن الكتاب المقدس هو كتاب الله، إلا أن البعض لا يقرأونه بسبب بدعة شائعة هي أن العالم ينقسم إلى مجموعتين: مجموعة العلماء الذين يواجهون الحقائق، ومجموعة المؤمنين الذين لا يريدون أن يدرسوا الحقائق. وتقول تلك البدعة إن العالِم الحقيقي لا يمكن أن يكون مؤمناً! ولكن يوجد اليوم كثير من العلماء العظماء الذين يؤمنون بالله وبكتابه المقدس. ورغم أن الكتاب المقدس ليس كتاباً علمياً، إلا أن الاكتشافات العلمية لا تناقض ما جاء فيه. غير أن أهداف الكتاب المقدس تذهب إلى ما هو أبعد من حدود العِلم، فالعِلم لا يقدر أن يشرح سبب وجودنا على كوكب الأرض، ولا أن يخبرنا إلى أين نحن ذاهبون بعد موتنا. والعِلم لا يستطيع أن يخبرنا ما هي الحياة، ولا ما هي قيمة الإنسان الروحية والفكرية والعاطفية. وعلى هذا فمهما بلغ ذكاؤنا، فإننا نحتاج إلى معونة إلهية لنعرف الحق عن الله، فلا غرابة أن يقول الفيلسوف وعالِم الرياضيات الفرنسي بليز باسكال: »إن أسمى إنجاز للعقل هو أن يرى أن هناك حداً للعقل«. فالعقل وحده لا يمكنه أن يعطينا أجوبة يُعتمد عليها بخصوص أسئلة الحياة الأكثر أهمية، ما لم تكن هذه الأجوبة في كتاب الله.

والآن دعنا نتأمل برهانين قويين على أن الكتاب المقدس هو في الحقيقة كتاب الله:

البرهان الأول هو الدقة التي تفوق التصديق في نبوَّاته.

والبرهان الثاني هو تأثير الكتاب المقدس القوي والإيجابي في حياة كل الذين أخذوا رسالته مأخذاً جدياً.

الدقة النبويَّة للكتاب المقدس

هناك فضول داخلي في معظمنا لأن يعرف ماذا يخبئه لنا المستقبل. والكتاب المقدس يكشف بعض أحداث المستقبل الهامة، ويقدم بعضها في تفصيل موسَّع وخلاب. وقد تتساءل: »كيف يمكنك أن تتأكد؟«.

لإجابة هذا السؤال دعنا نتصور أنك في إجازة تزور أثناءها بلداً لم يسبق لك أن زُرتَه، وليس لك من مرشد في ذلك إلا خريطة في يدك، وقد اكتشفتَ بالأمس أنه بإمكانك أن تعتمد على هذه الخريطة، لأن ما أشارت إليه هو ما وجدتَه، سواء كان نهراً أو بلداً قضيت فيها الليلة الماضية. واليوم عليك أن تختار الطريق الذي تسلكه. أمامك منطقة غير معروفة لديك، وتقول الخريطة إنك لو اتجهت يساراً ستجد غابة تؤدي إلى بحيرة واسعة، وأنت تريد أن ترى هذه البحيرة. فماذا تفعل؟ أعتقد أنك سوف تتبع ما توجِّهك إليه الخريطة، لأنها أثبتت بالأمس أنها مرجع دقيق جدير بالاعتماد في منطقة مجهولة لك، وأفادتك بما سوف تجده قبل أن تصل إليه. وكان هذا صحيحاً.

وتبرهن الدقة المتناهية لنبوات الكتاب المقدس عن الأحداث المستقبلية على أن هذا الكتاب هو من عند الله، لأننا نقرأ في صفحاته نبوات كثيرة تحققت تماماً، مع أن التنبّؤ بها سبق تحقيقها بمئات السنين. وهي تغطي دائرة متسعة من البلاد والشعوب، وتتضمَّن تفاصيل محددة جداً عن بني إسرائيل والبلاد المحيطة بهم. أما مئات النبوات الخاصة بمجيء المسيح إلى أرضنا، وميلاده ومعجزاته وموته وقيامته ومجيئه ثانية، فهي أكثر أهمية، لأن كثيراً منها هو الآن تاريخ واقع.

ويحقُّ لنا على أساس سجل الأحداث هذا أن نفترض أن المستقبل سوف يتكشَّف تماماً كما يتنبأ الكتاب المقدس. وتأتينا كل سنة بإثبات جديد يبرهن صدق نبواته، فكأنك وأنت تقرأ الكتاب المقدس تقرأ صحف الغد.

كان الدكتور ولبر سميث طيلة حياته تلميذاً للكتاب المقدس. وكان يسعده أن يشير إلى دقة نبوَّاته وهو يقارن نبوات التوراة العديدة التي تتكلم عن المسيح بالتعاليم الأخرى التي تدَّعي أن الحق عندها، فقال: »لا يستطيع مؤسِّس أية ديانة أن يجد كتابةً قديمة تنبئ بصورة دقيقة عن ظهوره«.

ونعترف أن بعض ما نسميه »نبوَّات« لا يحتاج إلى كثير من الوحي حتى يصبح دقيقاً. فبمساعدة العقول الإلكترونية واستطلاعات الرأي والمعطيات التاريخية تستطيع وسائل الإعلام أن تتنبأ بمن سيفوز في الانتخابات قبل أن تُغلق صناديق الاقتراع. وليس هذا غريباً، فإن عندهم إحصائيات تمكِّنهم من فعل ذلك. لكن إن طلبت من أفضل صحفي أن يحدِّد لك قائمة الداخلين في الانتخاب الذي سوف يُجرى بعد عشر أو خمسين سنة من الآن، ثم سألته من الذي سوف يفوز، وعن تفاصيل الأماكن التي سوف يولد فيها من سيفوزون في الانتخابات وأسلوب حياتهم المستقبلي، والظروف التي سوف تحيط بموتهم، فلن تجد عنده جواباً! ولو سألت هذا الصحفي عما سيحدث بعد ألف سنة من الآن، وأن يحدِّد المدن التي سوف تُدمَّر أثناء هذه الفترة الطويلة، فلن تجده دقيقاً في نبواته!

لكن، لو أن الإله العارف بكل شيء ألهم هذا الصحفي، فسيعرف النهاية من البداية. وفي هذه الحالة فقط نتوقع منه أنه سيعرف الآتيات! لقد أنبأنا الكتاب المقدس بتفاصيل إجابات أسئلة مثل هذه التي اقترحنا أن نوجِّهها لهذا الصحفي، مع تفاصيل أخرى أكثر تعقيداً، وعلى مدى زمني أطول.

إن تاريخ مدينة صور القديمة على سبيل المثال، هو تحقيق يفوق الوصف لما أنبأ به الله أنه سيحدث لهذه المدينة، وذلك في حزقيال 26:3-21. فإذا قرأت »الموسوعة البريطانية« وما أوردَتْه عن »صور« ستقرأ تأريخاً موثَّقاً لما ورد في سفر حزقيال كنبوَّة مستقبليَّة!

النبوة: قبل أن تجري الأحداث تنبأت التوراة بمستقبل مخيف لمدينة صور. قالت: »هَئَنَذَا عَلَيْكِ يَا صُورُ فَأُصْعِدُ عَلَيْكِ أُمَماً كَثِيرَةً.. فيخربون أسوارك ويهدمون أبراجك. وأَسْحي ترابك عنك، وَأُصَيِّرُكِ كَضِحِّ الصَّخْرِ فَتَكُونِينَ مَبْسَطاً لِلشِّبَاكِ... وَيَضَعُونَ حِجَارَتَكِ وَخَشَبَكِ وَتُرَابَكِ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِ« (حزقيال 26:3  و4 و12 و14).

التاريخ: عندما تقرأ سجلات التاريخ تعرف أن نبوخذ نصر دمَّر مدينة صور القديمة، وخرَّب أسوارها وأبراجها تماماً، فتحقَّقت النبوة حرفياً. وبعد ذلك رمى مهندسو الإسكندر الأكبر خرائب صور القديمة، من أحجار وأخشاب وتراب، في البحر ليصنعوا ممرّاً إلى الجزيرة. وإلى هذا اليوم ما زال حطام صور القديمة مدفوناً تحت مياه البحر. قال الله إنه سوف يحدث، وقد حدث. ورغم أن هناك مدينة معروفة باسم صور في الشرق الأوسط اليوم إلا أنها ليست مدينة صور القديمة التي دُمِّرت نهائياً في سنة 1291م.

فإذا زرت مكان مدينة صور القديمة اليوم، فسترى تحقيقاً فائق الوصف للنبوات. سترى تجمُّع بعض الصيادين معاً في قرية صغيرة، يخرجون بمراكب الصيد إلى البحر، بينما شباكهم تجفّ على الصخور العارية! فكيف تستطيع الحكمة الإنسانية أن تنبئ بهذا المستقبل غير المتوقَّع لمدينة مزدهرة تجارياً كصور القديمة؟!

قارن بيتر ستونر سبع نبوات عن صور القديمة بالسجل التاريخي، وبعد حسابه الاحتمال الحسابي لتحقيق نبوات حزقيال قال: »لو كان حزقيال في أيامه تطلع إلى مدينة صور، ونطق بهذه النبوات السبع بحكمته الإنسانية، فإن التقديرات تؤكد أن لديه فرصة واحدة من 75 مليون فرصة لتتحقَّق نبواته! ولكنها كلها تحققت بأدق التفاصيل«.

والآن دعنا ننظر إلى نبوَّة عن ميلاد طفل رضيع، هو المسيح. فقد ذكر البشير متى (جابي الضرائب المتقاعد) أربع نبوات جديرة بالملاحظة عنه، تحقَّقت بولادته. في إحداها، استشهد متى بالنبي ميخا الذي طالما هاجم ظُلم الحكام المخادعين في أيامه. وكان ميخا قد عاش كسير القلب لأن بلاده كانت بلا قائد ذي سلطان، ومع ذلك فقد رأى مستقبلاً أكثر لمعاناً لما أوحى الله له أن حاكماً صاحب سلطان سيُولد في بيت لحم، فقال ميخا بالوحي: »أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الْأَزَلِ« (ميخا 5:2).. وتحققت نبوة ميخا، فلم يولد المسيح في الناصرة مسقط رأس عائلته، بل في بيت لحم أفراتة، بسبب أمر أصدره الإمبراطور الروماني، حتَّم على يوسف ومريم أن يسافرا إلى مسقط رأس جدودهما في بيت لحم.

إن احتمالات تحقيق هذه النبوة ضئيل جداً. ومع ذلك فقد حدث تماماً ما تنبأ به ميخا. وهذه واحدة فقط من مئات النبوات المذهلة عن حياة المسيح، وقد تحقَّقت كلها.

يقول الله إنه »مُخْبِرٌ مُنْذُ الْبَدْءِ بِالْأَخِيرِ وَمُنْذُ الْقَدِيمِ بِمَا لَمْ يُفْعَلْ، قَائِلاً: رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي.. بِالْأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ زَمَانٍ أَخْبَرْتُ، وَمِنْ فَمِي خَرَجَتْ وَأَنْبَأْتُ بِهَا. بَغْتَةً صَنَعْتُهَا فَأَتَتْ. أَخْبَرْتُكَ مُنْذُ زَمَانٍ. قَبْلَمَا أَتَتْ أَنْبَأْتُكَ، لِئَلَّا تَقُولَ: صَنَمِي قَدْ صَنَعَهَا، وَمَنْحُوتِي وَمَسْبُوكِي أَمَرَ بِهَا« (إشعياء 46:10 و48:3-5). لقد أثبت التاريخ أن هذه النبوات وحيٌ إلهي، ولذلك تحققت تماماً.

تأثير الكتاب المقدس القوي

تأثير الكتاب المقدس القوي إثباتٌ ثانٍ أنه كلمة الله، ورسالته تعطي كرامةً للجنس البشري حيثما وأينما عُلِّمت وأُومن بها، اجتماعياً وثقافياً وشخصياً.

قبيل إرسال الطبعة المنقحة من هذا الكتاب إلى المطبعة زارنا صديق، راجعنا معه المخطوطة، فغالبته دموعُه بينما كنا نقرأ الفصل السابع. ورغم عدم وجود شيء يثير المشاعر، توقَّفنا مرتين لننحني في صلاة وتسبيح أمام الإله الذي كنا نقرأ عن محبته. ثم شكرنا الله معاً من أجل أناته ورحمته، ومن أجل كل لمسةٍ من حبه في حياتنا لا نستحقها. وامتلأت نفوسنا بالفرح ونحن نحس بحضور الله الحي معنا.

كان لهذا اليوم أهمية خاصة لصديقي. فقَبله بسنة واحدة كان جالساً وحيداً في شقة فاخرة. ولكن كل هذا الجمال المحيط به وقتها لم يعطه أي فرح، بل انتابه يأسٌ داخلي حتى أنه فقد الرغبة في الحياة. وكان في بحثه عن السعادة قد أطلق العنان لكل شهواته الحيوانية. كلفه إدمان الكوكايين ثروة! شرب أفخر أنواع الخمور. ولكن هذه كلها كانت سبباً في تزايد شقائه. قضى سنوات يسافر حول العالم. أكل ولائم مع أغنى الأغنياء، ولكنه في تلك الليلة كان وحيداً، ليس له من أنيس! وقرر أن يضع نهاية لحياته التعيسة، وبتصميم صارم أخذ مسدسه ووجَّهه إلى رأسه، وأمسك بالزناد وهو يقول لنفسه: »هي لحظة وأمضي إلى عالم النسيان! عندئذ تنتهي آلامي إلى الأبد«. في هذا الجزء من الثانية (صديقي لا يعرف كيف حدث ذلك) تغيَّر برنامج التلفزيون الذي كان مفتوحاً، ووجد نفسه يستمع إلى رسالة من الكتاب المقدس تُقدِّم مستقبلاً عامراً بالرجاء. ولمس ما سمعه قلبَه، فسجد يسأل ربَّه الغفران والرحمة، وآتاه الله ما سأل! وبسبب قوة الله التي غيَّرت حياة صديقي جذرياً، كان يجلس أمامي وكله تسبيح لله وانبهار من محبته. وروى لي أنه قبل ولادته كان أبواه يصلّيان من أجله، ورغم أنه كشابٍّ صغير درس الكتاب المقدس، إلا أنه رفض أن يقبل رسالة الله. وفي عالمه المليء بالغِنى والرفاهية والامتيازات تمرَّد على الله وانغمس في لامبالاة أخلاقية لا يمكن تصديقها.

قبل سبعة عشر عاماً من تلك الليلة المشهودة كان صديقي قد عزم أن يسجل مذكراته، ولكنه لم يجد ما يستحق التدوين خلال تلك الأعوام السبعة عشر من العيش المرفَّه والمسرف. لقد أدار صديقي ظهره لله الحي، وسافر رحلة روحية مزيفة غير مشبعة، بدأت بالانشغال ب »حظك اليوم« ثم الاستعباد الذهني للموسيقى الصاخبة وحفلاتها. وبعد ذلك قاده إعجابه باليوجا إلى دراسة الفلسفة الهندوسية والاندماج الفعلي في أعمال السحر والشعوذة. لم يكن هناك شيء اختبره خلال تلك السنين يستحق أن يدخل في كتاب مذكراته البني اللون المغلَّف بالجلد الفاخر، فبقيت صفحاته بيضاء مع ألم الفراغ، حتى تلك الليلة المشهودة عندما تقابل مع الله، حيث سجَّل صديقي أول حَدَث ذا قيمة في مذكراته. وكم فرحتُ بقراءة ما كتبه. إنه تفسير مقدس وروحي لإنسان محتاج خلَّصه الإله الحي برحمة عظيمة من عماه الروحي، وأنقذه من اليأس والموت بنور حقّه وحبّه العجيب.

أعلن الله لنا ذاته في الكتاب المقدس بسبب ارتباك الإنسان الروحي، مثل عمى صديقي. إن تحوَّلت عن الكتاب المقدس، المرشد الروحي الوحيد الذي يُعتمد عليه ستحبس نفسك في الخديعة والخطأ. ولكن إن كنت في بحثك عن الله تقرأ الكتاب المقدس بعقل منفتح قابل للتعلُّم، فستجد أنه يحتوي على كل النور الروحي والقيادة التي تحتاجها.

ومن خلال كلمة الله وحدها ستكتسب فهماً واضحاً لله كما أعلن لنا ذاته، ففي الكتاب المقدس تتعرَّف على المسيح الحق نفسه، الذي هو كلمة الله ونور العالم.

يا رب كلمتك لا تهتز

وخطوات قدميَّ بها تعتز

خليقتك تصدق الحق فيها

نوراً وفرحاً تهديها.

وقفة للتفكير

هل توجد مخطوطات أو »كتابات مقدسة« يمكن مقارنتها بالكتاب المقدس من حيث صحة إنبائها بالمستقبل؟

هل تعرف شخصاً تغيَّرت حياته لأنه قبِل رسالة الكتاب المقدس؟

هل حدث مرة أنك أنقصت من قيمة تعاليم الكتاب المقدس الفريدة، في وقت كنت فيه  تهمل قراءته بفكر منفتح؟

»لو واجهنا جميعنا كل ما في السماء والأرض من مشاكل، لَمَا قورنت بالتساؤلات: من هو الله؟ وبمن نشبِّهه؟ وما هو موقفنا منه كمخلوقات عاقلة« (أ. و. توزر).


الفصل الثالث: بمَن نشِّبه الله؟

في وقت ما من الحياة يتساءل معظم الناس: »بمن نشبِّه الله؟«. ومع أن الله أعدّ جواباً لهذا السؤال، إلا أن هناك من يفضّلون الاعتماد على تصوُّرهم وتخمينهم لله، بدلاً من أن يقرأوا ما قاله عن نفسه في كتابه، فقد قال: »نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا« (تكوين 1:26). فالإنسان على صورة الرحمان. ولكن كأنهم يقولون: »لنعمل الله على صورتنا«. وبهذا »أَبْدَلُوا مَجْدَ اللّهِ الَّذِي لَا يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الْإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى« (رومية 1:23). وكل إله اخترعه خيال إنسان جاء إلهاً عاجزاً مغايراً للحقيقة!

