عن مواهب الروح القدس : -
يذكر الكتاب "فإنه لواحد يعطي الروح القدس كلام حكمة ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد ولآخر إيمان بالروح الواحد ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد ولآخر عمل قوات ولآخر نبوة ولآخر تمييز الأرواح ولآخر أنواع ألسنة ولآخر ترجمة ألسنة (1كو10:8:12) وفي آخر الأصحاح يورد القائمة الأخرى من مواهب وأعمال الروح القدس في الكنيسة قائلاً "وضع الله أناساً في الكنيسة أولاً رسلاً ثانياً أنبياء ثالثاً معلمين ثم قوات وبعد ذلك مواهب شفاء ، أعواناً ، تدابير وأنواع ألسنة ، ثم يختم هذه المجموعة من المواهب بهبة المحبة قائلاً "جدوا للمواهب الحسنى وأيضا أريكم طريقاً أفضل" (1كو31:12) أي طريق المحبة لله والناس وهي أفضل وأنفع المواهب الروحية وأعظمها ، لذلك أفرد للحديث عن المحبة إصحاحاً كاملاً هو الإصحاح الثالث عشر كله .
أولاً : كلام حكمة
الحكمة والإفراز من أفضل الفضائل التي يجب أن يتحلى بها الإنسان ويطلبها من الله بلجاجة حسب وصية الرسول يعقوب"من تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطى الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له" (يع5:1) والحكمة التي ينالها الإنسان من الله بالصلاة والتضرع تكون"حكمة طاهرة ثم مسالمة مترفقة مذعنة مملوءة رحمة وأثمارا صالحة عديمة الريب والرياء" (يع17:3) كما يقول معلمنا يعقوب الرسول .
والحكمة الحقيقية تظهر في أعمال الإنسان وتصرفاته كما يقول معلمنا يعقوب الرسول"من هو حكيم وعالم بينكم فلير أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة" (يع13:3) أي يتحلى في سلوكه بالتصرف الجيد الممتزج بالحكمة الوديعة والوداعة الحكيمة .
قال القديس العظيم الأنبا أنطونيوس:الإفراز (الحكمة) هو الذي يعلم الإنسان كيف يسير في الطريق المستقيم الملوكي وكيف يحيد عن الطريق الوعرة ، الإفراز هو عين النفس وسراجها ، بالإفراز يفهم الإنسان الأمور ويميز جيدها من رديئها .
ثانياً : كلام علم
قال الرب يسوع لتلاميذه "أما المعزى الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو26:14) .
فالروح القدس يعلم ويرشد ويفتح الذهن والقلب لكافة العلوم النافعة للإنسان نفسه وللآخرين . ما أحسن وما أعظم العلم مع التقوى ، ما أعظم العالم المتدين ورجل الدين العالم . العالم كله يجرى الآن وراء العلم والتكنولوجيا الحديثة لتقدم وتطور الإنسان . ونحن نعرف أن العلم الصحيح لا يتعارض مع الدين الصحيح .
العالم يتجه الآن ناحية التخصصات الدقيقة في الطب والهندسة وغيرها من العلوم النافعة جرياً وراء معرفة أعمق وأفيد لكل الناس ، ومتى كان الإنسان أميناً ومجتهداً في بحثه وعلمه يكشف له الروح القدس أعماقاً أبعد وأفيد سواء في العلم الديني أو العالمي من أجل خير ومنفعة الإنسانية جمعاء .
ثالثاً: إيمان
فالإيمان هو الأساس الذي نبني عليه حياتنا الروحية وعلاقتنا بالله وبه نكسب رضى الله حسب قول الرسول بولس"بدون إيمان لا يمكن إرضائه" (عب6:11) والإيمان هو أحد الفضائل الكبرى في المسيحية حسب قول الرسول بولس "أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة" (1كو13) والإيمان هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا تري، الإيمان هو حياة عملية يحياها الإنسان المتدين حسب قول الرسول"أما البار فبالإيمان يحيا" (رو17:1) .
