ان القران لا يذكر تأييد روح القدس للأنبياء والمرسلين مطلقا .
وبحق محمد يقول : ( قل : نزله روح القدس ) النحل 102 ، وبمقارنتها مع آية البقرة (97)
نعرف ان الروح القدس ، في تنزيل القران ، هو كناية عن جبريل.
فروح القدس جبريل ، يحصر القران دوره مع محمد في تنزيل القران ، وخارجا عن تنزيل القران ، لا يذكر له القران تأييد لمحمد .
أما المسيح له كل مجدا وكرامة فميزته تأييد روح القدس له الشامل المطلق ، في السيرة والرسالة والمعجزة والشخصية ، كما نرى من النصوص آلاتية : (ولقد آتينا موسى الكتاب ؛ وقفينا من بعده بالرسل ؛ وآتينا عيسى ابن مريم البينات ، وأيدناه بروح القدس ) البقرة 87.
ظاهر الآية يدل على اختصاص المسيح بتأييد الروح القدس من دون المرسلين أجمعين ، وظاهرها أيضا يدل على التأييد الدائم المطلق .
(تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض : منهم من كلم الله ؛ ورفع بعضهم درجات ؛ وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ) البقرة 252 .
ظاهر الآية يدل على اختصاص المسيح بتأييد روح القدس له في باب المفاضلة بين الرسل : فقد فضل المسيح على الرسل أجمعين بتأييد روح القدس له .
(إذ أيدتك بروح القدس ، تكلم الناس في المهد ، وكهلا ) المائدة 113 .
هنا يجعل القران تأييد روح القدس للمسيح في علاقة مع سيرته المعجزة ورسالته المعجزة وشخصيته المعجزة : فبسبب تأييد روح القدس له ، يكلم المسيح الناس في المهد وكهلا . ومنذ المهد ينطق المسيح بمعجزة ليبرئ أمه ، ويعلن نبوته : قال ( اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا) مريم 30 . من الآيتين مريم 30 ومائدة 113 يظهر ان تأييد روح القدس يشمل سيرة المسيح ورسالته وشخصيته .
فمن هو ( روح القدس ) الذي أيد الله به عيسى ؟ وما معنى هذا التأييد؟
قال الطبري في تفسيره لآية البقرة 87 : اختلف في تأويله: فقال بعضهم هو جبريل ؛ وقال آخرون هو الإنجيل؛ وقال آخرون هو الاسم الذي كان عيسى به يحيي الموتى .
وهو يفضل القول انه جبريل بسبب سورة (المائدة 113) التي تقرن التأييد بالنبوة في المهد وكهلا . لكن فات الطبري ان التأييد المقيد في سورة المائدة هو مطلق في سورة البقرة (87)
وفي باب المفاضلة بين الرسل (البقرة 253).
والرازي ينقل قول الحسن في تفسيره البقرة (87) : والذي يدل على ان روح القدس جبريل عليه السلام قوله تعالى : قل (نزله روح القدس ) . لكنه ينقل أيضا قول ابن عباس : ( ان الروح القدس هو الاسم الذي كان به عيسى يحيي الموتى ) . وينقل ايضا قول ابي مسلم : ( ان روح القدس الذي أيد به يجوز ان يكون الروح الطاهرة التي نفخها الله تعالى فيه وأبانه بها عن غيره )
والى هذا الرأي يذهب الرازي في تفسيره (المائدة 113) : قوله (إذ أيدتك بروح القدس أي جبريل ، فالروح هو جبريل ، والقدس هو الله ، إضافة إلى نفسه تعظيما له ؛ او روح عيسى ؛ فالله خصه بالروح الطاهرة النورانية المشرفة العلوية الخيرة ).
ويقول الرازي هنا أيضا : وكان روح القدس ( لا يفارقه ساعة ، وهو معنى قوله ( وأيدناه بروح القدس ) . وقال الجلالان : (يسير معه حيث سار) ، في تفسير البقرة (83 و253)
ومن تعارض وتنوع أقوال المفسرين ، نرى ان تفسير روح القدس في تأييد المسيح ، بجبريل هو من باب المشاكلة ، لا من باب المطابقة بين محمد والمسيح ؛ والتعبير الفارق صريح : فنعد محمد تنزيل ، وفي المسيح تأييد مطلق .
وتفسير روح القدس بجبريل هو قول من ثلاثة : والقولان الآخران هما الصحيحان : أما الاسم الأعظم الذي كان به عيسى يحيي الموتى ؛ وأما الروح العلوية النورانية التي نفخها الله تعالى في عيسى ( وأبانه بها على غيره ) كما يقول ابي مسلم والرازي . وفي كلا القولين نرى في القران صدى لمقالة الإنجيل في الروح القدس ، الذات القائمة في الله مع كلمة الله ؛ وفي عيسى كلمة الله ، (روح منه ) النساء 170) نفخها الله منه في عيسى ، فأبانه على غيره من المخلوقين والمرسلين ؛ ففي عيسى ذات نورانية روحية غير ذاته البشرية : فهو عيسى ابن مريم وهو أيضا ( كلمة ألقاها إلى مريم (وروحا منه ) تعالى (النساء 170) .
بهذه الذات النورانية الروحانية ، المسماة ( كلمة الله ) ، التي نفخها الله في عيسى ، وأيده بها ، رفع الله عيسى ابن مريم فوق المخلوقين الى صلة خاصة به تعالى من دون العالمين والمرسلين أجمعين .