ومهما بلغ اجتهاد الإنسان، فهو لا يقدر بحكمته الذاتية أن يكتشف الله الحي، لأن العالم لا يعرف الله بالحكمة البشرية بل بالإعلان الإلهي (1كورنثوس 1:21). فلو كان ممكناً أن نكتشف الله بالاجتهاد الإنساني فإنه يكون (حاشا لله) أقل من عقل الإنسان. ليس هذا فقط، بل إن كان الاجتهاد الإنساني ضرورياً لاكتشاف الله، فماذا يفعل البسطاء من البشر؟! والأمر غير ذلك، فالحكمة الروحية مُتاحة لكل إنسان، وبنفس القدر، لسيِّدة أُمِّية تتوكأ على عكاز كما لأستاذ جامعي، ولا تُكتسب الحكمة الروحية في المدارس، لكنها مُتاحة لكل من يتَّضعون بالكفاية حتى يدركوا احتياجهم لمساعدة الله في بحثهم عنه. »إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللّهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلَا يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ« (يعقوب 1:5). وهذا النوع من الحكمة ليس دنيوياً بل سماوياً. إنها الحكمة »الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هذَا الدَّهْرِ (أي قادة نظامنا العالمي) وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللّهِ، لِنَعْرِفَ الْأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللّهِ« (1كورنثوس 2:8-12).

وليس الكتاب المقدس مجرد أحاديث دينية، لكنه سجلّ يعلن الله ذاته فيه للإنسان. والله وحده يعطيك الحكمة الروحية التي تحتاجها لتفهم من هو، وما الذي يريد أن يجريه في حياتك. فإذا سألته فإنه قريب يجيب دعوة الداعي، وسيعلن لك ذاته من خلال كلمته المقدسة.

في سفرياتنا وجدنا اشتياقاً وبصيرة روحيين عميقين في كل مكان، ووسط أناس قد يظن البعض أن الأمور الروحية لا تعنيهم. ذات يوم قابلنا مجموعة أولاد أفريقيين في أدغال كينيا. وبينما كنا نتحدث معاً أظهروا شغفهم العظيم بالأمور الروحية، وأرادوا أن يحدِّثونا عن إيمانهم، وأن يتعلّموا أكثر عن الله. ولما غابت الشمس الاستوائية وراء الأفق، وانتهى يومٌ طويلٌ مليء بالعمل، جلستُ على صخرة بجانب زقاق كينيٍ مُترِب لأستريح، فسمعت حركة في الأدغال. ولما التفتُّ رأيت في ضوء القمر عينين سوداوين واسعتين لصبي في العاشرة، سرعان ما جاء وجلس بجانبي، فجعلنا نتحدث. وبسرعة أصبحنا صديقين. وانضمّ إلينا أولاد آخرون سمعوا صوتنا. وأذهلتني معرفتهم بالكتاب المقدس. وسألني صديقي الجديد الصغير: »لماذا لم يسمح الله لموسى أن يرى وجهه؟«. وأجبتُه بأن سألتُه إن كان يستطيع أن يتذكر صلاة موسى قبل قول الله له: »ثُمَّ أَرْفَعُ يَدِي فَتَنْظُرُ وَرَائِي. وَأَمَّا وَجْهِي فَلَا يُرَى« (خروج 33:23). ولكنه لم يتذكر. فقلت له إن موسى قال لله: »أَرِنِي مَجْدَكَ« (خروج 33:18). أي أن موسى طلب من الله أن يعرف ماذا يشبه الله. وهذا السؤال يمثِّل مشكلة، لأن مجد الله أبعد جداً من أن يقدر موسى على استيعابه أو فهمه، فقداسة الله ونوره أشبه بنار آكلة، حتى أن الله حذَّر »الْإِنْسَانَ لَا يَرَانِي وَيَعِيشُ« (خروج 33:20).

لم يعلم موسى تماماً عظمة مجد الله، ولكن الله المحب الذي يعلن عن نفسه للبشر ليجتذبهم إليه، أعلن نفسه لموسى على قدر ما استطاع النبي أن يحتمل. ولو أن الله أظهر كل مجده لموسى لَفَنِي موسى تماماً من لمعان حضوره! فأخفى الله ملء مجده عنه، ومرَّ مجد الله حيث كان موسى، وموسى مختبئ في نقرة من الصخرة (خروج 33:22).

وفهم أصدقائي الصغار الفكرة. إنهم لا يقدرون أن يحملقوا في ضوء الشمس اللامع دون أن يغطوا عيونهم، كما كانوا يعلمون أن الفراشات تطير حول النور، لكنها تحترق إن اقتربت منه أكثر من اللازم!

وقدمت لهم مثلاً آخر: كانوا يعرفون القماط الذي تلف فيه أمهاتهم إخوتهم الرُّضع، والذي يعطي الرُّضَّع أماناً بالقرب من قلوب أمهاتهم المليئة بالمحبة والعناية الرقيقة. عندئذ حدَّثتهم عن القماط الذي لفَّه الله حول الأرض (أيوب 38:9)، ويسميه العلماء طبقة الأوزون، وهو غطاء رقيق من الأوكسجين يصفّي أشعة الشمس فوق البنفسجية التي تسبِّب السرطان. ومعروف أنه بدون الشمس لن توجد حياة على كوكب الأرض. ولكن عناية الله الرقيقة حمَتْنا من جرعة زائدة من الطاقة الشمسية ومن آثارها المسبِّبة للسرطان.

بدا على أصدقائي الصغار شغفهم بالقماط الذي صنعه الله، والذي يحمينا من كل الحروق المتعِبة. واستجابت قلوبهم الصغيرة برقَّة إلى حب الله، وقضينا وقتاً طيباً في الصلاة معاً. لقد عرفوا فعلاً وبطريقة شخصية نفس الحماية التي تمتع بها موسى في سؤاله عن الله.

وقد أعطانا الله فهماً أكمل لذاته لما أخبرنا بأسمائه. والأسماء في الكتاب المقدس هامة جداً، لأن معناها يعلن ملامح شخصية حاملها. وكل اسم يُشير لله له معنى خاص، ويكشف جانباً فريداً لشخصه الإلهي.

وتقدم التوراة ثلاثة أسماء أساسية لله هي: يهوه وإلوهيم وأدوناي. وكل اسم له معنى خاص. فإلوهيم في العبرية هو نفسه »الله« في العربية. وهو أول اسم استعمل لله في التوراة، وورد أكثر من ألفي مرة. ويتكون من ثلاثة مقاطع »أل - إيل - هيم«. و»أل« هي أل التعريف، و»إيل« اسم الله الشخصي وتعني قوة. أما »هيم« فهي في محل خبر لمبتدأ. (المبتدأ إيل والخبر هيم). ومن المهم أن نلاحظ أن الاسم »إلوهيم« جاء في صيغة الجمع. وواضح أن اللغة العبرية، ومثلها العربية، فيهما المفرد والمثنَّى والجمع. والاسم »إلوهيم« ليس مفرداً ولا مثنى، بل في صيغة الجمع! ومع ذلك فهناك حقيقة أخرى واضحة في كل الكتاب المقدس، وهي أن الرب إلهنا رب واحد (تثنية 6:4).

وهكذا ففي أول آية من الكتاب المقدس يعلن فيها الله نفسه للإنسان، نتقابل مع الله »ثلاثة في واحد« و»واحد في ثلاثة»« وذلك في القول الكريم: »فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللّهُ (إلوهيم) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ« (تكوين 1:1) وهذه الوحدة المثلثة هي ما نسميه »الثالوث« وهذا يعني أن وحدانية الله جامعة مانعة.

بعد هذه الملاحظة الأولى عن الوحدة المثلثة لله نقرأ: »وَقَالَ اللّهُ: نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا« (تكوين 1:26). وواضح أن كلمتي »صورتنا« و»شبهنا« هما في صيغة الجمع. ولكن في الجملة التي تليها فوراً نقرأ: »ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ« (تكوين 1:27). وليس »خلقوهم« فالخالق واحد. وهكذا نقرأ عن »واحد« هو »أكثر من واحد«!

إن إلهاً كهذا أبعد جداً من أن تفهمه الحكمة الدنيوية، ولهذا أعطانا الله »الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللّهِ، لِنَعْرِفَ الْأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللّهِ« (1كورنثوس 2:12) بداية من هذه المؤشرات الأوَّلية عن ذاته الإلهية. وتدريجياً أعلن لنا مجده الأبدي ووحدته المثلثة.

إن فهم هذا المضمون عن الله »ثلاثة في واحد« و»واحد في ثلاثة« سيساعدك فيما بعد لتدرك بعض عرض وطول وعمق وعلو محبة الله لك، الذي في محبته يكشف لك نفسه بالتدريج من خلال بقية آيات الكتاب المقدس، لتتعرَّف على الله الآب الذي خلقك، والله الابن الذي فداك، والله الروح القدس الذي يقدِّسك. ومع ذلك فهو الله الواحد.

إن عقولنا الإنسانية لا تستوعب إلا جزءاً ضئيلاً من هذا المعنى، لأنه من المستحيل أن نكتشف الله الحي وندركه في كماله، ولذلك أخذ الله بنفسه زمام المبادرة وعرَّفنا بنفسه. إن الإعلان الكامل لمجد الله وقداسته كان مخفياً عن عيني موسى. وقد تحنَّن الله علينا في المسيح، وكشف »إلوهيم« لنا نفسه على قدر ما نحتمل. والله »الَّذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لِإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللّهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ« (2كورنثوس 4:6). وعندما تأمل يوحنا في وجه المسيح أعلن: »وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الْآبِ« (يوحنا 1:14). ثم سجَّل يوحنا اختباره الشخصي مع الله الذي التقى به في شخص المسيح، وعاش ليروي لنا اختباره مع الله الأبدي، إله الخليقة - إله موسى. وكان لقاؤه هذا مسموعاً مرئياً ومحسوساً، فكتب يقول: »اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا« (1يوحنا 1:1).

إن ما سجله يوحنا لا ينتمي إلى علم اللاهوت المجرَّد،  بل هو شهادة اختبار شخصي عن معرفته بالله الحي. وربما تتساءل: »كيف يمكن لذلك أن يساعدني؟« ويسرع يوحنا ليجيبك بقوله: »وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً« (1يوحنا 1:4).

وهذا الكتاب بين يديك الآن لأن هناك صديقاً يشتاق أن يكون لك أنت أيضاً ملء الفرح. إن فرحاً كاملاً كهذا سيغمر حياتك، كنتيجة لاختبار شخصي وصداقة حيَّة مع الله، كما قال يوحنا: »الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الْآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً« (1يوحنا 1:3 و4).

وكجاذبية النور في ليلة مظلمة، هكذا نور مجد الله ما زال يجذب البشر إليه اليوم. فإذا رغبت أن تعرف بمَن نشبِّه الله، تستطيع أن تصلي مع موسى: »أرني مجدك«.

وقفة للتفكير

هل فكرت أن تقرأ الكتاب المقدس بتفكير واعٍ وأنت تبحث عن الله؟

هل تسأل الله أن يعلن لك ذاته وأنت تقرأ الكتاب المقدس؟

صلاة مقترحة: »اللهم، إن كنت أنت الإله الذي خلق الكون، وإن كنتَ تحبُّني، فاكشف لي عن ذاتك، وعرِّفني إن كان يسوع المسيح هو ابنك، وإن كان هو  المخلِّص الوحيد«.

هل أدركت أنك إن كنت تريد أن تعبد الله بالحق، فإنه يجب أن يكون:

أعظم من قدرتك على اكتشافه بالبحث الإنساني،

وأعظم من قدرتك على فهمه الكامل بعقلك البشري.

»أظن أني أفهم الطبيعة الإنسانية بعض الشيء، وأقول إن كل الأبطال القدماء كانوا رجالاً، وأنا رجل. ولكن ليس للمسيح نظير. إنه أكثر من إنسان« (نابوليون).


الفصل الرابع: ما الذي يمِّيز الناس؟

وُصف العالَم بأنه »قرية عالمية« ولأنه مسكون بجيران عدوانيين، فقد أصبح مكاناً مُتزايد الخطورة على ساكنيه. ويبدو أن المشاكل التي تقسم الإنسانية تغطي مساحة عريضة من القضايا السياسية والاقتصادية والعائلية وحتى الصناعية، وهي تقسم الناس بطريقة متزايدة ومُقبِضة. إلا أن هناك انقساماً أكثر خطورة في الإنسانية، وهو أخطر من كل انقسام معروف في عالمنا.

والآن دعنا نذكر باختصار الأسباب الواضحة التي تقسم الناس، ثم نركز على السبب الرئيسي:

انقسامات ظاهرة

سياسياً: يواجه السياسيون بعضهم البعض بالخوف وعدم الثقة. وعندما يعرضون وجهات نظر غير مقبولة، يأملون أن تضمن قوتهم العسكرية أمن أُمَّتهم في المستقبل. وفي الوقت نفسه يرفع بعض المواطنين أصواتهم من أجل السلام وعدم التسليح النووي. والذين شاهدوا بعض مظاهرات السلام على شاشات التلفزة يستطيعون أن يروا القائمين بالمظاهرة وهم يحاربون المختلفين معهم في الرأي! وهم يذكّروننا بتحذير الله: »لِأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: »سَلَامٌ وَأَمَانٌ« حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلَاكٌ بَغْتَةً، كَالْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى، فَلَا يَنْجُونَ« (1تسالونيكي 5:3).

اقتصادياً: تمثل الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والمجاعات والزلازل مشاكل متزايدة النمو، خصوصاً في العالم الثالث. وتزيد هذه الكوارث من الفجوة الاقتصادية المؤلمة بين الأمم الغنية والفقيرة. وبالرغم من النوايا الطيبة وتضحيات أناس كثيرين يحاولون مساعدة الفقراء، إلا أنه في أغلب الأحيان يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً.

عائلياً: وصل انهيار الزواج والحياة العائلية اليوم إلى نسب وبائية. قال لي صديقي الإفريقي لتسوئيل، والدموع في عينيه: »خرب بيتي«. وظننتُ أنه يعني أن كوخه قد احترق. ولكن »الخراب« كان أن زوجته تركته! واليوم »خربت بيوت« كثيرة جداً لأن الأنانية دمرت الحب الحقيقي. ولكن (كما سنرى في فصل قادم) فإن محبة الله متاحة لكل زوجين يريدان أن يحفظا زواجهما في اتحاد دائم.

صناعياً: تعوَّدنا أن نسمع عن الإحباط والتوتر في مكان العمل. في أوائل سنة 1985 انتهت أصعب أزمة صناعية في القرن العشرين في بريطانيا. ومع أن الاضطرابات والمواجهات العنيفة في الشوارع قد انتهت، إلا أن مشاعر الاستياء والمرارة استمرت لتكون جرحاً لم يلتئم بعد في علاقات أصحاب العمل بالعمال. وما أعظم الفرق بين ما جرى في »ويلز« عام 1985 وما جرى هناك بين أصحاب العمل والعمال سنة 1904 في مناجم الفحم أيضاً. وقد روى لي عامل مناجم متقاعد اسمه »جون باري« كان في الحادية والتسعين من عمره ما جرى عام 1904. وكان قد فقد بصره، ولازمه مرضٌ مزمن في الرئتين يسمُّونه »مرض عُمّال المناجم«. ولكنه كان يضحك من القلب وهو يحكي لنا ما فعله الله في »ويلز« بواسطة الروح القدس في النهضة الروحية سنتي 1904 و1905. عندئذ تقابل عمال المناجم وأصحاب العمل مع الله الحي، وكنتيجةٍ لذلك اتفقوا معاً بسهولة، وبدون مرارة، في ثقة متبادلة.

تكلم »جون باري« بفرحة متناهية وهو يذكر أيام تلك النهضة الروحية. تذكر أن عشرات الحانات أفلست إذ لم يكن هناك من يطلب الخمور. وذكر أيضاً نزوله مع زملائه إلى المناجم يرتلون بصوت واحد تسابيح الله. وضحك برزانة وهو يقول: »ما زال الناس يأتون ليروني وليسألوا: أين كانت النهضة؟«. ويجيب وهو يضع يده على صدره: »أقول لهم: إنها هنا«. نعم بدأت في قلبه وقلوب زملائه ورؤسائه، فانتهت مشاكل العمل والعمال! وهذا هو الحل الذي يقدمه الله.

الانقسام الحقيقي

ومع أن ما ذكرته من عوامل يسبِّب الانقسام بين البشر، إلا أن هناك سبباً أكبر من هذه كلها، يشكل خطراً على سلام دول عديدة. إنه إدراكهم الناقص لمن هو الله.

لما أعلن الله ذاته للبشر جاء إعلانه كاملاً، فقبل ولادة المسيح وعد أنه سيرسل نوراً عظيماً يساعد الذين لا يعرفونه حتى يعرفوه، وقال: »اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً« (إشعياء 9:2). ثم أعطى الله التفاصيل عن كيفية معرفة هذا النور إذ قال »لِأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً« (إشعياء 9:6).

فما هو معنى هذا الإعلان؟ ألا يولد الأولاد دائماً؟!.. المعنى هو أن هذا الميلاد مرتبط أيضاً بالوعد »نُعطى ابناً«. فقد وُلد لنا ولدٌ على الأرض، فيه أُعطينا ابناً من السماء! وُلد في الأرض طفل إلهي، وبولادته وعطية هذا الابن أرسل الله نوراً إلى أناسٍ كانوا سالكين في الظلمة. ويقدر هذا النور أن يطرد الظلمة والشك اللذين يطمسان عيوننا فلا نرى الله.

