لقد رأينا بحسب القران -لا الحديث – لا شفيع في يوم الدين إلا الملائكة المقربين ، ضمن حدود وقيود.
فلا شفاعة في نص القران ، لرسول إلا المسيح ، فقد جاء (وجيها في الدنيا والآخرة ، ومن المقربين ) آل عمران 45.
واجمع المفسرون ان الوجاهة في الدنيا هي النبوة ، والوجاهة في الآخرة هي الشفاعة .
وبما ان القران جمع الوجاهة في الآخرة للمسيح مع الملائكة المقربين ، ففي ذلك دليل على شفاعته معهم في يوم الدين.
وفي استجواب الله له في يوم الدين ( المائدة120) يستنكر المسيح نسبة الناس الألوهية له ، ثم يستشفع بأدب جم بأمته التي تؤلهه . فهذا مشهد شفاعة المسيح في يوم الدين .
ظن بعضهم ان هذا الموقف موقف شهادة عليهم ، لا موقف شفاعة لهم لقوله : ( ان من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ) النساء 158.
ان القران يستعمل تعبير أهل الكتاب إما على الإطلاق ، وحينئذ يشمل اليهود والنصارى ، وإما على التخصيص ، كما يظهر من القرائن ، وحينئذ قد يعني اليهود ، او النصارى ، بحسب دلائل القران . وفي الآية (158) من سورة النساء جاء تعبير أهل الكتاب على العموم وهو يقصد به التخصيص . والفقرة كلها (النساء 149-161) حملة على اليهود لكفرهم بالمسيح وأمه ؛ ومنها كفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما، وادعائهم قتل المسيح ( النساء 155- 158) فاهل الكتاب الذين يكون المسيح عليهم شاهدا هم اليهود ، لا النصارى، لا الله ( جاعل الذين اتبعوك (النصارى) فوق الذين كفروا (اليهود) الى يوم القيامة ) آل عمران 55 ، هؤلاء النصارى الذين قالوا مع الحواريين في المسيح : ( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول (المسيح) فاكتبنا مع الشاهدين ) ال عمران 53؛ وقلوا في القران : (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول (المسيح) فاكتبنا مع الشاهدين … فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها، وذلك جزاء المحسنين ) المائدة 86-88.
فهذه شهادة المسيح في يوم الدين ليست على أمته ؛ بل هي شفاعة لهم لغلوهم في أمره .
فالمسيح هو الوجيه الأوحد في يوم الدين مع الملائكة المقربين .
تلك هي رسالة المسيح في القران .
سبع ميزات ترفع رسالة المسيح على الرسالات كلها ؛ فهو وحده ولده على الهدى والنبوة ؛ وهو وحده استجمع الوحي والتنزيل كله ؛ وهو وحده استجمع أنواع الرسالة كلها بالكلمة والقدوة والمعجزة ؛ وهو وحده في رسالته وشخصيته انفرد بتأييد روح القدس له ؛ وهو وحده رفعه الله اليه ؛ وهو وحده علم للساعة ؛ وهو وحده الوجيه الشفيع في يوم الدين دون الرسل أجمعين .
وهذه الميزات السبع دلائل وبراهين على سمو شخصية المسيح على المخلوقين اجمعين . فرسالته تتخطى الزمن ؛ فهي تسيطر على تاريخ البشرية والنبوة منذ اختيار الذرية المصطفاة على العالمين ، حتى قيام الساعة ويوم الدين .
وشخصية فيها ( كلمة الله ألقاها الى مريم وروح منه ) تعالى (النساء 170) يؤيده في ذاته وفي سيرته وفي رسالته (البقرة 87 و203) ، ويجعله وجه الدنيا والآخرة (ال عمران 45) هي شخصية أسمى من المخلوق ، وفي صله خاصة بالخالق.