ينكر القران اشد الإنكار تعدد الآلهة بناءً على شهادة الأنبياء المتعاقبين : وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ. الزخرف 45 ، ومنطق العقل البديهي : (قل لو ان في السماء والأرض الهين لفسدتا) أنبياء.
ويشهد للتوحيد الخالص في كل صفحاته : شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ - قَائِمًا بِالْقِسْطِ - لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . ال عمران 18.
ينفي القران الولادة في الله ، ولا يقدر ان يتحمل تأليه أحد مع الله، بولادة او بسواها : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ). الإخلاص 1-4.
لا تناسل فيه ، ولا مثله أحد يتخذه ولدا ، فوحدانيته لا يشارك فيها أحد.
وينكر اشد الإنكار بنوة أي مخلوق من الله : وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ :
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. البقرة 117.
لا يمكن للإله ان يكون مخلوقا ولا يمكن للمخلوق ان يصير آلهاً، بالبنوة او بالتبني : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا - ! لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا : وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا 88 –93 .
ينكر حتى البنوة المعنوية التي يدعيها اليهود والنصارى لنفسهم من الله : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ !- قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ). المائدة 18.
وينكر هذه البنوة المعنوية حتى في الأنبياء والملائكة : ( وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . ال عمران 80.
لأنها تقود إلى لشرك : ( وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا … وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) الزخرف 15-19.
حتى عيسى ابن مريم ، رسول الله وكلمته وروحه ، لا يمكن لله ان يتخذه ولدا او يصيره آلها ، لان لان كل مخلوق عبد لله بطبيعته .
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ )
النساء 172.
فبتأليه عيسى (ضاهى) النصارى قول الذين كفروا من قبل من المشركين : ( وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . التوبة 30 .
واما الأسباب التي دعت إلى هذا التكفير والنكران فتنحصر في نظريتين :
1) النظرية الأولى ان كل بنوة او ولادة تنسب إلى الله لا يمكن ان تكون إلا بنوة جسدية تناسلية : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ) . الأنعام 101.
لا يفهم القران البنوة والولادة ، ايا كانت إلا بزوجة وزواج .
فكل بنوة عنده هي مخلوقة بشرية جسدية تناسلية .
فهو يجهل البوة المعنوية او ما يسمى التبني الالهي .
وهو يجهل أيضا مفهوم الولادة المجردة ، لان الولادة بحد ذاتها هي انحدار حي من حيٍ انحدارا ينتج عنه ، بفعله الذاتي ، مشابهة تامة في الطبيعة .
وهذا انحدار قد يكون جسديا كما في الإنسان ، وقد يكون عقليا كالذي يسنده الإنجيل إلى لمسيح.
2) والنظرية الثانية ، المنبثقة عن الأولى ، هي امتناع الصاحبة والولد عند الله لأنه (اتخاذ) لا تناسب فيه ولا تكافؤ في طبيعة الآخذ والمأخوذ : (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) . الجن 3 . تنه جلاله وعظمته عما نسب إليه من الزوجة والولد (الجلالان) .
لذلك ينتفي تأليه المسيح او غيره لأنه (اتخاذ) : (وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ) . ال عمران 80 ،
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ) التوبة 31.
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ: ما كان الله أن يتخذ من ولد ، سبحانه ) مريم 34.
ويساوي القران بين تأليه المسيح وتأليه آلهة العرب : كلاهما اتخاذ وضم (جزء) خارج عن الله إليه تعالى ! ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ) . الأنعام 100-102، (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . البقرة 117 ، نزلت لما قال اليهود (عزير ابن الله) والنصارى (المسيح ابن الله) ومشركو العرب (الملائكة بنات الله) البيضاوي .
وفسروا فلسفة استحالة الاتخاذ ، استنادا إلى قوله (بقرة 117 وانعام 101؛ وفي الآية استدلال على نفي الولد من وجوه :
1) ان من مبدعاته السماوات والارضون وهي مع أنها من جنس ما يوصف بالولادة مبراة عنها لاستمرارها وطول مدتها فهو أولى بان يتعالى عنها .
2) ان المعقول من الولد ما يتوالد من ذكر وأنثى متجانسين والله تعالى منزه عن المجانسة .
3) ان الولد كفؤ الوالد ، ولا كفؤ له بوجهين : ان كل ما عداه مخلوق فلا يكافئه ، وانه لذاته عالم بكل المعلومات ولا كذلك غيره . بالإجماع) البيضاوي .
فهم أيضا لم ترق احلامهم إلى ما فوق الولادة الجسدية الجنسية التناسلية.
وفسر القران استحالة التأليه ، والاتخاذ آلها مما خلق بقوله : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ . الزخرف 15 .
فالاتخاذ والتأليه يضم إلى الله (جزء) خارجا عنه … وهكذا تفهم حملة القران العنيفة الصاخبة على فكرة البنوة والولادة المنسوبة إلى الله .
ولكن ليس من (مضاهاة) بين بنوة عيسى من الله ، وبنوة عزير عند اليهود ، وبنوة آلهة العرب المشركين : فبنوة آلهة العرب تناسلية : وقد فهم القران ( قومه)على حقيقتهم . فلا بدع ان ينتفض القران لهذه الفكرة السمجة تنسب إلى الله : (مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) . الجن 3 .
(وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّأَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ) مريم 88-91.