ولكي يميّز البشر ميلاد ابن الله الوحيد واختلافه عن كل ميلاد آخر، قال الله إن ميلاده سيتبرهن بعلامة معجزية: »هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ »عِمَّانُوئِيلَ« (إشعياء 7:14). وكم هو رائع أن معنى عمانوئيل هو »الله معنا«.

وكل ديانة تعلِّم أتباعها محاولة الوصول إلى الله، لكن المسيحية تعلمنا أن الله سبحانه هو الذي نزل إلى الإنسان، في المسيح. وهكذا بنى الله الجسر الذي يربط السماء بالأرض عندما حبلت به العذراء. لقد اتَّضع خالق الكون ودخل نطاق الوقت والمكان، و»إِذَا مَلَاكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ (ليوسف) فِي حُلْمٍ قَائِلاً: »يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لَا تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ، لِأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ« (متى 1:20). وبعدما  وُلد يسوع وبلغ الرشد أعلن ألوهيته في حضور متشككين عدوانيين وقال لهم: »قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ« (يوحنا 8:58) وقال أيضاً: »أَنَا وَالْآبُ وَاحِدٌ« (يوحنا 10:30).

كتب رجل الفضاء جيم إروين الذي كان في مركبة الفضاء أبولو 15: أن يسير الله على الأرض أكثر أهمية من أن يسير الإنسان على القمر!. صَدَق إروين! فلا يمكن لإنجاز إنساني مهما بلغ أن يُقارَن بمعجزة التجسُّد التي حققت نبوات أعظم الأنبياء، فوُلد من العذراء ذاك الذي »وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ السَّلَامِ. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلَامِ لَا نِهَايَة..« (إشعياء 9:6 و7). في هذا الشخص العجيب اجتمعت القوة والمحبة. فهو يريد العمل الصالح الذي هو خلاص البشر، ويقدر على ذلك لأنه »اللّهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ« (1تيموثاوس 3:16). إنه الحاكم النموذجي الذي نحتاجه لعالم اليوم المنقسم المضطرب. إنه يعرف الحاجة. وهو صادق الهدف، وهو قادر على الإنجاز! لذلك جاء لقبه »رئيس السلام« صاحب المعرفة والقوة ليعطي سلاماً دائماً لهذا العالم. وسيعود يوماً إلى أرضنا ليحكمها، فيغلق كل مصانع السلاح، وينزع فتيل الانفجار من كل قنبلة لم تنفجر، ويعيد كل جندي إلى بيته.

لقد اكتشف الإنسان أنه بدون أمل في السلام، ولكن الأمل يجيئنا من فوق. إن سلاماً وعدلاً ينتظران الجميع عندما يأتي »رئيس السلام« نفسه ماسكاً بصولجان الحكم »فَيَقْضِي بَيْنَ الْأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ، فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكاً وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لَا تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفاً وَلَا يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ« (إشعياء 2:4). في هذا اليوم السلمي نفرح »لِأَنَّ الْأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَجْدِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ« (حبقوق 2:14). ولا يمكن أن تكون هناك نهاية للتاريخ غير هذه يرضى بها لنا الإله الأبدي!

ولكن قبل مجيء المسيح ثانية ليرسي هذا الحكم سنرى بوضوح الانقسام العميق بين الناس. وسيتمركز حول: من هو المسيح؟ فمن المهم جداً أن تكون متأكداً: من هو؟ ولماذا أتى؟ وماذا فعل من أجلك عندما كان على أرضنا؟ وسيساعدك على إجابة هذه الأسئلة أن تلاحظ أن سفر التكوين وإنجيل يوحنا متشابهان في مطلعيهما. يقول مطلع التكوين: »في البدء خلق الله السموات والأرض«. ويقول مطلع إنجيل يوحنا: »فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللّهَ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ« (يوحنا 1:1-3). فالخالق المدعوّ »إلوهيم« في التكوين مدعوٌّ »الكلمة« في إنجيل يوحنا. إلوهيم هو الكلمة وقد لبس رداء الجسد ليسير بين خلائقه. ولأنه الله استطاع أن يفعل ذلك. »وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا..« (يوحنا 1:14). »كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ.. كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ. إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلَادَ اللّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ« (يوحنا 1:1-12).

وأراد تلميذ المسيح فيلبس أن يعرف ماذا يشبه الله، وهو ما أراد موسى أن يعرفه قبل ذلك بقرون، وكما يريد كل واحد أن يعرف، فقال للمسيح: »يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الْآبَ وَكَفَانَا« (يوحنا 14:8) فأجابه: »اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْآبَ« (يوحنا 14:9). وهذه الإجابة المدهشة تجعل المسيح يبدو إما أنه مختل أو مخادع، أو أنه هو الله نفسه. ولكن أحداً لا يقدر أن يتَّهمه بإحدى الصفتين الأوليين. فلا بديل أمامنا إلا أن نوافق أن المسيح هو الله!

قال المسيح: »أَنَا وَالْآبُ وَاحِد« (يوحنا 10:30) ليجد الناس فيه ما يبحثون عنه بخصوص الله. وهنا يبدأ الناس يختلفون من جهة هُويَّته، فالبعض يرفضون فكرة تواضع الله تماماً. اجتذب المسيح البعض، وابتعد عنه البعض الآخر. تبعه البعض، وتآمر غيرهم ليقتلوه. وانقسم السامعون لما سمعوا إعلانه أنه واحد مع الآب، وصاروا بين مؤمن وكافر! ولكنه قال: »مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ« (متى 12:30). ومع ذلك فإن ردّ فعلك الأول بخصوص المسيح لا يعني بالضرورة أنه سيكون نفس ردِّك الدائم.

والآن دعنا نتأمل شخصاً تحوَّل من عدو للمسيح إلى تابع له، هو شاول الطرسوسي الذي كان فقيهاً يهودياً، وله مستقبل ديني وسياسي لامع. وفي أيامه المبكرة كان يكره المسيحيين جداً حتى أنه اضطهدهم ووافق على قتلهم. ولكن حياته تغيَّرت تماماً، فقضى ما تبقَّى منها يخدم المسيح إلهه وسيده، الذي سبق أن اضطهد أتباعه. وعانى الطرسوسي بسرور كبير كل مشقَّة عظيمة بسبب ولائه للمسيح. فما الذي صنع التغيير؟

كان شاول يعرف الترجمة اليونانية للعهد القديم، والتي ترجمها سبعون عالِماً يهودياً في الإسكندرية، ولذلك سُميت بالترجمة »السبعينية«. ولأن شاول كان ضليعاً في الفقه الديني، فقد عرف أن الكلمة العبرانية »يهوه« تُرجمت إلى الكلمة اليونانية »كيريوس« بمعنى »رب« أو »سيد«.

وبينما كان شاول في طريقه إلى دمشق ليلقي القبض على المسيحيين رأى »نوراً عظيماً« لامعاً جداً حتى أصابه العَمى لفترة مؤقتة. وأدرك أنه ماثلٌ في حضرة الله، فقال لمحدِّثه السماوي: »مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟« (أعمال 9:5) مستخدماً الكلمة اليونانية »كيريوس« المترجمة من »يهوه« العبرية. فأجابه محدّثه: »أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ« (أعمال 9:5). في ذلك اليوم اكتشف شاول أن يهوه ويسوع هما واحد. وقد غيَّرت هذه المعرفة شاول من عدو للمسيح إلى تابع أمين له. من ذلك اليوم كرّس بولس حياته بالتمام للمسيح. ونتيجة لذلك عانى الكثير بسبب إيمانه، إلا أنه قضى بقية حياته ينشر الخبر السار أن الله قد افتقد كوكب الأرض في المسيح. وكتب بولس أربع عشرة رسالة للكنائس مليئة بإيمانه الثابت أن كل الأشياء قد خُلقت بالمسيح وله (كولوسي 1:16).

وهكذا نرى أن يسوع الناصري لم يكن مجرد نبي، ولا هو مجرد ابنٍ لله مثلما يؤمن المورمون وشهود يهوه وآخرون. ولا هو الشخصية التي يحاول »الموفِّقون بين الديانات« أن يختلقوها. لكنه الكلمة الخالق، ويهوه قد ظهر في الجسد. لقد حاول »الهندوس« على سبيل المثال أن يعترفوا به ويضيفوه إلى بقية آلهتهم الأخرى الكثيرة. ولكن من المهم أن نتذكر أنه عندما واجه »يهوه« داجونَ صنمَ الوثنيين طرحه أرضاً (1صموئيل 5:3 و4). وبذات القوة يجب أن يسقُط كلُّ إلهٍ من صُنع البشر أمام المسيح الذي هو الله الابن الأبدي مع الله الآب ومع الروح القدس.

وبمجرد أن نفهم أن المسيح هو الله، لا تبقى لدينا صعوبة في تصديق ولادته العجيبة، ومعجزاته الكثيرة، وموته الفدائي، وقيامته الظافرة، وصعوده العجيب إلى السماء، التي منها ننتظر عودته ثانية إلى أرضنا في قوة ومجد.

ينقسم العالم حول شخص المسيح إلى عائلتين أساسيتين. وقد قال المسيح: »لَوْ كَانَ اللّهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي، لِأَنِّي خَرَجْتُ مِنْ قِبَلِ اللّهِ وَأَتَيْتُ. لِأَنِّي لَمْ آتِ مِنْ نَفْسِي، بَلْ ذَاكَ أَرْسَلَنِي. لِمَاذَا لَا تَفْهَمُونَ كَلَامِي؟ لِأَنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَسْمَعُوا قَوْلِي. أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لِأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ« (يوحنا 8:42-44).

من الغريب أنه كما أن هناك إخوة من المؤمنين أبوهم هو الله. هناك إخوة من البشر أبوهم هو الشيطان! لا ينتمي كل إنسانٍ لله. هناك عائلة الله وعائلة إبليس. ولا يوجد إلا هذين البديلين الأبديين المتاحَيْن لك ولي.

مهما كان إيمانك عن الله مُخْلصاً، فيمكن أن تكون مخطئاً، ولو أنك مُخْلص! ولن يقبل الله القول: »لا يهم ما يؤمن الإنسان به ما دام مُخْلصاً في إيمانه« فقد تتجرع سُماً معتقداً بإخلاص أنه دواء، لكنك رغم إخلاصك ستقتل نفسك.

قلنا إن الجنس البشري ينقسم إلى عائلتين، ينتمي كلّ شخصٍ في العالم إلى واحدةٍ منهما. ومن المهم جداً أن تعرف إلى أيّ عائلةٍ منهما تنتمي. وأول خطوة لتصبح عضواً في عائلة الله هي أن تفهم من هو الله، وتتّخذ الموقف الصائب من المسيح.

الاسم »يسوع« يعني »يهوه هو خلاص«. هكذا قال الملاك ليوسف: »تَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ، لِأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ« (متى 1:21).

وقفة للتفكير

ما دمت مُخْلصاً، فهل يكون اعتقادك في الله غير ذي أهمية؟

ما هو السبب الرئيسي الذي يُحدث الفرق بين الناس؟ هل هو سياسي أم اقتصادي أم عائلي أم صناعي؟ أو هل هو فرق روحي أبدي؟

ذكر المسيح عائلتين: إلى أي منهما تريد أن تنتمي؟

»معرفة الله الخلاصية تمتد إلى كل موقف، مهما كانت حالة الفساد الأخلاقي« (دكتور أرنولد)


الفصل الخامس: ما هي المشكلة الحقيقية؟

مع بداية هذا القرن كان كثيرون في غاية التفاؤل بخصوص مستقبل العالم، لأنهم ظنّوا أن العالم سيدخل عصراً ذهبياً من السلام والرفاهية. واعتقد كثيرون أن كل البلدان سترى بركات هذه الحقبة الجديدة، حتى في البلاد التي أحدث فيها الجهل والمرض والفقر معاناة هائلة. ولكن في سنة 1914 دوت صفارات الإنذار تعلن حرباً طاحنة في أوروبا! واليوم، بالرغم من الطفرات العلمية الفائقة التي نشهدها، لا يتكلم الناس عن غدٍ لامع، لكنك تجد الملايين في قلق بسبب قدرة مخازن الأسلحة النووية على تدمير العالم كله في لحظات. ويقول المراقبون السياسيون العارفون إنه بسبب المشاكل العالمية والقومية المعقدة فإن العالم اليوم يعيش أكثر سنواته حَرجاً وخطورة في تاريخ البشرية.

فما هو الخطأ؟

في محاولةٍ للإجابة على هذا السؤال يجتمع قادة العالم البارزون ليتناقشوا في أروقة الأمم المتحدة. وبينما هم يُنصتون لنظريات وافتراضات وآراء، ينتقل العالم من أزمة إلى أخرى. وبالرغم من أن مقداراً عظيماً من الطاقة والنفقات والمناقشات مستمر، إلا أن أحداً لا يبدو قادراً على تغيير الاتجاه الذي يسير إليه العالم. كما أن علماء وأطباء ورجال أعمال مرموقين يقدِّمون نصائحهم لإصلاح العالم، دون فائدة!

ومن النادر، إن لم يكن من المستحيل، أن نجد بين هؤلاء السياسيين الكبار من يرجع إلى ما قاله الله عن مشكلة الإنسان الفعلية. مع أن المعلومات الأوَّلية في الكتاب المقدس يمكن أن تمدّ يد العون لهؤلاء السياسيين. ولأننا يجب أن نعرف المشكلة الأساسية قبل أن نوجِد لها الحل، فإن الله في محبته أعلن لنا أولاً أسباب مشكلتنا.

عندما خلق الله الإنسان قال: »نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا« (تكوين 1:26). وربما تسأل: »كيف خُلق الإنسان على صورة الله؟«. بالطبع لا يعني هذا تشابهاً طبيعياً جسمانياً، لأن »اَللّهُ رُوحٌ« (يوحنا 4:24) ليس له جسد مثلنا، وهو »سَاكِنٌ فِي نُورٍ لَا يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ« (1تيموثاوس 6:16). ولم يحدث أن رأينا إنساناً بدون جسد.. فلا بد أن يكون في الناس ما هو أعظم من مجرد أجسادهم التي يعيشون فيها. إنها أرواحهم الخالدة. ولن يجد الإنسان المعنى الحقيقي لحياته إلا عندما يسلّم نفسه وروحه لله في خضوع وحب وطاعة.

يوضح الكتاب المقدس إن لله عقلاً وعواطف وإرادة، وهكذا خُلق الإنسان على صورة الله. ولأنه هو الله الذي خلق الإنسان فإن تفكيره وعواطفه وإرادته هي لا نهائية بلا حدود. فهذه هي طبيعته. ولكن الإنسان مهما كان عظيماً فهو محدود. حتى أينشتين العلاّمة له عقل محدود. ليس هناك إنسان يعرف كل شيء، ويحب بلا حدود. وليست إرادة الإنسان هي التي تسيّر الكون. وليس الإنسان سيد مصيره ولا هو قائد نفسه.

ومع ذلك فشخصية الإنسان لها قدرة على المعرفة الروحية، وهو يقدر أن يعيش في أُنسٍ مع الله. والإنسان روح ونفس وجسد (1تسالونيكي 5:23). بروحه يقدر أن يتصل اتصالاً وثيقاً بخالقه، وبجسده ونفسه يقدر أن يتصل بالعالم المادي. ويضع الكتاب المقدس التنبير الأول على الروح، والثاني على النفس، والثالث على الجسد. وسنُحسن التصرُّف كلما راعينا هذا.

وما دام الإنسان يعطي الروح موضع الاهتمام الأول، والنفس ثانياً والجسد ثالثاً، يبقى كل شيء على ما يرام! ولكن خطأً يصيب تفكير الكثيرين فيعكسون الترتيب، ويعطون الجسد الأولوية الأولى، ويعطون نفوسهم المرتبة الثانية، وأخيراً تجيء أرواحهم! ولذلك تجد الرغبات الطبيعية والمادية والحسيَّة مسيطرة على تفكير وحديث وأمزجة كثيرين، بينما طاقاتهم الروحية ترقد خامدة أو ميتة. وبدل أن يسمحوا لله أن يُغني شخصياتهم التي خلقها ويسيطر عليها، يستبعدونه من حياتهم، فيضلّون لأنهم يفقدون الاتصال بخالقهم. والإنسان الذي يتغافل الله ويعيش بعيداً عنه هو إنسان ميت روحياً. أما الذي يتمتع بعلاقة فعلية معه فهو الإنسان الحي بالحق والتمام، لأن »اَللّهَ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ« (أفسس 2:4 و5).

بدأت مشكلات هذا العالم من إرادة الإنسان. فقد خلقنا الله أصحاب إرادة حرة، ولم يخلقنا دُمى يحرِّكها من على بُعد، وسمح لنا أن نتصرف كما نختار. ولكن مع هذه الإرادة الحرَّة تجيء مسؤوليتنا عن القرارات التي نتَّخذها.. كانت جنة عدن مليئة بالأشجار المثمرة، وأهمها شجرتان: »شَجَرَةَ الْحَيَاةِ« والأخرى »شَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ« (تكوين 2:9). ولأن الله احترم إرادة آدم وحواء فقد أعطاهما الفرصة أن يأكلا من شجرة الحياة، ولم يمنعهما إلا عن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر. وللأسف اختارا أن يأكلا من الشجرة الممنوعة! كان القرار قرارهما وحدهما، فقد كانت لديهما الحرية الكاملة ليختارا ما يأكلان. كان لهما الحق أن يختارا طاعة الله من عدمها. لو كانا قد أكلا من شجرة الحياة لكانا قد أعطيا الجنس البشري بُعداً جديداً من الحياة مع الله. لكنهما للأسف تمرّدا ضد الأصلح لهما ولنا من بعدهما. وسمح الله لهما أن يختارا ما يريدان، وهو عالمٌ بالمجد الذي سيُتاح بعد ذلك لآخرين يتَّخذون الاختيار الصحيح.

