كانت رسالة المسيح بالكلمة المعجزة ، والمثل المعجز ، والآيات المعجزة .
قد يشبهه بعض الأنبياء في واحدة منها ؛ لكن أحدا منها لم يستجمعها مثله ، بشهادة القران .
1) كانت رسالته بالكلمة المعجزة . والقران يردد مررا على لسان المسيح اعلان التوحيد الكتابي المنزل : (وقال المسيح : يا بني إسرائيل اعبدوه الله ربي وربكم ) المائدة 57. هذا هو الصراط المستقيم الذي جاء به عيسى : ( ولما جاء عيسى بالبينات قال : (قد جئتكم بالحكمة ، ولابين لكم بعض تختلفون فيه ؛ فاتقوا الله وأطيعون : ان الله ربي وربكم فاعبدوه ، هذا صراط مستقيم ) الزخرف 63-64. وهذا هو الإسلام الحق الذي دعا إليه عيسى : ( وأذ أوحيت إلى الحواريين ان آمنوا بي وبرسولي ، قالوا آمنا واشهد بانا مسلمون ) المائدة 111. هذا هو وعدا الله ، ( وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقران ) التوبة 111.
ومن دعوة عيسى تبيان ما كانوا يختلفون فيه من الكتاب : (ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) الزخرف 63 ؛ وتحليل بعض ما حرم عليهم : ( ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) العمران 50.
ومن دعوته انه مصدق لما بين يديه من التوراة (المائدة 46 والصف ) ؛ كما هو مفصل لها ، غيما كانوا فيه يختلفون .
وكان أيضا (مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه احمد) الزخرف 6 – آية وحيدة فريدة في القران ،تثير التساؤلات ، سنرى معناها في بحث لاحق .
ومع الدعوة للتوحيد ، كان المسيح يظهر (كلمة الله) في ذاته (النساء 170)؛ وينفر بتأييد روح القدس له في سيرته كلها ، كما في رسالته وتنزيله (البقرة87 و253 المائدة 113) . وكلمة الله الملقى الى مريم ( وروحا منه ) تعالى ، وروح القدس ، هما روحان من الملا الأعلى يظهران في ظهور المسيح البقرة87 و253 ، النساء 170 .
فما هو سر ، ( كلمة الله) ؛ وما هو سر (روح القدس) من الله ؟ سنرى ذلك أيضا في بحث لاحق.
هذا هو الإنجيل الذي أتيه عيسى : ( وآتيناه الإنجيل ، فيه هدى ونور …هدى وموعظة للمتقين) المائدة 15 ، فهو هدى ونور لأهل الكتاب ؛ وهدى وموعظة للمتقين من الأميين ، ، كالعرب الذين آمنوا مع (محمد) .
2) وكانت رسالته بالمثل الحي
ضرب القران للناس ( مثالا من اللذين خلوا ) النور 34؛ ( وتلك الأمثال نضربها للناس ) العنكبوت 43 و الحشر 21 .
وأعطى القران إبراهيم والذين معه (أسوة حسنة) في براءتهم من بني قومهم الظالمين ( الممتحنة 4 و 6 ) وأعطى القران محمدا أيضا (أسوة حسنة) في الجهاد (الأحزاب 21) كما فسره الجلالين (اقتداء به في القتال والثبات في مواطنه) .
اما المسيح فكان مثالا لبني إسرائيل مطلقا : ( ان هو الا عبدا أنعما عليه وجعلناه مثالا لبني إسرائيل ) الزخرف 59 ؛ ومثلا للاميين على السواء: ( ولما ضرب ابن مريم مثالا ، إذا قومك منه يصدون ) الزخرف 57.
3) وميزة رسالة المسيح بالبينات والمعجزات التي لم يستجمعها غيره ، ولم يبلغ شأوها احد من المرسلين .
فالقران يصف رسالة المسيح جملة بانفرادها بالبينات : ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ) البقرة 87 و253؛ ( فلما جاءهم بالبينات قالوا : هذا سحر مبين ) الصف 6 ؛ ( وأذ كففت بني إسرائيل عنك ، إذ جئتم بالبينات ، قال الذين كفروا منهم : ان هذا إلا سحر مبين) المائدة 113؛ (ولما جاء عيسى بالبينات قال : قد جئتكم بالحكمة ) الزخرف 63 .
