اختلفت مذاهب العلماء في هذا الموضوع (قتل أحد بدل المسي)
وذكروا طرقا : الأول : قال كثير من المتكلمين ان اليهود لما قصدوا قتله رفعه الله تعالى الى السماء ، فخاف رؤساء اليهود من وقوع الفتنة من عوامهم فأخذوا إنسانا وقتلوه وصلبوه ولبسوا على الناس انه المسيح .
الثاني : انه تعالى ألقى شبهة على إنسان آخر ؛ ثم فيه وجوه: 1) دخل طيطاوس اليهودي بيتا كان المسيح فيه فلم يجده ، وألقى الله عليه شبهه ، فلما خرج ظن انه عيسى فأخذ وصلب . 2) وكلوا بعيسى رجل يحرسه ، فرفع عيسى الى السماء وألقى الله الشبهة على ذلك الرقيب فقتلوه ، وهو يقول : لست بعيسى! 3) تطوع أحد أصحابه فألقى الله شبه عيسى عليه فأخرج وقتل ، ورفع عيسى . 4) نافق أحد تابعيه ودلهم على عيسى ليقتلوه ، فلما دخل مع اليهود لأخذه ، القى الله شبهه عليه فقتل وصلب . –وهذه الوجوه متعارضة متدافعة ، والله اعلم بحقيقة الأمور. راجع تفسير الرازي .
أسطورة الشبه الرازي يفندها تفنيدا محكما في ال عمران 55. فكيفما كان ، ففي اللقاء شبهه على الغير اشكالات :
الأشكال الأول : انه ان جاز ان يقال ان الله تعالى يلقي شبهة إنسان على إنسان آخر ، فهذا يفتح باب السفسطة ، وأيضا يفضي إلى القدح في التواتر : ففتح هذا الباب أوله سفسطة ، وآخره ابطال النبوءات بالكلية .
الاشكال الثاني : ان الله أيده بالروح القدس ،جبريل ، فهل عجز هنا عن تأييده ؟ وهو كان قادرا على احياء الموتى ، فهل عجز عن حماية نفسه.
الاشكال الثالث : انه تعالى كان قادرا على تخليصه برفعه إلى السماء ، فما الفائدة بإلقاء شبهه على غيره ؟ وهل فيه الا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة اليه ؟
الاشكال الرابع : بالقاء الشبه على غيره اعتقدوا (اليهود) ان هذا الغير هو عيسى ، مع انهما كان عيسى : فهذا كان إلقاء لهم في الجهل والتلبيس ، وهذا لا يليق بحكمة الله
الاشكال الخامس : ان النصارى (واليهود) على كثرتهم في مشارق الارض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح وعلوهم في أمره ( او شدة بغض اليهود له ) شاهدوه مقتولا مصلوبا : فلو أنكرنا ذلك ، كان طعنا فيما ثبت بالتواتر ، والطعن بالتواتر يوجب الطعن في نبوة محمد وعيسى وسائر الأنبياء .
الاشكال السادس : الا يقدر المشبوه به ان يدافع عن نفسه انه ليس
بعيسى –؟ والمتواتر انه فعل . ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلف هذا المعنى .
فلما لم يوجد شيء من ذلك علمنا ان الامر ليس على ما ذكرتم...
( وبالجملة فالأسئلة التي ذكروها أمور تتطرق الاحتمالات إليها من بعض الوجوه ).
ويختار الرازي مقالة الإشاعة الكاذبة التي انطلقت على الناس . فهو يرد ردا مبرما قصة الشبه.
وآن للقوم ان يتخلصوا من هذه الخرافة التي ينقضها العقل ، ولا تستند إلى النقل ، فلا يعني قوله : (شبه لهم ) قصة الشبه ، بل (خيل إليهم ) كما يقول اصح العارفين في لغة القران ، الزمخشري . فان فلسفة القران، وعلم الكلام ، والتفسير الصحيح تنقض نقضا مبرما تلك الأسطورة السخيفة .