واستخدم الشيطانُ الكذّاب قدرته في الإقناع ليجرب آدم وحواء ليتَّخذا القرار الخطأ، فأضفى بكلامه سحراً على الثمرة المحرَّمة، واقترح أنهما لو أكلا منها سيصيران مثل الله. ولا زال الشيطان يقترح على الإنسان أن يصبح إله نفسه وقائد مسيرة حياته. ولكن سيبقى الله هو الله، لا يُنقِص من جلاله شيء، وسيبقى الإنسان إنساناً لا يقدر أن يزيد على قامته ذراعاً واحدة!

أغوى الشيطان آدم وحواء ليستخدما إرادتيهما ضد إرادة الله. ونتيجة لذلك انقطع كل البشر عن الشركة الحية الشخصية الوثيقة مع الخالق، لأن الكل ساروا في إثر خطوات آدم. »بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ« (رومية 5:12).

كل مدفن وكل مستشفى وكل جيش وكل سجن عرفه العالم، هو نتيجة اختيار خاطئ  اتَّخذه إنسان. لقد أصاب هذا الوبأُ الوراثيُّ المميتُ الجنسَ البشريَّ كله. يكفي أن تنظر حولك لتتحقَّق من صِدق ذلك. ولم تقطع الخطية شركة الإنسان الحقيقية مع الله فحسب، بل أيضاً فصلته عن أخيه الإنسان.

أنت وأنا خطاة بالولادة وأيضاً خطاة بالفعل. لقد ضلَّ آدم فضلَّت ذريته! وعبَّر نبيُّ الله داود عن هذه الحقيقة في مزمور اعترافه المشهور، بعد أن اغتصب نعجة جاره، فقال: »بِالْإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي« (مزمور 51:5). لكن هذا ليس عذراً لأعمال الخطية التي ارتكبناها. فالكتاب المقدس يقرر أننا: »أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالْأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضاً« (أفسس 2:2 و3). إننا مذنبون أمام الله في ما ارتكبناه، ولا يمكن أن نلقي اللوم على زوجة ولا صديق ولا والد ولا حتى على البيئة التي نعيش فيها. كلنا مسؤول عن خطيته، وخطية كل واحد منا هي السبب الفعلي في كل ما نراه حولنا من العدوانية والأنانية. كلنا خطاة، يتساوى في ذلك الملحد والمؤمن، اليهودي والعربي، أهل العالم الثالث وأهل العالم الصناعي، الشيوعي والرأسمالي رجل الشرطة والمجرم. »الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللّهِ« (رومية 3:23). والخطية هي السبب الأساسي لكل التوتُّرات بين الناس. والمسيح وحده هو رجاء الخاطئ، فهو القائل: »لَمْ آتِ لِأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ« (متى 9:13). وكلمة »خطية« تعني: عدم إصابة الهدف. ويستوي الأمر إذا لم تُصب الهدف بمسافة كبيرة أم صغيرة! فأنت وأنا لم نُصب هدف حياتنا، وهو الوصول إلى القداسة التي يطلبها الله منا. ونحن عاجزون من تلقاء أنفسنا أن نعمل شيئاً يصحِّح ذلك. ولا فائدة من أن تظن أنك ستجد سلاماً مع الله بأن تكون صالحاً أو أن تفعل الصلاح، فإنه: »لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحاً لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ. كَمَا هُوَ مَكْتوبٌ: »أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ« (رومية 3:10 و12).

وفهمنا الحقيقي لرحمة الله هو الذي سيبعث في نفوسنا الأمل، فكلنا مقيّدون بسلاسل خطايانا، لكن الله »غني في الرحمة« (أفسس 2:4) وفي رحمته يريد أن يمنحك عطيته المجانية إن طلبتها »لِأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالْإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللّهِ« (أفسس 28). وبهذه العطية المجانية فتح المسيح الباب للخاطئ ليدخل إلى حضرة الله القدوس.

مرة أخرى أتاح الله، إله الرحمة، ثمار »شجرة الحياة« مجاناً ليتمتع الناس بها. ولكن لأنه أعطاك إرادة حرة، فهو لا يجبرك على أن تأكل. واستجابتك لعرض عطية الله المجانية هو أمر مُلّح وعاجل. يقول الرب: »هُوَذَا الْآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الْآنَ يَوْمُ خَلَاصٍ« (2كورنثوس 6:2). الآن، وليس في وقتٍ ما في المستقبل. لا تحاول أن تصلح أمورك بنفسك، لكن تذكَّر أن المسيح قال: »لَمْ آتِ لِأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ« (متى 9:13).

يجب أن تكون أميناً مع نفسك من جهة أكبر مشكلة تواجهك الآن، وهي مشكلة الخطية. وهذه الأمانة الشخصية هي أول خطوة لحلِّها. إن ذراعي المسيح مفتوحتان لاستقبالك اليوم، أينما توجد، ومهما كانت حالتك. إنه يريد أن يسمع منك الآن صلاتك: »اللّهُمَّ ارْحَمْنِي أَنَا الْخَاطِئَ« (لوقا 18:13).

وقفة للتفكير

هل تشعر اليوم أن هناك خطأ مؤسفاً في المجتمع؟

عندما تكون مريضاً، هل سيكون تشخيص الطبيب للمرض قبل وصف العلاج لك أمراً حيوياً؟

كيف يشخِّص الكتاب المقدس مشكلتك؟ وما هو العلاج الذي تقترحه أنت لحلّها؟

»وَكَانَ قَبْلاً فِي الْمَدِينَةِ رَجُلٌ اسْمُهُ سِيمُونُ، يَسْتَعْمِلُ السِّحْرَ وَيُدْهِشُ شَعْبَ السَّامِرَةِ، قَائِلاً: »إِنَّهُ شَيْءٌ عَظِيمٌ!«. وَكَانَ الْجَمِيعُ يَتْبَعُونَهُ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ قَائِلِينَ: »هذَا هُوَ قُوَّةُ اللّهِ الْعَظِيمَةُ« (أعمال الرسل 8:9 و10).


الفصل السادس: لماذا يظل الناس مخدوعين هكذا؟

عشتُ كصبي في بريطانيا. وكانت قاذفات القنابل الألمانية تطير فوق منطقتنا في طريقها إلى أهدافها في منطقة شمال إنجلترا الصناعية. ولقد تعلمنا أنا وأصدقائي أن نميّز بين أزيز قاذفة قنابل العدو وزئير طائراتنا المحاربة. وعندما كنا نرى الأضواء الكاشفة تنير طائرة العدو في السماء كنا نصل إلى قمة الإثارة، لأننا كنا نعرف أن قاذفة العدو ستسقط نتيجة إصابتها من مدفع أرضي أو من طلقة من طائرة »دوج فايت« محلِّقة في الجو. ومع سقوط طائرة للعدو كان هناك دائماً احتمال أن بعض طياريها قد يهبطون بالمظلات الجوية. وأرادت السلطات البريطانية أن تصعِّب عليهم الهروب، حتى لا يعودوا في قاذفات أخرى محمَّلة بالقنابل، فنزعت كل علامات الطرق عند التقاطعات، حتى لم تبقَ أية علامة أو لافتة.

ومع ذلك فقد علمنا نحن الصبيان أن خارج المدينة، في »غابات ووتن« ما زالت هناك علامة طريق صغيرة باقية على تقاطع غير مهم، فأدرناها لتشير نحو الاتجاه الخطأ، ونحن نحسب أننا بعملنا هذا نساعد المجهود الحربي. كنا مثل السلطات، نريد أن نحيِّر هؤلاء الضيوف الذين لا نرحب بهم على شواطئنا.

بالطبع لو أن شخصاً أمسك بخريطة، لَمَا سبَّب له غياب علامات الطريق أية مشكلة. حتى عملنا الصبياني بتدوير علامة الطريق ما كان يمكن أن يحيِّر العدو، إلا إذا اختار العدو أن يتجاهل المعلومات على خريطته.

ولقد حذّرنا الله من أن الشيطان سيحاول أن يخدع كل من يبحث عنه، وذلك بتزييف الحقائق. وكل من يتجاهل حقيقة أن وجود هذا الكون العجيب يشير إلى الله خالقه، ستصيبه الحيرة »وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلَاءَ... وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللّهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ اللّهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ« (رومية 1:22 و28). والعقل المرفوض هو المخدوع الذي يعبد الأعمال المخلوقة دون الخالق. أما صاحب »الذهن المقبول« فيعبد خالقه.  فإن رفضت أن تؤمن أن الله خلق الكون، يُسلِمك إلى ذهن مرفوض، فتظن الظنون الخاطئة حول خلق الكون! ويحذِّر الله الذين يرفضون كلمته من أنهم يسيرون في طريق ضلال يقود إلى الخراب. وكل الذين لا يحبون كلمة الله ينزلقون في مخاطر »لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا. وَلِأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللّهُ عَمَلَ الضَّلَالِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ« (2تسالونيكي 2:10 و11). وكل من يتجاهل الحق أو يرفضه يتبع الزيف باختياره.

أتذكر جيداً محاولتي أن أجد طريقي للبيت خلال ضباب لندن الكثيف، عندما كان مجرد وصولي إلى  حدّ الطريق يتطلب كل معونة ممكنة. وكان ضوء مصباحي الكشاف لا يكشف لي أكثر من مسافة ذراع واحد! ويحذرنا الله من الضباب الفكري الذي يحجب عنا الرؤية الصحيحة، وبالأسف فإن هذا ما سيصاحب نهاية نظامنا الحاضر على كوكب الأرض، لأن الناس سيرفضون حق كلمة الله. لقد سأل التلاميذ المسيح: »مَا هِيَ عَلَامَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟« (متى 24:3). فأجاب: »سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضاً« (متى 24:24).

وربما تقول: »لستُ مخدوعاً«. وربما تفتخر بأنك تستطيع أن تميز المخلِّص المزيف والنبي الكذاب بسهولة. لكن ما لم تكن تحب الحق، فإنك ستنخدع دون أن تكون واعياً لذلك.

هناك نوعان من الناس يقاومون الحق عندما يقرأون الكتاب المقدس، أحدهما هو الذي يفتخر بفكره ويبدو مكتفياً بذاته. والآخر هو الذي يعصى الله أخلاقياً. أما كل من يريد أن يفعل مشيئة الله، فقد وعده المسيح بقوله: »إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ التَّعْلِيمَ« (يوحنا 7:17). فإن كنت فعلاً تريد أن تفعل مشيئة الله فلتطمئن أنه من خلال الكتاب المقدس سيعلّمك الله ما يجب أن تقبله وما يجب أن ترفضه من تعاليم ومن تصرفات. ويجب أن نحترس من المعلّمين الكذَبة الذين لا يعلّمون كلمة الله الصادقة، ويخدعون الناس ليصدّقوا الكذب ويمارسوا الخطأ!

وفي جيلنا هذا ظهر بعض وكلاء الشيطان الذين يقودون الناس إلى تعاليم الضلال عن الله، فهم ينكرون الله الآب والله الابن والله الروح القدس. الثلاثة في واحد والواحد في ثلاثة. ويستشهدون بآيات من الكتاب المقدس معزولة عن سياق النص الكتابي، ليضللوا المستمع. ويمكن بسهولة أن نكتشف الكذب من الضلال عندما نسأل: »من هو المسيح؟« فإذا أتتك الإجابة أنه الله الذي ظهر في الجسد، وأنه مات مصلوباً ليخلِّصنا من خطايانا، ثم قام في اليوم الثالث من الأموات، وصعد للسماء، وهو آتٍ ثانية ليدين الأحياء والأموات، وهو الطريق والحق والحياة، ولا يأتي أحدٌ إلى الآب إلا به (يوحنا 14:6) يكون صاحب الإجابة من عند الله. أما إذا أتتك إجابة غير قاطعة عن من هو المسيح، فإن صاحبها ليس من عند الله.

واليوم نرى نمواً خطيراً في الديانات الكبرى التي تنكر الله كما يعلنه الكتاب المقدس، وهناك مجموعات هندوسية مختلفة تجذب الناس في شكل تأملي تيهاني، أو في أحد أشكال الشعوذات مثل اليوجا وتعذيب الجسد. هذه تتعبَّد لآلهة مخلوقة، ولكنها لا تعبد إله الخليقة!

وهناك من ينكرون ألوهية المسيح وصليبه، ويرفضون التثليث والفداء، محاولين أن يحققوا هدفاً كبيراً، هو نشر معتقداتهم، الأمر الذي كان يبدو حتى وقت قريب أنه مستحيل! هؤلاء ينكرون البشارة المفرحة: »لِأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ« (يوحنا 3:16).

وليست الخديعة الروحية شيئاً جديداً على العالم الديني، فهناك من ينادون بفلسفة إنسانية تعلن أن الإنسان هو مركز الكون، وأن الهدف الأعلى للمجتمع هو تطوُّر الإنسان، وشعارهم: »انغمِس فيما تحبه لنفسك« وهو الشعار المعروف في عالم الدعاية والإعلان. وهذه ليست بالفلسفة الجديدة كما يظن البعض، فقد قال الوحي:  »عَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ« (رومية 1:25). ويسأل الله أصحاب الفلسفات الإنسانية: »أَيْنَ كُنْتَ حِينَ أَسَّسْتُ الْأَرْضَ؟ أَخْبِرْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ فَهْمٌ« (أيوب 38:4). لكنها القصة القديمة عندما قال الشيطان لأبوينا الأوَّلين، مفترضاً أن المستحيل ممكن: »تَكُونَانِ كَاللّهِ« (تكوين 3:5). وحتى يومنا هذا يكمل الشيطان خداعه للبشر من خلال تعاليم الإنسانية العالمية الخادعة.

وربما تكون شاباً عصرياً لا يهمُّك الموقف السياسي أو الديني. فبالنسبة لك الساسة هم محل شك، والدين كلام فارغ! وربما تفضِّل أن تلحق برفقائك لتفتشوا عن مكان آخر لتحقيق الذات، حيث الموسيقى الصاخبة التي تسحب الإنسان من وجوده الذي لا قيمة له إلى عالم من العنف المزيَّف، حيث يشجع الشباب أنفسهم على تدمير الذات وتدمير أنفسهم. ولاشك أنك تعرف الكلمة التي تسمعها وترقص لها، فهي مزيج شيطاني من الجنس والتلذُّذ بتعذيب الآخرين. هناك يحطم الشباب أنفسهم ويحطمون بعضهم البعض.

لقد تبع الملايين علامات خاطئة، والآن وهم عند النهاية صار الوقت متأخراً جداً على تغييرهم. وقد رأيت في مدينة لوس أنجلس ثلاجة أموات فيها 600 جثة لشباب مجهولي الهُويَّة، يبقون في الثلاجة ثلاثة شهور لعل أحداً يتعرَّف عليهم، وسيُدفن معظمهم في مقابر الفقراء المجهولين. ومعظم هؤلاء ضحايا المخدرات التي حاولوا بها أن يهربوا من بؤسهم ومتاعبهم، فتبعوا النصائح الخاطئة. يا ليتهم سمعوا والتفتوا إلى كلمات المسيح الذي قال: »أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ« (يوحنا 10:10).

وبالإضافة إلى كل هذه الفوضى تأتي ظاهرة الاهتمام المتزايد ب »الفنون السوداء« وأعمال السحر والشعوذة التي انتشرت كما كانت منتشرة في العصور المظلمة، مع أننا اليوم نعيش في ما نسميه »عصر التنوُّر العلمي«. وهناك أعداد متزايدة من عبدة الشيطان الذين يجتمعون ليحتفلوا ب »القدَّاس الأسود« ويمارسون عبادة الأجداد المأخوذة من أفريقيا. وكل هذه بالطبع نتيجة فضول روحي سطحي، يتحوَّل أصحابها عن نور الله إلى ظلمة السحر والشعوذة ليحصلوا على نوع من الاكتفاء الروحي المزيف والفارغ. ولقد حذَّرنا المسيح من الأنبياء الكذبة والآيات والعجائب المزيفة التي يمكن أن يقوموا بها ليجرُّوا الناس إلى الخديعة العظيمة في نهاية الأيام. لقد أخبرنا الله أنه سيظهر معلّم في الخداع، تتَّفق أعماله الشريرة مع عمل الشيطان بكل  قوة، وبآيات وعجائب كاذبة فيخدع هؤلاء الهالكين (2تسالونيكي 2:9 و10).

وبسبب الاهتمام المتزايد بهذه التعاليم المنحرفة والأعمال الشيطانية، زادت أعداد الأمم والحكومات فاقدي الأمل. ولا زال الشيطان يستخدم لافتات إرشادية كثيرة مضللة، لا تشير أيٌّ منها للمسيح المخلِّص الوحيد للجنس البشري.

غير أن رسالة الله هي رسالة الأمل والاطمئنان والحياة السعيدة في المسيح. وكلما قرأت الكتاب المقدس في بحثك عن الله فإن الروح القدس دائماً سيشير لك إلى المسيح الذي قال: »أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ« وليس سواه يقدر أن يقول: »لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الْآبِ إِلَّا بِي« (يوحنا 14:6).

لقد حذّرك الله من علامات الطريق الخادعة، ويعطيك هذا الوعد: »لِأَنِّي عَرَفْتُ الْأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ يَقُولُ الرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلَامٍ لَا شَرٍّ، لِأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً. فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ. فَأُوجَدُ لَكُمْ يَقُولُ الرَّبُّ« (إرميا 29:11-14).

وقفة للتفكير

من قراءة رومية 1:22 و28 ما هو العقل الذي يعبد المخلوق دون الخالق؟

في بحثك عن الله، ما هو المفتاح الذي يحل كل المشاكل العقلية المتبقِّية؟ (اقرأ يوحنا 7:17).