أراد شيء أن يفصل الإنسان بين الإيمان والأعمال "لأن كل ما ليس من الإيمان فهو خطية" (رو23:14) .
الروح القدس يهب الإنسان إيماناً عالي المستوى فلا يتوقف عند الإيمان النظري بوجود الله بل يتعداه إلي الإيمان العملي أو الإيمان العامل بالمحبة (غل6:5) الذي يشمل الحياة كلها ويتغلب علي التحديات التي يواجهها ويكون له ثماره الحلوة مثل الصلاة المقبولة وحياة التسليم والرضا والشكر وطاعة الوصية الإلهية الي حد الاستشهاد إذا لزم الأمر .
رابعاً : مواهب شفاء
كان الرب يسوع أثناء خدمته يطوف في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفى كل مرض وكل ضعف في الشعب (مت23:4) .
ولما أرسل تلاميذه للخدمة والكرازة قال لهم "اشفوا مرضى طهروا برص أقيموا موتى اخرجوا شياطين مجاناً أخذتم مجاناً أعطوا" (مت8:10) ، وحتى الآن يعطى الروح القدس لبعض المؤمنين مواهب شفاء وإخراج شياطين كبرهان على صحة الديانة وقوتها،لأن هذه الآيات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين ويتكلمون بألسنة جديدة..ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون (مر18:17:16) .
لكن مثل هذه المواهب تحتاج إلي إتضاع وحكمة وإفراز في استخدامها حتى لا يصاب صاحبها بضربات يمينية أو يسارية تهدد حياته الروحية .
خامساً : عمل قوات
من أمثلة عمل القوات التي عملها الرب يسوع إقامة الموتى ، فقد أقام موتى كثيرين كذلك أخرج شياطين مردة معاندين ، ومن أمثلة هذه القوات والآيات أن بطرس الرسول أمات حنانيا وسفيرة زوجته عندما كذبا علي الروح القدس (أع5) وضرب بولس الرسول عليم الساحر بالعمى (أع13) .
وكان الله يصنع علي يدي بولس قوات غير المعتادة (أي معجزات عجيبة خارقة للعادة) حتى كان يؤتى عن جسده بمناديل ومآزر إلى المرضي فتزول عنهم الأمراض وتخرج منهم الأرواح الشريرة (أع12:11:19)
وقد قال لأهل غلاطية "الله الذي يمنحكم الروح القدس ويعمل فيكم قوات (غل5:3) .
سادساً : نبوة
النبوة تعني أحيانا التنبؤ بما في المستقبل كما فعل النبي أغابوس حينما تنبأ بالروح القدس أن جوعاً عظيماً كان عتيداً أن يصير علي جميع المسكونة وقد تحققت نبوءته وحدث هذا الجوع في عهد كلوديوس قيصر (أع28:11) .
ونفس هذا النبي تنبأ عن بعض الاضطهادات التي كان سيلاقيها بولس الرسول "فأخذ منطقة بولس وربط يدي نفسه ورجليه وقال : هذا يقوله الروح القدس أن الرجل الذي له هذه المنطقة سيربطه اليهود في أورشليم ويسلمونه الي أيدي الأمم (أع11:21) وقد تحققت هذه النبوة بعد ذلك بقليل (أع36:27:21) . وفي عصر الرسل كان يوجد أنبياء كثيرون غير أغابوس (أع27:11) .
كذلك كان لفيلبس المبشر أحد الشمامسة السبعة " أربع بنات عذارى كن يتنبأن " (أع9:21) ، كذلك تدل كلمة النبوة في العهد الجديد إلي قوة إعلان الحق الإلهي أثناء الوعظ والإرشاد وتفسير الكتاب المقدس بفهم وعمق واستخراج المعاني والتأملات العميقة النافعة منه ، كل ذلك مع المعونة الإلهية التي تعطي للمتكلم أو الواعظ التي تقود السامعين إلي الإيمان والتوبة والسلوك الروحي الصحيح في كافة نواحي الحياة .