ثم يفصل مرتين بإيجاز بعض تلك المعجزات :
(ورسولا إلى بني إسرائيل اني قد جئتكم بآية من ربكم : اني اخلق لكم من الطين كهيئة طير ، فانفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله _ وأبرئ الأكمة (الأعمى منذ مولده) والأبرص _ واحي الموتى بإذن الله ، وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم : ان في ذلك لآية لقوم يعقلون ) آل عمران 49 ، قابل المائدة 113.
فسره البيضاوي : (انه حكى هنا خمسة أنواع من معجزات عيسى . وروى انه عليه السلام ربما اجتمع عليه خمسون ألفا من المرضى من أطاق منهم أتاه ، ومن لم يطق أتاه عيسى . وما كانت مداواته الا بالدعاء ). ونحن نعتبرها أربعة أنواع . هذا النوع الأول من الاشفية المعجزة .
والنوع الثاني هو الاطلاع على الغيب : فعيسى يعلم الغيب ، وليس كغيره لا يعلم الغيب ( الأنعام 50 ، هود 31 ،الأعراف 187). والنوع الثالث هو (الخلق) خلق الطيور .لاحظ قوة التعبير( اني اخلق لكم ) ؛ ولا يستعمل القران كلمة (خلق) بحق أحد من المخلوقين والمرسلين ، الا بحق عيسى ، على لسانه (آل عمران 49) وعلى لسان الله نفسه بحق عيسى (المائدة113): فقد أشركه في حق الخلق مع الخالق سبحانه ، وان قيده بقوله : (بإذن الله) أو بإذني) ؛ فإطلاق الفعل الإلهي الخاص على عيسى يكفيه ليرفعه فوق المخلوقين إلى الخالق . وكما وصفه بصفة إلهية لا تليق الا بالله ، (الخالق) ، فهو يؤيدها بصفة إلهية ثانية ، في النوع الرابع ، هي أحياء الموتى ؛ ولم يسند القران هذه الصفة الإلهية لأحد من المخلوقين الا لعيسى . ولم يشترك أحد من الرسل والأنبياء مع عيسى الا بنوع الاشفية ؛ أما الخلق ومعرفة الغيب والأحياء ، فقد انفرد بها شهادة له على شخصيته . نعرف من الكتاب والإنجيل ان ايليا واليشع أقاما ميتا بالدعاء الى الله ، اما المسيح فقد أقام الموتى بكلمته الشخصية وان كان ( بإذن الله ) لان ذات المسيح السامية وقدرتها من الله ذاته ، فهو (روح منه ) تعالى .
وآية الآيات البينات هي معجزة المائدة ينزلها على الرسل الحواريين من السماء : ( قال : عيسى ابن مريم . اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء ، تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ، وآية منك ، وارزقنا ، وأنت خير الرازقين ) المائدة 117.
قال الرازي في تفسيره : ان جميع تلك المعجزات التي طلبتها كانت أرضية وهذه معجزة سماوية ، وهي اعجب واعظم …. وقالوا بالإجماع : انها نزلت يوم الأحد فاتخذه النصارى عيدا.
وهذه الإشارات : مائدة ، عليها رزق من السماء ، تكون عيدا دائما لهم ، نزلت يوم الأحد ، كلها تشير إلى قول المسيح في الإنجيل : ( انا الخبز الحي النازل من السماء … والخبز الذي سأعطيه انا هو جسدي … من يأكل جسدي ، ويشرب دمي ، فله الحياة الأبدية ) الإنجيل المقدس بحسب حرف البشير يوحنا الفصل 6 كله .
فمعجزة المائدة في القران هي عند النصارى (المسيحيين) القربان المقدس .
وأسمى ما انفرد به المسيح على الرسل أجمعين هو اختصاصه بتأييد الروح القدس له على الدوام في سيرته وفي رسالته وشخصيته .