هل مشكلتك في فكرك؟ أو هل هي في إرادتك؟

هل أعطاك الله علامة إرشادية واضحة تقودك إلى شخصه؟ (اقرأ يوحنا 8:12).

»منذ عدة سنوات سأل صبي في مدرسة الأحد معلِّمه: هل يحب الله الأولاد الأشقياء؟ فأجاب المعلِّم: كلا بالتأكيد! ويا لهذه الإجابة من تجديف على الله! فلو أن الله لا يحب الأولاد الأشقياء لما أحبَّني. قال شكسبير: لا تكون المحبة محبةً إن تغيَّرت عندما تسنح لها الفرصة للتغيير« (ج كامبل مورجان).


الفصل السابع: هل حقاً يحبني الله؟

هل شككتَ مرَّة في محبة إنسان عزيز جداً عليك؟ أو هل حاولت مرة أن تثبت لإنسان أنك تحبه وهو لا يثق في حبك؟ في كلتا الحالتين أنت تعلم أن التعبير المقنع عن الحب هو بالأفعال أكثر منه بالكلمات. ولما كانت الأفعال أقوى من الكلمات، فقد عبَّر الله عن محبته لك بما فعله، إذ مات المسيح مصلوباً لأجلك. وعندما تدرك مغزى الصليب فلن تحتاج لأي برهان آخر لحقيقة حب الله لك.

بعد قبولي المسيح مخلِّصاً قرأت قصة حقيقية عن صبي »نافخ بوق« اسمه »ويلي هولت« في الثانية عشرة من عمره، كان يعمل في خدمة الجيش أثناء »حرب البوير«. وكان ويلي يقيم في خيمة مع سبعة جنود أشرار، أحدهم اسمه »بل«. وكان ويلي يحب المسيح ويركع كل ليلة إلى جوار سريره ليقرأ كتابه المقدس ويصلي، بينما يشتمه بقية الجنود ويسخرون منه.

وذات يوم حدثت سرقة في الخيمة، وتكررت السرقة في الليلة التالية. فاستدعى القائد الجنود وقال: »لقد ذهب تحذيري الأول أدراج الرياح، وعاد اللص يكرر فعلته. واليوم أُعطي السارق فرصة الاعتراف لينال عقابه كرجل شجاع. فإن لم يعترف فسأعاقب كل جندي منكم بعشر جلدات على ظهره العاري. إلا إذا تقدم أحدكم لينال العقوبة، فيُعفى الآخرون«.

وبعد صمت طويل، وقف »ويلي« وتقدم نحو القائد وقال: »قلتَ يا سيدي إنه لو تقدم رجل ليُعاقب يُعفى الباقون. أنا هو الرجل«. وصاح القائد في الجبان المجهول: »كيف تسمح للصبي البريء أن ينال العقاب؟«. ولكن لم يتحرك أحد. فقال القائد: »الآن سترون المنظر المحزن لصبي بريء يُعاقب بدل رجل مذنب«.

ونفَّذ القائد وعيده، وأمر بتعرية ظهر الصبي، وبدأت ضربات السياط التي كان الصغير يتأوَّه تحت لسعاتها الرهيبة. وفجأة لم يحتمل »بل« المنظر فأسرع يصرخ: »توقَّفوا. أنا اللص، وسأنال عقابي«. ورفع ويلي عينيه نحو بل وقال: »حسناً يا بل،  لكن القائد لن يتراجع في أمره، وسأتحمَّل كل عقوبتك«. وقد كان.

ولم يسترجع ويلي الصغير صحته قط بعد عقوبة الجلد. وعلى فراش الموت اقترب منه »بل« مكسور القلب يبكي ويسأل: »لماذا فعلت هذا لأجلي؟ إني لا أستحق«. فأجابه: »حاولت كثيراً أن أقول لك إن الله يحبك، ولكنك كنت دوماً تسخر مني. وقد فكرت أني لو تحمَّلتُ عقوبتك، فربما أساعدك لتفهم مقدار محبة المسيح لك، تلك المحبة العظيمة التي جعلته يذهب للصليب بدلك وليموت عن خطاياك«. وقبل أن يصل ويلي إلى السماء كان »بل« قد قبل خلاص المسيح الموهوب له مجاناً.

لقد أكملت السماء برنامجها الخلاصي المنتصر لتنقذ البشرية الهالكة، وبادرت محبة الله بتقديم ذبيحة المسيح الكفارية عن كل واحد منا، فقد نُصبت ثلاثة صلبان على تلَّة الجلجثة، على اثنين منها صُلب لصّان. وبين اللصَّين سُمِّر المسيح ومات. وفي ساعات الألم الأخيرة عبَّر أحد اللصين عن رأيه في النظام القضائي الذي حكم على الثلاثة بالصلب. ومن الغريب أن اهتمامه لم ينحصر في آلامه المبرحة وجسده المعذَّب، ولكن في أن القضاء الروماني لم يكن عادلاً وهو يقضي على المسيح بمثل عقوبة اللصين، فانزعج بسبب هذا الظلم. ثم وهو يقترب من نهايته، بتواضع وبإشراق، قدَّم ثلاث ملاحظات جديرة بالتأمل:



»أَمَّا نَحْنُ فَبِعَدْلٍ،(صُلبنا) لِأَنَّنَا نَنَالُ اسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا، وَأَمَّا هذَا (المسيح) فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئاً لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ« (لوقا 23:41). فاعترف أنه كان مذنباً يستحق الموت.



»ننال استحقاق ما فعلنا«. اليوم اعتدنا أن نسمع عن جرائم السرقة، ولا بد أنها كانت كذلك في القرن المسيحي الأول. وقد اعترف اللص في أربع كلمات بالجُرم وبعدالة الحكم الصادر عليهما.



»أما هذا فلم يفعل شيئاً ليس في محله«.  فأعلن أن المسيح كان بريئاً.

ولم يكن للص المعترف بخطاياه إلا رجاء واحد: أن يتَّجه إلى المسيح. فقال له: »اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ«. فأجابه المسيح بالإجابة التي يجاوبنا بها لو رفعنا إليه الصلاة نفسها: »الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ« (لوقا 23:39-43).

في ذلك اليوم الذي اتَّجه فيه اللص التائب للمسيح يطلب الرحمة والموقف الصحيح من الله، تأكد من غفران خطاياه، لأن وُجهته كانت: صليب المسيح.

شهد اللص لقداسة المسيح الكاملة، وبعد ذلك شهد لهذا الكمال ثلاثة من أتباع المسيح:

بطرس الرسول: وهو صديق شخصي للمسيح، وكانت ردود أفعاله دائماً سريعة وعملية، فشهد للمسيح شهادة عملية وقال: »لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً« (1بطرس 2:22).

يوحنا الرسول: وهو أيضاً صديق للمسيح، كان دائماً قريباً جداً منه، وقال عنه: »لَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ« (1يوحنا 3:5).

بولس الرسول: وهو العالِم الفقيه في الدين، قال عنه: »لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً« (2كورنثوس 5:21).

ومع أن شهادة اللص، وشهادات أتباع المسيح الثلاثة عن حياة المسيح أنها كانت بلا خطية، إلا أن البعض قد يعترض عليها بأنها شهادة شخصية ومتحيِّزة وغير موضوعية، بدعوى أن اللص كان في حالة يأس الموت، والرسل أتباعٌ من المريدين. ونجيب أن عندنا شهادة بيلاطس البنطي الحاكم الروماني في اليهودية، الذي لم يكن صديقاً للمسيح، وقال لطالبي صلب المسيح: »هَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هذَا الْإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ« (لوقا 23:14). كما أن هذه الشهادات مجتمعة لا تعادل شهادة الله الآب عنه من عرشه في السماء، ففي مطلع خدمة المسيح الجهارية قدَّمه الله بصوت سماوي يقول: »هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ« (متى 3:17). فهو ليس أقل من الله في شيء، ولم يكن مختلساً عندما ساوى نفسه بالله، إلا أنه جاءنا إنساناً مولوداً بيننا من العذراء القديسة مريم، ليُرينا كيف تكون الإنسانية الكاملة. ولم يكن في المسيح أي عيب يستوجب أن يطلب غفران الله له، بل كان في أُنسٍ دائم مع أبيه السماوي، وبه سُرَّ قلب الآب. كل شخص »أَعْوَزَهُ مَجْدُ اللّهِ« (رو 3:23) إلا هو، فقد كان كاملاً في كل شيء. ومع ذلك فقد مات لأجلنا بسبب محبته العظيمة لنا.

والآن عُد بخيالك إلى ما جرى يوم الجمعة العظيمة، لترى الجمهور المشدوه الذي لا يصدق ما يجري أمامه: المسيح يصُلَب بين لصين، مذنبَين أمام الله والناس، وقد صدر عليهما حكمٌ عادل بالموت. أما المسيح فقد كان معلَّقاً على صليب قبِل بنفسه أن يحمله، دون أن يرتكب ذنباً أمام الله والناس. ولكنه كان كاملاً أمام أبيه القدوس، فصالحنا مع الله (2كورنثوس 5:19) وذهب إلى الصليب »حَمَلاً بِلَا عَيْبٍ وَلَا دَنَسٍ« (1بطرس 1:19) متطوِّعاً ليموت عن خلاص العالم، وقال عن نفسه: »لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا (حياته) مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً« (يوحنا 10:18). وأوضح محبته بقوله: »لَيْسَ لِأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لِأَجْلِ أَحِبَّائِهِ« (يوحنا 15:13). وشرح الرسول بولس هذا الحب بقوله: »لِأَنَّهُ (الآب) جَعَل الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً« (المسيح) »خَطِيَّةً لِأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللّهِ فِيهِ« (2كورنثوس 5:21).

أنت بريء، وأنا خطيتك

حملتَ ذنبي، وسترتَني برحمتك.

أصبحتَ أنت ما لم تكنْهُ

لأصبح أنا ما لم أكنْهُ!

حبَّة الحنطة

كان المسيح يحس بموته القادم، ففتح قلبه لتلاميذه وقال: »اَلْآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الْآبُ نَجِّنِي مِنْ هذِهِ السَّاعَةِ. وَلكِنْ لِأَجْلِ هذَا أَتَيْتُ إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ. أَيُّهَا الْآبُ مَجِّدِ اسْمَكَ«. فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ: »مَجَّدْتُ، وَأُمَجِّدُ أَيْضاً« (يوحنا 12:27 و28).

ولا بد أن تسأل: كيف يمجد الآب ذاته بالصليب الأليم؟

لقد تطوَّر هذا الحوار بين المسيح وأبيه بعد أن قال لتلاميذه: »اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الْأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ« (يوحنا 12:24). كان يمكن أن يمضي المسيح إلى السماء مباشرة بغير موت، فلم يكن للموت سلطان عليه لأنه الكامل الذي بلا خطية، ولكنه اختار أن يمجِّد أباه بأن يجعل ذهابك وذهابي إلى السماء مستطاعاً. فياله من عمل محبة رائع!

ولو لم يمت المسيح ما كان يحصد حصاداً روحياً يأخذه معه إلى السماء، ولكان مصيري ومصيرك الأبدي هو الهلاك. أما الآن فإن مصيرك بين يديك، تقرِّره أنت حسب موقفك من موت المسيح عنك. ومن الغريب أن البعض يرفضون الغفران المقدَّم لهم، بينما يقف البعض موقف الحياد من محبة المسيح الباذلة. وسواء رفض إنسانٌ خلاص المسيح أو لم يتَّخذ منه موقفاً محدداً، فالنتيجة واحدة: انفصال أبدي عن مصدر الحياة والنور والمحبة، يصفها القول: »موتاً تموت، موتاً رهيباً وأبدياً. وتظل تموت دون أن تفنى!«.

ولكن شكراً لله، فإنه بسبب المراحم الإلهية:

إن اعترفت للمسيح أنك خاطئ، عاجز عن أن توفي ديون خطيتك، وإن وضعت ثقتك في محبة المسيح وموته بديلاً عنك، وإن تركت خطاياك وشكرته على موته لأجلك، فإنه يعطيك هذا الوعد الشخصي: »خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ الْآبِ، وَقَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَيْضاً أَتْرُكُ الْعَالَمَ وَأَذْهَبُ إِلَى الْآبِ.. أَنَا أَمْضِي لِأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً... آتِي أَيْضاً وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً« (يوحنا 16:28 و14:2 و3).

ولا تقتصر الحياة الأبدية على مجرد تأكيد الوجود في السماء في المستقبل، لكنها تبدأ الآن بحاضر مجيد لكل من يثق في المسيح ويحبه. لهؤلاء يتحقَّق الوعد الإلهي: »اللّهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ. مَنْ لَهُ الِابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللّهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ« (1يوحنا 5:11 و12). والحياة الأبدية هي في شخص المسيح. فعندما يسكن قلبك تبدأ حياتك الأبدية به ومعه.

تكلفة باهظة

ولكي نحيا الحياة الأبدية مع الله، كما سبق وقلنا، يجب أن نجد حلاً لمشكلة خطايانا، ونجد ذلك الحل في موت المسيح الكفاري عنا، ففي الصليب التقت قداسة الله وعدالته ومحبته. هناك ظهرت قداسته، وتجلَّت عدالته، واحتضنت محبته الخطاة مثلي ومثلك.

قال أوزوالد تشمبرز: »احترس من موقف الذين يقولون: الله رحيم ومحب، وبالتأكيد سيغفر لنا، فلا مكان في الإنجيل لمثل هذا القول. ولكن الأساس الوحيد لغفران الخطية هو في صليب المسيح. ولم يقدم لنا الإنجيل طريقاً سواه.. وحتى عندما ندرك صدق هذه الحقيقة وننال غفران خطايانا على أساسها، فإننا معرَّضون لنسيان التكلفة الباهظة التي تكلفها الله لخلاصنا«.

ولقد ذكرنا تضحية »ويلي هولت« وهي تقدم لنا صورة باهتة للآلام التي تحمَّلها المسيح على صليب الجلجثة بسبب محبته لنا. ويقول لنا الكتاب المقدس، الموحى به بالروح القدس، إن الله في الصليب قد أزاح الستار ليُرينا محبته الباذلة، فتأسر محبته الفائقة قدرتنا المحدودة عن الفهم. وعندما نركز النظر على عمل المحبة العظيم هذا يمكننا تقدير جزء ضئيل من طول محبة الله وعرضها وعلوّها وعمقها.

وعندما مات المسيح لأجلنا على الصليب تألم لأجل خطايانا بثلاث طرق، جسدياً ونفسياً وروحياً. فعلى الصليب تألم بجسده، وانفصل عن نور الله ومجده وسلامه الذي كان له في وحدانيته مع الآب منذ الأزل. ويؤكد لنا التاريخ كما يؤكد الكتاب المقدس تاريخية صلب المسيح وقيامته بالجسد. ولقد قام البعض من الموت قبل قيامة المسيح، لكنهم عادوا وماتوا، وهم الآن ينتظرون مجيء المسيح ثانية ليقيمهم إلى حياة أبدية. أما هو فقد قام ولا يسود عليه الموت بعد. إنه »رَئِيسِ الْإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ.. إِنْ يُؤَلَّمِ الْمَسِيحُ، يَكُنْ هُوَ أَوَّلَ قِيَامَةِ الْأَمْوَاتِ« (عبرانيين 12:2 وأعمال 26:23).

آلام جسدية: تألم المسيح على الصليب آلاماً تفوق إدراكنا. ولا يمكن أن نقارن موت المسيح الإنسان الكامل بموت أي إنسان آخر غيره. ومما يساعدنا على تقريب الصورة لأذهاننا نقارن تدمير لوحة فنية لا تُقدر بثمن لرمبرانت بتشويه مجرد قطعة ورق ملونة!

وهناك نبوَّة في التوراة تتكلم عن تشويه جسد المسيح على الصليب تقول: »كَانَ مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَداً أَكْثَرَ مِنَ الرَّجُلِ« (إشعياء 52:14). فقد عومل بقسوة حتى تشوَّه جسده، فلم يعُد يشبه الإنسان. ربما عانى آخرون تشويهاً مشابهاً، ولكنهم لم يكونوا في كمال المسيح. فإن المعاناة التي عاناها بسببنا شوَّهت منظره الجسدي كلياً، وهو ما تنبأ هو بحدوثه في قوله: »هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الْإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الْأُمَمِ، فَيَهْزَأُونَ بِهِ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ« (مرقس 10:33 و34). وهذا ما تحقق تماماً، فيقول البشير مرقس إنهم استهزأوا به وجلدوه وضربوه على رأسه وبصقوا عليه ثم صلبوه (مرقس 15:19 و20 و24). وكان الرومان زمن المسيح يجلدون المجرمين بسياط من سيور جلدية تنتهي بقطع عظام أو رصاص، تمزق الظهر والصدر أيضاً، وبهذا تنبأ المرنم في مزاميره: »ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ. أُحْصِي كُلَّ عِظَامِي، وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَيَتَفَرَّسُونَ فِيَّ« (مزمور 22:16 و17).