سابعاً : تمييز الأرواح
كثر مدعو النبوة في الكنيسة الأولي وأحدثوا بلبلة كثيرة بين المؤمنين لذلك أعطي الروح القدس بعض المؤمنين موهبة تمييز الأرواح أي قوة ملاحظة وفهم ومعرفة من يتكلم بإلهام الروح القدس ومن يتكلم من نفسه أو بإيحاء من الأرواح الشريرة مدعياً النبوة كذباً ، نصح معلمنا يوحنا الرسول المؤمنين قائلاً : "أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلي العالم " (1يو1:4) ، لذلك لزم أن يهب الروح القدس لبعض المؤمنين قوة إفراز لتمييز الملهمين بالحق من المدعين الإلهام باطلاً ، كذلك يوصينا معلمنا بولس الرسول قائلاً "امتحنوا كل الأشياء وتمسكوا بالحسن" (1تس21:5).
كما يوصي مؤمني كورنثوس قائلاً "أما الأنبياء فليتكلم اثنان أو ثلاثة (في الاجتماع الواحد) وليحكم الآخرون (1كو29:14) ممن لهم موهبة تمييز الأرواح .
ثامناً : تكلم بالألسنة
موهبة التكلم بألسنة هي قوة يعطيها الروح القدس لإنسان بها يقدر أن يتكلم بلغة لم يتعلمها قبلاً ، كما حدث مع الآباء الرسل في يوم الخمسين حيث "امتلأ الجميع من الروح القدس وأبتدأوا يتكلمون بألسنة أخري كما أعطاهم الروح أن ينطقوا (أع3:2) والألسنة التي نطقوا بها كانت لغات حية مثل اليونانية واللاتينية والقبطية والعربية وغيرها ، مما جعل السامعين يتحيرون قائلين ما عسي أن يكون هذا ..كيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي ولد فيها..إننا نسمعهم يتكلمون بألسنتنا (بلغاتنا) بعظائم الله (أع12:8:2) وقد استعملها الآباء الرسل في الكرازة بالإنجيل عندما خرجوا إلي العالم أجمع ليكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها (مر15:16) وأي رسول منهم وهو أصلاً يهودي شبه أمي لا يتكلم سوى الآرامية أي العبرية الدارجة حينما ذهب إلي أي شعب آخر وكلمهم بلغتهم بطريقة صحيحة نطقاً وقواعد وهو لم يتعلمها قبل ذلك شد انتباههم وإعجابهم واستمعوا إلي كلامه بإمعان ولما وثقوا من صحته واقتنعوا به آمنوا واعتمدوا .
تاسعاً : ترجمة ألسنة
كما أعطي الروح القدس بعض المؤمنين موهبة التكلم بألسنة أعطي البعض الآخر موهبة ترجمة الألسنة،فيترجمون للسامعين ما يقوله أصحاب الألسنة حتى يفهم السامعون ويستفيدون حتى تنال الكنيسة بنياناً (1كو5:14) .
موهبة ترجمة الألسنة هي التي تحكم موهبة الألسنة وتجعلها تبنى السامعين ، لذلك يقول الرسول"وإن لم يوجد مترجم فليصمت في الكنيسة" (1كو28:14) .
وفي العصر الرسولى كانت موهبة ترجمة الألسنة هي صمام الأمان لموهبة الألسنة لذلك كان الرسل يحتمون أنه في حالة استعمال الألسنة يجب أن يكون هناك مترجم حتى يستطيع السامعون أن يعرفوا أن المتكلم يتكلم بلغة حقيقية ذات معان وأن الروح القدس أعطاها له لينفع بها الآخرين .
وحتى الآن نرى أن الترجمة نافعة للخدمة،فإذا زارنا ضيف أجنبي لا يعرف لغتنا ولا نعرف لغته وأراد أن يلقي كلمة في اجتماع أو يعمل حواراً فلابد من مترجم يجيد اللغتين حتى يكون اللقاء مثمراً ومفيداً .