لقد تألم المسيح بالجسد حتى تشوَّه جسده. فهل يساعدك هذا لتدرك مقدار عظمة محبة الله لك؟

آلام نفسية: مع أن آلام المسيح الجسدية تفوق إدراكنا البشري إلا أنها كانت جزءاً واحداً من آلامه الحقيقية، ولم تلمس إلا الغلاف الخارجي لآلامه العميقة على الصليب، ومنها آلامه النفسية. ويصف البشير يوحنا أحداث ساعات الصلب الرهيبة فيقول: »وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ، لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ. لكِنَّ وَاحِداً مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ« (يوحنا 19:33 و34). وهذا يعني أن المسيح مات كسير القلب. ويقول بعض خبراء أمراض القلب إن قلب المسيح انكسر حرفياً فانساب دمه إلى غشاء القلب، فلما اخترقت الحربة جنبه خرج دم وماء. والحقيقة الروحية هي أن صدمة المسيح النفسية كسرت قلبه المحب الذي حمل كل آلام الجنس البشري، وهو صاحب النفس الكاملة الذي انفصل عن الخطاة بكماله (عبرانيين 7:26)، فحمل كل قذارات الجحيم التي لا توصف، ومات كسير القلب. فهل يساعدك هذا لتدرك مقدار عظمة محبة الله لك؟

آلام روحية: لما كنا كبشر ذوي أجساد من لحم ودم، فليس غريباً أن يسهُل علينا إدراك آلام المسيح الجسدية والنفسية، دون أن ندرك آلامه الروحية. وعندما نفكر في الموت تتَّجه أفكارنا إلى الآلام النفسية والجسدية التي تصاحب الموت الجسدي.

ولكن الكتاب المقدس يحدثنا عن ثلاثة أنواع من الموت: الروحي والجسدي والأبدي. وليس واحد من هذه الأنواع الثلاثة يعني توقُّف الحياة، لكنه يعني الانفصال.

(أ)الموت الروحي: وهو الانفصال عن الله الذي خلق الناس ليعبدوه. ولن يجد الإنسان نفسه الحقيقية إلا في عبادة الله. ولكن الإنسان الميت روحياً لا يقدر أن يعبد الله الذي قال المسيح عنه إنه روح، وإن الساجدين له ينبغي أن يسجدوا له بالروح والحق (يوحنا 4:24).

(ب)الموت الجسدي: وهو نوع ثانٍ من الانفصال، فيه تفارق الروحُ والنفسُ الجسدَ. ولكن الموت الجسدي لا يعني انتهاء وجود الإنسان.

(ج)الموت الأبدي: وهو الانفصال الأبدي عن الله مصدر كل حياة ونور ومحبة، فيكون الإنسان الميت أبدياً في ظلمة ويأس ودينونة للأبد. وهو يعني العذاب اللانهائي، وقد تحمَّل المسيح شيئاً منه وهو على الصليب.

احتمل المسيح على الصليب الآلام الجسدية والنفسية، إلى جوار الآلام الروحية، التي جعلته يصرخ: »إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟« (متى 27:46). ويُقال إن مارتن لوثر وهو يتأمل آلام المسيح الروحية استلقى في كرسيِّه كجثة هامدة مدة طويلة بدون طعام. ولما انتهى من تأملاته قال في جزع: »الرب متروك من الرب! من يدرك هذا؟«.

في ظهر يوم الجمعة العظيمة كان الابن الأزلي معلَّقاً على صليبه نحو ثلاث ساعات. ثم صار مصدر الحياة فريسة للموت، وكان ذروة ذلك لما تركه الآب، فصار الذي لم يعرف خطية خطيةً لأجلنا (2كورنثوس 5:21). ليس خاطئاً، بل خطية! فانفصل عن الأُنس بالله. ولا غرابة أن تسود الظلمة الأرض آنذاك مدة ثلاث ساعات. وما أجمل ما قال إسحاق واتس: »عندما مات المسيح الخالق عن خطية الإنسان المخلوق احتجبت الشمس المجيدة في الظلمة الحزينة«.

ولكن مجداً لله، فقد قام المسيح من بين الأموات. وكما أن موته حقيقة تاريخية ثابتة، هكذا قيامته، فلم يتمكن القبر والموت أن يبقياه تحت سيطرتهما، فقام في اليوم الثالث، ولا يعود يرى الموت بعد. وهو حي إلى الأبد جسدياً وروحياً، وهو مستعدٌّ أن يمنح هذه الحياة لكل من يقبل خلاصه، كما قال الرسول بولس: »اَللّهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ - بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ - وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ« (أفسس 24-6).

وفي هذا كتب تشارلس وسلي ترنيمة يقول مطلعها: »أيتها النعمة المذهلة، كيف حدث أنك أنت يا ربي يجب أن تموت لأجلي؟«.

فهل يساعدك هذا لتدرك مقدار عظمة محبة الله لك؟

الموت الذي أمات الموت

كان الدكتور سانجستر من أعظم الوعاظ الموهوبين الذين سمعتُهم، وكنت أتلذَّذ وأنا أسمعه يستخدم لسانه الفضي ليشهد لربه ومخلّصه. ولكن للأسف أصابه سرطان اللسان فامتنع عن الوعظ. وقبيل موته، في صباح أحد عيد القيامة، أشار لابنته لتناوله قلماً وورقة، فكتب: »مِن الأفضل أن تفقد لسانك مع احتفاظك برغبة ملتهبة لأن تصيح: المسيح قام! مِن أن يكون لك لسان بدون رغبة في أن تهتف له!«.

ولما كان المسيح هو الله الخالق، فقد أتانا بالحياة من العَدم. ولما كان هو الله المخلِّص فقد غلب الموت وجاءنا بالحياة من القبر، ولم يكن ممكناً أن يُمسك الموتُ رئيسَ الحياة! وقد كتب الرسول بولس لمؤمني كنيسة كورنثوس يقول: »الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ« (1كورنثوس 15:3 و4). واليوم يستريح كل مؤمن صادق الإيمان إلى الحقيقة المجيدة أن المسيح مات لأجل خطاياه، ويهتف: »أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ، وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. وَلكِنْ شُكْراً لِلّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ« (1كورنثوس 15:55-57).

الموت الذي أمات رئيس الموت

لم يكن القصد من تجسُّد المسيح أن يموت من أجل خطيتي وخطيتك فحسب، بل أيضاً: »لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ« (عبرانيين 2:14). وكما استخدم داود سيف جليات وقطع به رأسه، أخذ المسيح سلاح الموت الخاص بالشيطان، واستخدمه ليهزم الشيطان تماماً. فالمسيح هو المحرر الحقيقي للبشر، وهو المخلّص الواحد الوحيد الذي يستطيع أن يحرر الناس من قيودهم الروحية وموتهم الأبدي اللذين يريدهما الشيطان للبشر جميعاً، رغم أن الله خلقهم على صورته.

لقد أخذ المسيح جسداً حقيقياً من لحم ودم وعظام وفيه هزم الشيطان والموت وقام من القبر، وبه صعد إلى السماء فصار سابقاً لنا (عبرانيين 6:20). ولأول مرة دخل السماء جسدٌ كامل بلا خطية. وبموته على الصليب فتح الطريق لنا لنتبعه فيه. هللويا!

وصية الذي مات

ما أروع أن ندرك أن المسيح سابقٌ ورائدٌ لنا إلى السماء، فنتبعه في موكب نصرته. ومن الرائع أن نعرف أن المسيح الذي أحب خاصته وعد قبل موته إنه بعد صعوده للسماء سيرسل الروح القدس ليحل على المؤمنين، وقال: »مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ«. قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لِأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لِأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ« (يوحنا 7:38 و39). »أَنَا مَاضٍ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي« (يوحنا 16:5) »أَطْلُبُ مِنَ الْآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ، رُوحُ الْحَقِّ« (يوحنا 14:16 و17). »خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لَا يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي(بمعنى: الذي يعطي قوة) وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ. ذَاكَ يُمَجِّدُنِي« (يوحنا 16:7 و14).

تمجَّد الله الآب في موت المسيح الابن

وقد يثور سؤال: »كيف يتمجد المسيح بإرسال الروح القدس لك ولي؟«.

نجاوب السؤال جزئياً بالقول: يتمجد المسيح في حياة كل مؤمن حقيقي تَسْري فيه محبة الله »لِأَنَّ مَحَبَّةَ اللّهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا« (رومية 5:5). فمحبة الله تتوضَّح لك بالروح القدس، وهي أعلى من كل محبة إنسانية مهما كانت سامية. وعندما تتجاوب مع محبة الله الواضحة في عمل المسيح المُكمَل على الصليب سيوصِّل الروح القدس إليك هذه المحبة، لا لتُخلِّصك فقط، بل لتستخدمك لتعلن محبة الله للبشر، فتلمس حياة الآخرين.

وعندما تؤمن أن المسيح مات لأجلك، وتشكره من كل قلبك على ذلك، تتأكد من غفران الله وخلاصه الحبي لك على الصليب. وعليك أن تستجيب لحضور المسيح الساكن فيك فتصبح وسيلة توصيل محبته للعالم المفتقر للحب.

وختاماً، أذكر أن لاهوتياً ألمانياً مشهوراً بعِلمه الوفير، سُئل يوماً: »ما هو أعظم فكر ثابت عندك عن الله؟« ولدهشة سائله كانت إجابته كلمات ترنيمة بسيطة من ترانيم مدارس الأحد: »أنا متأكد أن يسوع يحبني، لأن الكتاب المقدس يعلن لي هذا«.

فيا له من حُبٍّ رسم للخلاص خطة

ويا لعظمة من وهب للإنسان نعمة

ويا لهول ما عبر الله ليصل إلى البشر من هُوَّة!

في الجلجثة

عظيمة كانت رحمته، ومجاناً كانت نعمته

غفراناً لي هكذا أثمرت محبته

ونفسي المثقَّلة أراحتها حُرِّيته

في الجلجثة

صحيح أن الله يحبك. ومحبته لك باذلة وعملية.

وقفة للتفكير

ما هي أفضل طريقة تبرهن بها أنك تحب إنساناً؟

هل بالكلام؟

أو هل بالفعل؟

كيف برهن الله أنه يحبك؟

كيف تستجيب أنت لمحبة الله لك؟

»في غرفة العمليات يعرف كل طبيب جراح أن الدم هو الحياة. والاثنان متلازمان، فمن يفقد دمه يفقد حياته« (الدكتور بول برنارد)


الفصل الثامن  أين أجد الحياة؟

كانت الساعة تقترب من منتصف الليل، وزوجتي وأنا على وشك القيام برحلة بالقطار تستغرق ثماني عشرة ساعة. وكنا ومعنا مئات المسافرين ننتظر السماح لنا بالدخول إلى القطار في محطة القديس لازار بباريس. وكان معظم الركاب من الشباب، من مختلف الدول الأوروبية، يأكلون ويشربون ويستلقون نصف نائمين، فتجاذبنا مع بعضهم أطراف الحديث، فوجدنا أنهم لم يجدوا بعد نوعية الحياة التي يفتشون عنها. واتَّجه فكري وفكر زوجتي إلى أعظم رفيق لنا في السفر، وهو الرب يسوع المسيح! ولما استمر الحديث انفتح لنا قلب بعض الشباب المغامرين المتعَبين الراغبين في الوصول إلى الحياة »الحقيقية« التي كان بعضهم يرجو أن يجدها في المدينة المجاورة، أو في صديق جديد، أو في حفلة قادمة. وكان خوفهم الأكبر هو عدوى المرض القاتل، الذي يسمّيه الأفريقيون »مرض الشخص النحيف« (فقدان المناعة) وهو مرض »الإيدز« الذي تعني الإصابة به حكم الموت!

وأعترف أن الدم هو السائل الذي يحمل مقوِّمات الحياة. كما يجب أن أعترف أني أخاف  من منظر الدماء، وأذكر أني أردت التخلُّص من فوبيا (رُهاب) الدم، فأخذوني لأراقب إجراء عملية جراحية من غرفة مراقبة. وما أن تفجَّر الدم تحت مشرط الجراح حتى غمر العرق جسدي وابيضَّ لون وجهي، فنصحني الطبيب بأن أترك المكان. ولم أكن محتاجاً لأن يقنعني!

وبغضّ النظر عن مخاوفي، فإن الأطباء ينقلون الدم لكل من يُصاب بنزيف حاد لإنقاذ حياته وليسترد صحته. واليوم، بفضل التقدم العلمي يؤخذ دم شخص سليم ليُحقن في شرايين مريض مشرف على الموت فيمدُّه بالحياة.

ومن قبل الاكتشافات الطبية الحديثة أعلن الله أن: »نَفْسَ الْجَسَدِ هِيَ فِي الدَّمِ« (لاويين 17:11). ويقول الدكتور برنارد: »في غرفة العمليات يعرف كل طبيب جرّاح أن الدم هو الحياة. والاثنان متلازمان، فمن يفقد دمه يفقد حياته«.

ومع أن معظم الناس يدركون أن دم بعض المرضى ملوَّث بفيروس الإيدز، إلا أن كثيرين لا يدركون أن هناك مرضاً آخر أصاب كل البشر، لأن الله »صَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الْأَرْضِ« (أعمال 17:26). وقد أثَّر هذا التلوُّث على كل البشر. ويقول الكتاب المقدس إن هذا يرجع إلى آدم أب الجنس البشري (1كورنثوس 15:45). فعندما أخطأ الإنسان الأول أخطأت ذريته من كل جنس ولون في كل الأرض (1كورنثوس 15:22). وكما يحمل فيروس الإيدز الموت عن طريق الدم إلى كل الجسد، تحمل الخطية الموت للجنس البشري من جيل إلى جيل. ولو أن هذا التلوُّث لم يحدث لمَضَى كل الناس إلى السماء دون أن يمرّوا بوادي الألم والموت.

ولكن كم نشكر الله أنه بفضل دم المسيح أمكن أن تسري في شرايين البشر دماء جديدة تمنح الحياة، فقد بشَّر الملاك جبرائيل العذراء مريم أنها ستحبل بابن تسميه »يسوع»« لأن »اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُّوَةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللّه« (لوقا 1:35). وجرت المعجزة عندما حبلت العذراء من الروح القدس. وهذا النوع من الحبَل يوقِف انتقال الخطية بالوراثة إلى الوليد، فكان دم المسيح نقياً لا أثر للتلوُّث فيه. ولهذا يمكن أن يمنحنا دم المسيح الحياة، لأن المسيح من عند الله.

والدم البشري معقَّد التركيب، وفي كل يوم يكتشف الأطباء الجديد عنه. ولكن الحقيقة الأساسية القديمة المعروفة عنه أنه ينقّي الجسد، ويمنح الحياة، ويقاوم المرض. ومن الرائع أن تعرف أن الله دبَّر لك دماً يُجري معجزات فائقة، وهو متوافر لكل من يفتش عن »الحياة الحقيقية«. ويمنح دم المسيح للخاطئ التائب تطهيراً من الخطية، ويهب لموتى الخطية حياة. أما للأحياء روحياً فإن دم المسيح يحميهم من هجوم الشيطان. عن هذا الدم الكريم نقرأ: »عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لَا بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الْآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلَا عَيْبٍ وَلَا دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ« (1بطرس 1:18 و19).

قوة الدم المطهِّرة

منذ وقت قريب حملت الأخبار لنا أن إحدى الشركات الجشعة في الربح تغاضت عن بعض الاحتياطات الصحية، فاستخدمت خزاناً ينقل سوائل سامة إلى خارج المصنع، وفي إعادته شُحن بسوائل تدخل في تصنيع نوع من الطعام المحفوظ. وتسبَّب هذا الطمع والاستهتار في مشاكل صحية لكثيرين.

أما في الجسد البشري فقد خلق الله نظاماً معجزياً ينقل الغذاء إلى الخلايا، ويقوم بتنقيتها من السموم في الوقت نفسه، دون أن تؤثر السموم على الغذاء بشيء. مع أن الخلية تتغذى من شعيرات دموية سُمكها سُمك شعرة! وإذا لم تتنقَّ الخلايا من السموم يمرض الإنسان ويموت.

وهذا هو النظام الذي اتَّبعه الله ليمحو وجود الخطية السام والمميت من حياتنا. فبدم المسيح الكريم وحده يتحقق لنا هذا »إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ« (1يوحنا 1:7). وقد قال الله إنه لا يوجد طريق آخر للنجاة من الخطية غير سفك الدم (عبرانيين 9:22).

الدم قوة تعطي الحياة

يحمل الدم الماء والغذاء إلى الجسد كله، فيحفظ فيه الحياة. ولو لم يقُم الدم بهذه الوظيفة لَمات الجسد. وواضح أن الحياة هي في الدم. وقد أدهش المسيح تلاميذه وهو يكلمهم عن دمه فقال: »إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الْإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ، لِأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ« (يوحنا 6:53-55). ثم أوضح المسيح هذا بقوله: »مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ« (يوحنا 6:56). فما أروع أن نعرف أن دم المسيح الذي يفدي الخطاة من خطاياهم هو المصدر الحقيقي للحياة الروحية، ويمكن أن نشترك معه في حياته اعتماداً على دمه المسفوك، فكل من يشرب دمه يثبت فيه. وعندما تختبر قوة قيامة المسيح وحضوره الدائم معك، تشهد بافتخار: »المسيح الحي المقام يسكن الآن فيَّ«. وكلما تناولنا الجسد والدم من مائدة العشاء الرباني نرفع شكرنا لله ونشهد له.

ويعطي دم المسيح المعجزي الحياة للمؤمن عندما يولد ثانية بقوة الروح القدس. فما أحوج كل من يبحث عن الحياة إلى دم المسيح الكريم الذي يعطي الحياة.

الدم قوة تحفظ

الدم يطهر الحياة ويعطي الحياة ويحفظ الحياة

ارتعب العالم كله بسبب »الطاعون البابوني« (أو: الطاعون الدُّبَلي) الذي تمَّ تشخيصه في الهند، فكانوا يطهِّرون كل طائرة تغادر الهند، كما كان بعض الركاب يُحجَزون مؤقتاً في المطار للفحص الطبي، لئلا يكونوا حاملين للمرض.

ويقوم الدم بدور رئيسي في صدّ هجوم الجراثيم الغريبة التي تهدد حياة الإنسان مهما كان نوعها، فيحمل للجسد مواد دفاعية مضادة للبكتيريا. وعندما يحدث مثل هذا الهجوم تقوم خلايا الدم البيضاء (ووظيفتها الأساسية دفاعية) بزيادة عددها وتأخذ وضع الدفاع.

وكم هو عظيم أن نعرف أن دم المسيح له نفس عمل الدم البشري، فهو يعطي الحياة ويحفظها، ويحمي المؤمن من مهاجمات إبليس المستمرة. وقد تنبأ المسيح عن المعركة بين إبليس وأولاد الله عند نهاية العالم فقال: »وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْحَمَلِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ« (رؤيا 12:11). ويمكنك أن تهزم الهجوم الشيطاني بقوة دم المسيح الحافظة.

وقد تنبأ الوحي بنصرة المسيح على الشيطان بعد أن أغوى آدم وحواء، فقال إن نسل المرأة يسحق رأس الحية »وَأَضَعُ عَدَاوَةً... بَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ« (تكوين 3:15). فالحية تسحق عقب المسيح المخلّص المنتظَر، ولكنه يسحق رأسها. والمسيح هو نسل المرأة، الذي سفك دمه الكريم »لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ« (عبرانيين 2:14).

ولقد وجد كثيرون في المسيح مصدر الحياة الحقيقية. ومثال لذلك أني وزوجتي في إحدى زياراتنا لأوغندا التقينا بمئة أوغندي واثقين أنهم وجدوا هذه الحياة ، واكتشفوا في قوة دم المسيح تطهير القلب، ونعمة الحياة، وقوة مقاومة الشيطان. ومع أن المسؤولين في سفارة كينيا حذَّرونا في ذلك الوقت من خطورة السفر إلى أوغندا، إلا أن روح الله وضع على قلبينا أن نزورها، لأننا كنا مرتبطَين بإقامة اجتماع لبعض قسوس أوغندا وزوجاتهم، كما أن الروح  القدس رتَّب رحلة عودتنا سالمين، فقد كانت الطائرة التي أقلَّتنا في الخروج من »عينتيبي« آخر رحلة تغادر مطارها قبل انقلاب عسكري.

وحالما وصلنا إلى مطار عينتيبي لمسنا أحاسيس التوتر والقلق، وكانت الفوضى والقمامة في كل مكان، ونقلتنا إحدى السيارات القليلة الموجودة من المطار إلى مكان الاجتماع على طريق ملأته القنابل بالحُفر. وفي الطريق أوقفنا بعض الجنود الذين يحملون رشاشات، ولكنهم تركونا نمضي لأن سائق سيارتنا من قبيلتهم. ولما وصلنا إلى مكان الاجتماع وجدناه مظلماً قذراً، ويقع في منطقة ترعبها المخاوف. ولكن ما أن وصل القسوس وزوجاتهم حتى نسينا المتاعب، وشعرنا بحضور مجد الرب في المكان. وستظل ذكريات ذلك الاجتماع محفورة في قلوبنا كاختبار روحي رفيع.

كان أولئك القسوس وزوجاتهم يجلسون على مقاعد خشبية غير مريحة مدة ثماني ساعات يومياً ليستمعوا إلينا نشرح لهم كلمة الله، وزوجتي تكتب ملخَّص كل درس على سبورة قديمة، وهم يدوِّنون ملاحظاتهم على أوراقهم. وفجأة انفتح الباب ودخل جندي مخمور يحمل مسدساً وجَّه فوهته إلى قلب زوجتي، فقالت بهدوء: »دعونا نصلي من أجل هذا الرجل العزيز ليتعرَّف على المسيح«. وبعد دقائق بدت لي دهوراً قال لي المترجم: »لا أكاد أصدق أن هذا الجندي المخمور يقول إنه يريد أن يعرف إله هذه المرأة!«. وبينما المترجم يقول هذا رأيت منظراً لا يُنسى، لا أعرف له سبباً. هل دفع ملاكٌ هذا الجندي ليركع على ركبتيه أمام جلال حضور الله المقدس في المكان؟ وهو الأمر الذي لم يكن الجندي المخمور يملك له دفعاً. أو هل ركع تواضعاً ليعبِّر لله عن شدة حاجته للتوبة. لا أدري. كل ما أدريه أنه أنزل فوهة مسدسه، ثم ألقاه على الأرض، وركع.

ولم يكن الوقت مناسباً لإلقاء الدرس الديني، فقالت زوجتي للجندي الراكع: »اتلُ هذه الصلاة ورائي« وقادته خطوة بعد خطوة إلى قدمي المصلوب، مخلِّص هذا الخاطئ. فوجد نبع الحياة الحقيقية في دم المسيح.

وأذكر هذا الاختبار هنا لأروي ما جرى بعده، فقد كان بعض الموجودين يكرهون هذا الجندي وأمثاله لسبب أو لآخر. لقد كان سبب تهديد لحياة بعضهم، وكان أحد زملائه قد بتر إصبع أحد القسوس بطلقة مسدس حاول بها أن يقتله. ولكن لأن أولئك القسوس كانوا يحبون الرب من كل قلوبهم، اجتمعوا حول الجندي الراكع وأحاطوه بصلواتهم لأنه أخٌ جديد لهم في المسيح. وبدون مصاحبة موسيقى رنم الإخوة الأفريقيون:

في الصليب في الصليب

راحتي بل فخري

ولو أن قادة العالم رأوا ما جرى في ذلك اليوم لوجدوا الحل الصحيح للمشاكل العالمية والخلافات القَبَلية.

»يُصَالِح بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى الْأَرْضِ أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي الْفِكْرِ، فِي الْأَعْمَالِ الشِّرِّيرَةِ، قَدْ صَالَحَكُمُ الْآنَ« (كولوسي 1:20 و21).

ولن ينجو من الدينونة القادمة إلا الذين صولحوا مع الله بدم المسيح. وعندما يأتي المسيح إلى أرضنا في يوم الدينونة الرهيب سنراه »مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الْأَرْبَابِ.. مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى اسْمُهُ »كَلِمَةَ اللّهِ« (رؤيا 19:16 و13).

وقفة للتفكير

>هل ترغب فعلاً في الحياة الحقيقية، التي وصفها المسيح بقوله: »أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ« (يوحنا 10:10)؟

>بحسب الكتاب المقدس: أين توجد حياة الجسد البشري؟ (لاويين 17:11).

>ما هو المعنى الأبدي لدم المسيح الثمين بالنسبة لك؟

هل تثق في قوة تطهيره؟

هل تثق في قوته التي تعطي الحياة؟

هل تثق في قوته الحافظة؟

قال المسيح: »أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الْأَبَدِ« (يوحنا 11:25 و26).

»لا يمكن أن ندرك بالكلمات وحدها كمال لوحة فنان، وبريق وجه إنسان، وجلال منظر ريفي، فإننا نحتاج أن نراها. وكما أن النظر بالعين يجعل الإنسان يختبر عملياً جمال خليقة الله، هكذا الرؤية الروحية تنقل حقيقة حضور الله وقوته ومحبته من نحو النفس الإنسانية«


الفصل التاسع: كيف أُصبح عضواً في عائلة الله؟

في أوائل الأربعينيات من هذا القرن، أنجز الطب تقدماً عظيماً في مجال جراحة العين حتى أمكن نقل قرنية سليمة من عين إنسان تُوفي لتوّه، وزرعها في عين آخر أعمى. وتحدث الدكتور سانجستر عن أول عملية ناجحة لنقل وزرع قرنية العين، فقال إنه عند الفجر اصطحب شخصين إلى غرفة العمليات، أحدهما سيدة وُلدت عمياء، والآخر طبيبها جراح العيون الذي أجرى العملية. وفي الأيام التالية للعملية كانت طبقات الضمادات التي تحمي عيني المريضة تُنزع تدريجياً فبدأت المولودة عمياء تحس بالضوء، وصارت في  منتهى الانفعال. وفي اليوم الموعود قبل شروق الشمس نُزعت الضمادة الأخيرة من على عينيها اللتين صارتا مبصرتين.

في هذا اليوم لم يكن ممكناً لشروق الشمس بالنسبة لهذه السيدة أن يكون أكثر بهاءً، فقد بزغ الضوء من وراء الأفق وكأنه يشرق خصيصاً لها! وبدأت الظلال تَقْصُر، وقطرات الندى تلمع على أوراق النباتات الخضراء.. وبدموعها على خدَّيها تطلعت إلى الطيور المشغولة بالقفز على الأرض التي بلَّلها الندى تبحث عن إفطارها، فصاحت: »لقد حاولتم أن تصفوا لي هذا، ولكني لم أكن أتصور أبداً أنه بمثل هذا الجمال!« ثم جلست في رهبة صامتة أمام عظمة خليقة الله.

كيف تستطيع أن تصف اللون الأحمر لإنسان لم يبصر أبداً؟ أو تشرح درامية غروب الشمس لإنسانٍ لم ترَ عيناه النور أبداً؟ إن هذا بالتأكيد مستحيل، لأن كلماتك ستقع على أذني مستمع لا خلفية عنده عن النور ليرجع إليها! إن الكمال في لوحة فنان، والفرحة في وجه إنسان، أو جلال منظر الغروب لا تصفه الكلمات. وينطبق نفس الشيء على العالم الروحي.

ويواجه المؤمن الذي يريد أن يصف الجمال الروحي لغير مؤمن نفس الصعوبة. تحدثتُ مرة إلى طالب طب يستعد لامتحاناته النهائية، وحاولت أن أشرح أعجوبة حب الله. فأجابني ببساطة: »أنا لا أستطيع أن أرى هذا الحب«. وتجاهلت ردَّه ومضيتُ أقول: »أنا لا أتوقَّع أنك تستطيع، لأنك مثل إنسان يعيش في حجرة مظلمة. أنا أعرف ماذا يشبه هذا الأمر، فقد عشت أنا نفسي في ظلام روحي. ولكن عندما أشرقَت عليَّ شمس حب الله جعلتني أستطيع. ولو أردت أن تفهم الله فيجب أن تخرج من هذه الحجرة المظلمة إلى نور شمسه الوضاح«. في ذلك اليوم ركع طالب الطب ليسأل المسيح أن يغفر خطيته ويدخل حياته. ولن أنسى ما قاله عندما نهض من على ركبتيه. قال: »لم أفكر أبداً أن أمراً كهذا يمكن أن يكون بمثل هذه الروعة!«.

وكما ينقل النظر الطبيعي جمال خليقة الله للعين البشرية، ينقل البصر الروحي حقيقة وجود الله وقوته وحبه إلى النفس البشرية. وكم هو محزنٌ أن تستمع لإنسان أعمى روحياً يتحدث عن الله، لأنه بسبب فقدانه للبصيرة الروحية، سيقدِّم صورة خاطئة أو ناقصة عن الله.

بعد أن صعد المسيح للسماء، تكلم على فم رسوله يوحنا، وقدم تشخيصاً مروّعاً لحالة القائد الروحي في مدينة لاودكية وقال: »لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ.. أَعْمَى« (رؤيا 3:17). فهل تتصوَّر أعمى لا يدري حالته المحزنة؟ وبعد تشخيص العمى الروحي استطرد المسيح ليصف علاجه، فقال له: »كَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْلٍ لِكَيْ تُبْصِرَ« (رؤيا 3:18). وكم هي هامة هذه الوصفة! إن النظر الروحي يحتاج إلى عملية روحية في العين، وهذا ما يعمله الروح القدس.

عندما وُلدتَ ميلاداً طبيعياً لم يكن لك الرؤية والفهم الروحيين. فإن كنت تريد أن تجد مخرجاً من الظلمة الروحية إلى »إِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللّهِ« (2كورنثوس 4:6). فأنت تحتاج أن تولد ثانيةً. قال المسيح لنيقوديموس: »اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. لَا تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ.. إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللّه« (يوحنا 3:3 و6 و7). فإن كنت تريد أن ترى ملكوت الله يجب أن تولد ثانيةً.

لقد وُلدتَ مثل كل كائن بشري آخر، وبداخلك فراغ شكّله الله، يصيح مشتاقاً أن يُملأ. ولا يمكن إشباع هذا الفراغ الروحي إلا بدخول المسيح قلبك وسكناه فيه. وعندما تقبل ذلك، فإن هدف كفارته سيتحقَّق في حياتك، فإنه لم يمت ليغفر خطاياك فقط، ولكن ليكون قلبك مكاناً روحياً طاهراً يحل هو فيه بجلاله. فمن الضروري أن تُغفَر خطاياك قبل أن يأتي ليسكن قلبك.

بينما كنت أتحدَّث مع مؤمن أفريقي شاب، وجدتُه متحمساً أن يشارك الخبر المفرح عن المسيح مع شباب بلده. وفي الأسبوع التالي كانت لي الفرصة لألقي دروساً كتابية لنحو مئتي قسيس، فدعوتُه ليحضر معهم. ولما كان يسكن على بُعد مئات الأميال من مكان اجتماع القسوس، فقد استقل سيارة مزدحمة بالركاب، سارت على طريق مليء بالحُفر ليقابلنا. وأخيراً وصل منهكاً ومتعَباً، ولكنه كان سعيداً جداً أن يجد فرصة جديدة ليتعلم أكثر عن الله وعن كلمته. ولم يركب السيارة المزدحمة إلا مُكرهاً، فقد كانت وسيلته الوحيدة ليصل إلى الاجتماع، وكان هدفه الفعلي هو ما ينتظره في نهاية رحلته.

وبنفس الطريقة سار المسيح في الطريق الوحيد الذي يوصِّله إلى حياتك، ليمنحك الشركة معه والأُنس به، وهو طريق الصليب، ليغفر خطاياك ويطهرك من كل إثم. وإن كانت هذه رغبته القصوى لك، فبالتأكيد لن ترضى أنت بشيءٍ أقل من هذا. إن هذه العلاقة الشخصية مع المسيح هي الغرض الأساسي الذي لأجله خُلقتَ.

وعندما يدخل المسيح حياتك تتأكد هنا والآن أن حياتك الأبدية قد بدأت فعلاً، وأن حلول المسيح فيك يرفع حياتك الأرضية إلى السماويات، ويضمن لك أنك في طريقك للسماء. »وَهذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللّهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ. مَنْ لَهُ الِابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللّهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ« (1يوحنا 5:11 و12). وهذه هي المعجزة التي اختبرها طالب الطب. لقد غفر المسيح خطاياه ودخل حياته، فصاح: »لم أفكر أبداً أن أمراً كهذا يمكن أن يكون بمثل هذه الروعة!«.

لكن كيف؟

أعطى الله رغبة لكثيرين ليتعرَّفوا على المسيح المخلّص بعد أن سمعوا الرسول بطرس يعظ عن حياة المسيح وموته وقيامته. لقد عمل فيهم الروح القدس ما يفعله الآن معك. تحدَّث  الرسول بطرس عن المسيح الرب (كيريوس - يهوه) ومسيح الله. فخلق فيهم هذا الفهم تبكيتاً وإحساساً بالحاجة إلى الخلاص، بعكس ما فعلوه قبل ذلك بنحو خمسين يوماً عندما صرخوا: »اصلبه! اصلبه!«. ولكنهم وهم يسمعون الرسول بطرس »نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ، وَسَأَلُوا بُطْرُسَ وَسَائِرَ الرُّسُلِ: »مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الْإِخْوَةُ؟« (أعمال 2:37) فكانت إجابة بطرس الأولى لهم هي حثّهم على التوبة التي بدونها لا يكون الإيمان حقيقياً، بل يكون فقط محاولة تصديق. إن الإيمان الذي يخلِّص هو الذي يرغب في تغيير الاتجاه.

عندما تشكر المسيح في ثقة بسيطة على ما فعله من أجلك إذ مات على الصليب، فإنك تعبِّر بذلك عن تغيير اتجاهك نحو الله ونحو الخطية، وتكون قد اختبرتَ تغييراً درامياً. حينئذ فقط يُجري الروح القدس جراحة روحية في عينيك، فتبدأ ترى الأمور من زاوية جديدة. وهذا معنى »التوبة«. إنها تغيير الفكر، وعلى هذا فإن اختبار الميلاد الجديد الحقيقي يتضمَّن تغييراً جذرياً في الفكر نحو الله ونحو الخطية.

نحو الله: التوبة هي تغيير الفكر. وهي ترفض كل مفهوم كاذب عن الله. لقد رأيتُ أناساً في أفريقيا كافحوا ضد طرقهم القديمة وعاداتهم الوثنية، وأحرقوا أصنامهم علانية بعد أن عرفوا المسيح. وعندي أصدقاء قاوموا ضغوطاً اجتماعية هائلة، وواجهوا تهديدات وأخطاراً عندما تحوَّلوا عن أنظمة دينية أو اجتماعية خاطئة ليتبعوا الله الذي أعلن عن نفسه في الكتاب المقدس. فالإيمان المخلِّص ينبغي أن يكون متأصلاً في الاقتناع أن المسيح هو يهوه - الله المخلّص الوحيد.

نحو الخطية: عندما تختبر الخلاص من الخطية بالإيمان بالمسيح، تكتشف حالتك الخاطئة بأسف وخجل. وتغيير فكرك من نحو الخطية (أي توبتك) يعني أنك لن تحاول فيما بعد أن تتجاهل خطيتك، أو أن توجد لها أعذاراً، وأنك لن تأمل فيما بعد أن صلاحك سوف يخلّصك، فكل أعمال بر الإنسان هي كثوب نجس أمام الإله القدوس (إشعياء 64:6). وستجد لديك الرغبة في أن تتحوَّل بعيداً عن كل ما لا يُرضيه في حياتك.

تخيَّل جندياً خرج في إجازة من ثكنته. وفي أثناء الأجازة وصله خطابان، واحد من صديق له، والآخر من قائده. الأول يدعوه لحضور زفاف صديقه، والآخر يستدعيه للعودة للخدمة. هناك بالتأكيد فرقٌ بين دعوةٍ وأمر. الدعوة يمكن أن تُرفض بأدب، أما الأمر فيقدِّم بديلين لا ثالث لهما: إما الطاعة أو التمرُّد.

ولأن الله يحبك، ويعرف أن الخطية ستحطم حياتك، فهو لا يدعوك أن تتوب بل يأمرك بذلك. وقد ختم بولس تقديم رسالة الإنجيل للفلاسفة والفضوليين في أثينا (عاصمة اليونان) بقوله: »فَاللّهُ الْآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا..« (أعمال 17:30). وأنت أيضاً ضمن »جميع الناس« يجب أن تتوب.

وستحدث المعجزة في حياتك عندما تتحوَّل عن مواقفك الخاطئة من نحو الله، وتهجر خطيتك الشخصية، وبالإيمان تتَّجه إلى المسيح داعياً إياه إلهك ومخلِّصك، فيعمل الروح القدس في قلبك »أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ« (فيلبي 2:13) كل ما هو صالح في عيني الله. ومن هذا نرى أن الله يجهِّز للراغبين في التوبة الرغبة والقدرة معاً على أن يعملوا ما يُرضيه ويسرّه. عند ذلك فقط  تُحقّق انتظارات الله منك.

وكصديق لك أطلب منك أن تقبل المسيح مخلِّصاً لك وبدون تأجيل. فتِّش عن مكان هادئ تركع فيه أمام الله مصلّياً الصلاة التي أقترحها لك. لا تكرِّرها كالببغاء بدون تفكير. المهم أن تتلوها وأنت مقتنع أن المسيح هو الطريق والحق والحياة، ولا يأتي أحدٌ إلى الآب إلا به (يوحنا 14:6).

والآن ربما تحب أن تغمض عينيك وتصلي من قلبك، أو تصلي الصلاة التالية:

صلاتي، استجابةً لدعوة الله

يا إلهي، أعترف أني لم أعرفك ولا أحببتك. ولكني أشكرك لأنك تعرفني وتحبني.

أنا خاطئ، لا أقدر أن أساعد نفسي ولا أن أكسب خلاصي بنفسي، فأتَّجه نحوك مؤمناً، طالباً غفرانك. أعترف أني خاطئ تائب عن خطاياه. شكراً لك لأنك مُتَّ عني، واهباً لي دمك الثمين الذي يعطي الحياة ويطهِّرها. وفي ثقة أضع نفسي تحت حماية الدم الكريم.

أرجوك أن تجيء إلى قلبي وتملك على حياتي.

والآن أشكرك لأنك أعطيتني ميلاداً ثانياً بالروح القدس. وما أروع أن أعرف أني صرتُ ابناً لله بقوة قيامتك، وأنك تحيا فيَّ إلى الأبد.

وكل من يؤمن به ويتكل عليه لن يُخزى (1بطرس 2:6).

والآن أَخبرِ شخصاً آخر بما فعلته. اذكر دائماً أن المسيح يحيا فيك، وأن عنده لك كل القوة التي تحتاجها لتتحدَّث عنه ولتحيا له.

وقفة للتفكير

>ما هي أفضل طريقة للتعبير عن الشكر لشخص أعطاك هدية ثمينة:

هل بأن تقول له: »إنها لي«؟

أو بأن تقول له: »أشكرك«؟

من يعطيك التأكيد أنك ابنٌ لله: الشعور أم الإيمان؟

»بِالنِّعْمَةِ أنتم مُخَلَّصُونَ، بِالْإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللّهِ« (أفسس 2:8).

هل يشتمل إيمانك بالمسيح على:

عامل التوبة؟

عامل الشكر؟

اتجاه الاعتماد الكامل عليه؟

هل تصرف الآن وقتاً تشكر فيه الله الذي خلَّصك، وتسبِّحه ليس فقط على ما فعله لأجلك، بل لأجل شخصه الكريم؟

»إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللّهَ أَقَامَهُ مِنَ الْأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ. لِأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلَاصِ« (رومية 10:9 و10).

»لا يمكن لشيء، من ظروف ومتاعب وتجارب، أن يمسَّني من قبل أن يمرَّ أولاً على الله وعلى المسيح، قبل أن يصل إليَّ.. فلو أن شيئاً من هذه جاز كل هذه المسافات حتى يصلني، فلا بد أن له غرضاً عظيماً، قد لا أفهمه للوهلة الأولى. وعندما أرفض الرعب، وأرفع عينيَّ إلى الله، معترفاً أن المتاعب جاءتني من عند الله لهدف عظيم هو بركة قلبي، فلن يربكني حزن، ولن تنزع أي تجربة سلاحي مني، ولن تجعلني أية ظروف أن أقلق، لأني سأكون مطمئناً في فرح الرب نفسه. وهذا هو انتصار الإيمان«


الفصل العاشر: ثم ماذا بعد هذا؟

الخلاص عطية مجانية تماماً، وليس هناك شيء يستطيع الإنسان أن يفعله ليكسب خلاص نفسه، فقد أكمل المسيح كل شيء. فإن صلَّيت بإخلاص الصلاة المقترحة (أو صلاة مماثلة) فإن إيمانك بالمسيح قد جعلك ابناً لله »أَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلَادَ اللّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ« (يوحنا 1:12).

ولعلك تسأل الآن: ثم ماذا بعد هذا؟

قبل أن يترك المسيح تلاميذه ليهزم الموت بقيامته ويصعد للسماء، قال: »اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ« (يوحنا 15:4) فشرح معنى الحياة المسيحية، وأوضح (من وُجهة النظر الإلهية) أن المؤمن يحيا آمِناً في المسيح إلى أن يصل إلى السماء. ولما كان المسيح يثبت في المؤمنين، فإن عائلاتهم وأصدقاءهم وزملاءهم في العمل سيلاحظون التغيير الذي جرى في حياتهم نتيجة لسُكنى المسيح فيهم.

عندما تراقب القضيب الحديدي الذي يحركون النار به ستقول: »القضيب في النار«. ولكن لو تأملتَ لاكتشفت احمرار القضيب وقلت أيضاً: »والنار في الحديد«. وإذا دليت دلواً في بئر وغمرته فيه حتى يمتلئ، فستقول إن الدلو في الماء، والماء في الدلو.

عندما تولد ثانية يغمرك الروح القدس فتصبح حياتك »مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللّهِ« (كولوسي 3:3). ولأنك تولد ثانية تكون في المسيح، وتصبح سكنى المسيح المقام مجداً شخصياً لك بقوة الروح القدس، فتفرح لأن »الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ« (كولوسي 1:27). فيحيا المسيح المقام فيك. هللويا.

والآن لنتأمل في الحق الواحد: أنت في المسيح والمسيح فيك:

أنا في المسيح

»لِأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ« (1كورنثوس 12:13).

»كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الْأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الْآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ« (رومية 6: 3 و4).

»لِأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللّهِ« (كولوسي 3:3).

أعرف صبياً أصيب بسرطان الدم. ولما كان في السابعة كان يجب أن يذهب لطبيبه مرة كل ثلاثة شهور ليُحقن في العمود الفقري. وذات مرة سأله طبيبه: »لماذا لا تصرخ كما يصرخ سائر الأولاد لما تخترق الحقنة عمودهم الفقري؟«. فأجاب: »صحيح إنها مؤلمة، ولكنها تخترق أولاً يد يسوع قبل أن تلمسني«. فيا له من إيمان واثق!

وكما قبلت المسيح بالإيمان ستجد أن الإيمان هو الوسيلة المناسبة والكافية لتأخذ من المسيح كل ما يسدد احتياجاتك. وعندما تضع ثقتك فيه تفتح الباب لثقة تستمر وتزيد »فَكَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ الرَّبَّ اسْلُكُوا فِيهِ« (كولوسي 2:6).

تبدأ المشاكل عندما نعالج تجارب الحياة وضغوطها بأنفسنا وبقوتنا الشخصية. وسرعان ما يكتشف المؤمن عجزه بنفسه عن أن يحيا الحياة المسيحية بقوته الذاتية، تماماً كما كان الحال قبل ولادته الثانية. وقد حذَّرنا المسيح من هذا بقوله: »بِدُونِي لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً« (يوحنا 15:5).

ولا يتوقع الله منك أن تقلّد المسيح، مع أنك وُلدت الولادة الثانية. وكم تحيَّر ملايين المسيحيين وهم يحاولون تقليد المسيح بدون نجاح. لذلك يخبرنا الرب عن تدبيره العظيم لحياتنا المسيحية، فيقول إننا مُتنا مع المسيح، وهذا يُميتنا بالنسبة لكل مطالب الناموس ولعناته. كما يجعلنا أمواتاً لكل مجهود شخصي نحاول به أن نتمم مطالب الناموس، ونموت عن كل قدرة لأن نحيا الحياة المسيحية بقوتنا. ولكن كم نشكر الله أننا أحياء نحيا حياة مجيدة بكفاية وحماية المسيح المقام.

وبَّخ الرسول بولس أهل غلاطية لأنهم بدأوا بالإيمان ولكنهم لم يكملوا به. بدأوا كما يجب، ولكنهم حاولوا أن يكملوا بالأعمال. فلنتعلم مما علَّمه بولس الرسول للغلاطيين: »أَيُّهَا الْغَلَاطِيُّونَ الْأَغْبِيَاءُ، مَنْ رَقَاكُمْ حَتَّى لَا تُذْعِنُوا لِلْحَقِّ؟ أَنْتُمُ الَّذِينَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ قَدْ رُسِمَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ بَيْنَكُمْ مَصْلُوباً! أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ مِنْكُمْ هذَا فَقَطْ: أَبِأَعْمَالِ النَّامُوسِ أَخَذْتُمُ الرُّوحَ أَمْ بِخَبَرِ الْإِيمَانِ؟ أَهكَذَا أَنْتُمْ أَغْبِيَاءُ! أَبَعْدَمَا ابْتَدَأْتُمْ بِالرُّوحِ تُكَمَّلُونَ الْآنَ بِالْجَسَدِ؟« (غلاطية 3:1-3). إن المؤمنين »سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ« (رومية 5:17).

لقد انتقل أهل غلاطية من حيوية الإيمان المعتمد على المسيح إلى مجهودات نفوسهم المقيَّدة بالناموس. وعندما تحيا بالإيمان المعتمِد على الله لن تتعرَّض للمتاعب الروحية التي تعرض لها الغلاطيون.

المسيح فيَّ

»مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لَا أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ« (غلاطية 2:20).

»إِنْ كَانَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ، فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ الْخَطِيَّةِ، وَأَمَّا الرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ الْبِرِّ. وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الْأَمْوَاتِ سَاكِناً فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الْأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضاً بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ« (رومية 8:10 و11).

»الَّذِينَ أَرَادَ اللّهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هذَا السِّرِّ فِي الْأُمَمِ، الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ« (كولوسي 1:27) »لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالْإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ« (أفسس 3:17).

ويمكن أن تعبِّر عن إيمانك المعتمِد على سكنى المسيح فيك بأن تقول: »الآن أُطلق يدك حرَّة لتحيا أنت فيَّ كما تريد«. والأمر الرائع هو أن الله أوكل مسؤولية حياتك الروحية لشخص آخر سواك: هو المسيح الذي فيه كل الكفاية ليواجه ظروف الحياة ومتاعبها بدلاً عنك لأنه يسكن فيك. تستطيع أن تكون لاهوتياً بدون المسيح، وأن تكون قسيساً بدون المسيح، وأن تكون مبشراً بدون المسيح. لكنك لن تكون مسيحياً بغير المسيح الذي يجب أن يسكن قلبك.

ومن الرائع أن تعلم أن المسيح هو الإله الأزلي، وقد قال الرسول يوحنا: »الْمَسِيحِ.. الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي« (رؤيا 1:5 و8). فالمسيح هو الخالق والفادي وصاحب السلطان في السماء وعلى الأرض، ومع ذلك فهو لا يهمل آلام وتجارب المولودين ثانية على أرضنا، كما أنه يهتم بصلواتهم، ويقبل عبادتهم. وبروحه يسكن قلبك، فيعمل لك وبك ما تعجز أنت عن عمله بنفسك ولنفسك، فيطهِّرك بطهارته في عالم النجاسة، وينصرك بنصرته في عالم التجارب، ويحبك بحبِّه في عالم الأنانية. هو القيامة والحياة، وهو الآن حياتك.

وكلما سلَّمت حياتك له بخضوع سيستمر في طلب وتخليص النفوس الضالة بواسطتك، فقد جاء ليطلب ويخلِّص ما قد هلك (لوقا 19:10). وستكون حياتك عامرة بالفرح وأنت تراه يخلّص آخرين باستعدادك للشهادة لهم. ولاحظ أن صعود المسيح إلى السماء لم يبعده عنك، فقد قال: »بَعْدَ قَلِيلٍ لَا يَرَانِي الْعَالَمُ أَيْضاً، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي. إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي، وَأَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ« (يوحنا 14:19 و20).

وقد تسأل: »كيف تكون كل موارد الله المعطاة لي في المسيح واقعية وعملية في حياتي؟«. وهذا سؤال أساسي، لأن إجابته توضح الفجوة بين الإيمان العقلي والإيمان الاختباري، كما تبيِّن الرغبة العميقة في إيمان عامل. وإجابة السؤال ببساطة هي أن الشكر يجعل حياة المسيح تنساب فينا، فالإيمان الصادق يشكر دوماً. تشكر على الخطايا المغفورة، وعلى أنه بنفسه سيكون لك ما تحتاجه، وقت الاحتياج إليه. وبدون إيمان لا يمكن إرضاء الله (عبرانيين 11:6). فلكي ترضيه عِش حياة الإيمان والشكر، وسيمنحك الله كفايتك من كل شيء.

كتب الرسول بطرس للمؤمنين المتألمين لأجل إيمانهم يقول: »قَدِّسُوا (أعطوا الحُكم الكامل) الرَّبَّ الْإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ« (1بطرس 3:15). وهذا يوضح لك كيف تواجه الاضطهاد بإيمان ثابت. تأكد أن المسيح سيد حياتك. وربما تذكر أن »أدوناي« هو أحد أسماء الله في العهد القديم، ومعناه »الرب والسيد« وقد حرَّض الرسول بطرس المؤمنين أن يسيِّدوا الله على حياتهم. وعندما يسود المسيح حياتك تتمتع بالشركة المستمرة معه، ويمنحك احتياجاتك اليومية، ويعطيك فرص خدمته. هذا الفكر تعبِّر عنه الترنيمة التالية:

يا رب، اجعلني عبداً لك

عندئذٍ أكون حراً

هبني أن أسلّم سيفي لك

وعندها أصبح منتصراً

إن الحرية الحقيقية لا تعني أبداً أن أفعل ما أريد وقتما أريد، بل أن أحصل من الله على القوة التي تمكّنني من فِعل ما يجب. ولنذكر كلمات الرسول بولس: »أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي« (فيلبي 4:13).

أثناء النهضة في شمال أيرلندا في سنة 1859 وقَّع آلاف الناس الذين جاءوا إلى المسيح عهد تكريسٍ شخصي، فغيّر الرب المُقام المناخ الأخلاقي لشمال أيرلندا في ذلك الوقت. وهذا ما يمكن أن تتمتَّع أنت ومجتمعك به، لو أنك التزمت بعهد تكريسك لله.

»وَإِلهُ السَّلَامِ الَّذِي أَقَامَ مِنَ الْأَمْوَاتِ رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ الْعَهْدِ الْأَبَدِيِّ، لِيُكَمِّلْكُمْ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ لِتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ، عَامِلاً فِيكُمْ مَا يُرْضِي أَمَامَهُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. آمِينَ« (عبرانيين 13:20 و21).

عهد إيماني

أقبل الله الآب ليكون لي إلهاً: »رَجَعْتُمْ إِلَى اللّهِ مِنَ الْأَوْثَانِ لِتَعْبُدُوا اللّهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ« (1تسالونيكي 1:9).

أقبل المسيح ليكون لي رباً ومخلصاً: »رَفَّعَهُ اللّهُ (المسيح) بِيَمِينِهِ رَئِيساً وَمُخَلِّصاً، لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ التَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ الْخَطَايَا« (أعمال 5:31).

أقبل الروح القدس ليملأني بمحبة الله: »مَحَبَّةَ اللّهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا« (رومية 5:5).

أقبل كلمة الله لتكون دستور حياتي: »كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللّهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللّهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ« (2تيموثاوس 3:16 و17).

أقبل المؤمنين ليكونوا شعبي: »شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلهُكِ إِلهِي« (راعوث 1:16) .

أخصِّص نفسي بالتمام للرب: »لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا يَعِيشُ لِذَاتِهِ وَلَا أَحَدٌ يَمُوتُ لِذَاتِهِ. لِأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ« (رومية 14:7 و8).

أفعل هذا بكل رغبتي: »وَإِنْ سَاءَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا الرَّبَّ.. أَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ« (يشوع 24:15).

وبكل إخلاصي: »فَخْرَنَا هُوَ هذَا: شَهَادَةُ ضَمِيرِنَا أَنَّنَا فِي بَسَاطَةٍ وَإِخْلَاصِ اللّهِ، لَا فِي حِكْمَةٍ جَسَدِيَّةٍ بَلْ فِي نِعْمَةِ اللّهِ، تَصَرَّفْنَا فِي الْعَالَمِ، وَلَا سِيَّمَا مِنْ نَحْوِكُمْ« (2كورنثوس 1:12).

وبكل إرادتي: »شَعْبُكَ مُنْتَدَبٌ (متطوِّع) فِي يَوْمِ قُوَّتِكَ، فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ« (مزامير 110:3).

وإلى الأبد: »مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ« (رومية 8:35).

 

المرفقات
الملفالحجم
Download this file (spb4102ara.pdf)بحثك عن الله الدكتور ريتشارد أ. بنيت875 Kb

Facebook

Twitter

Facebook

YouTube