وبنوة عزير عند اليهود معنوية قد تجرهم إلى مشاكلة المشركين (فيضاهئون) بقولهم قول الذين كفروا من قبلهم . توبة 30.
ولكن بنوة عيسى في الانجيل ليست تناسلية ، وليست معنوية . بل هي بنوة روحية محضة من ولادة عقلية محضة :
للمسيح في الإنجيل اسمان : اسم شعبي تفهمه الجماهير : ابن الله وابن الإنسان ؛ واسم علمي فلسفي لاهوتي أوحى به الله في مطلع إنجيل يوحنا بين طبيعة هذه البنوة : انه كلمة الله : ( في البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله ، وكان الكلمة الله : به كان كل شيء وفيه كانت الحياة ) يوحنا 1: 1-4.
وهذا الاسم يشرح معنى بنوة المسيح من الله وفي الله : بما انه كلمة الله فبنوته فكرية عقلية ، لا علاقة لأي جسد فيها ، بل هي قبل كل جسد .
وبما ان الله روح محض ، وفكره وكلمته روح محض ، فالولادة روحية من جوهر الله وفيه ، لا يشاركه فيها أحد .
وهكذا يسمي الإنجيل التفاعل الجوهري الإلهي (ولادة) والتسلسل العقلي الإلهي (بنوة) بلغة بشرية يفهمها جميع الناس:
فكلمة اللههو ابن الله ، وابن الله هو كلمة الله . ولا علاقة لمريم او لمخلوق بهذا التفاعل والتسلسل الإلهيين .
وليس في هذا (اتخاذ) بضم جزء من خارج الله إلى الله ، او تأليه برفع مخلوق إلى منزلة الخالق وطبيعته ، او تناسل جسدي باستيلاد الله عيسى من مريم فالله لا جسد له ! بل جل ما في ذات الله من سر الحياة السرمدية والوجود الفياض ، انه في الجوهر الإلهي الفرد تفاعل روحي وتسلسل عقلي في الله ومنه، ومعه : فكلمة الله هو فكر الله الناتج عن عقل الله في جوهره الروحي نتوج الابن عن ابيه ، ولذلك يجوز بكل حق ان نسمي الله (أباً) وفكره الجوهري (ابنا) .
واذن فالألوهية التي ينفيها القران عن المسيح ليست بالألوهية التي يثبتها الإنجيل له . والبنوة التي يسندها الإنجيل إلى المسيح ليست كالتي ينفيها القران عنه .
ان بنوة عيسى في القران تناسلية جسدية ،كأن الله اتخذ مريم صاحبة واستولدها عيسى : ( ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ )مريم 34.
والقران على حق حين يسمي مثل هذه الولادة السمجة منسوبة إلى الله ، افكا : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . مائدة 75.
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . المائدة 17.
والقران على حق حين يسمي بنوة كهذه كفرا : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ) مائدة 17.
ان إلهية عيسى التي ينكرها القران تستند إلى هذه البنوة الجسدية والولادة التناسلية ، ومن ثم فلا بدع ان يثور ويصيح : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) كأن الإنسان ابن مريم قد صار الله !! او كأن الله استحال عيسى ابن مريم !!
لذلك ينزه القران المسيح ادعاء تأليه كهذا : (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ) . ال عمران 79.
فحسب المسيح فخرا ان يكون عبدا لله : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) النساء 172 .
وقصارى القول ليست ألوهية المسيح كتاليه المشركين لآلهتهم.
وليست بنوة المسيح العقلية الروحية في الله كبنوة وولادة الآلهة المتأهلين من الله .
هذه غارقة في اللحم والدم ، والجسد والصاحبة ، في دنيا المحسوسات ، وتلك ضمن الجوهر الإلهي الفرد ، الروح المحض ، في عالم الأزل قبل الزمان والمكان ، وقبل المحسوسات والمعقولات والأجساد والأرواح : في البدء كان الكلمة ! والكلمة كان لدى الله ! وكان الكلمة الله) يوحنا 1:1.
وهكذا فليست البنوة الروحية التي ينسبها الإنجيل إلى المسيح مثل البنوة الجسدية التي ينفيها القران عنه .
وليست الإلهية التي يثبتها الإنجيل للمسيح ، روح الله وكلمة الله، مثل التأليه الذي يستنكره القران فيه ، ولا هي (الاتخاذ) الذي يضم إلى الله (جزء) ليس منه .
حاول وفد نجران إلى النبي الجديد ! ، بعد ان انسوا منه اعترافه بنبوة عيسى ، على الإقرار ببنوته أيضا ، واتخذوا من ولادته البشرية المعجزة من مريم بلا اب دليلا على ولادته الإلهية من الله دون ام او علاقة مخلوق . فأجابهمولادته المعجزة من مريم بلا اب ليست اغرب من خلقادم بلا اب وام معا : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ….إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ) ال عمران 59-63.
وأردف يقول : هذا المعجز الحقيقي في ميلاد المسيح لا يرفعه إلى رتبة الألوهية لأن الصدور عن الله لا يكون إلا بخلق ، ويستحيل على مخلوق ان يتخذه الله آلها من دونه : ( ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )
مريم 34-35.
السؤال قاصر ، الجواب قاصر ، ولا غرابة في ذلك : فالبيئة لا تحتمل اكثر !
خلطوا بين البنوة بالصدور والبنوة بالاتخاذ ، وهذه مستحيلة اذ كيف يمكن ان يصير آلها من هو بشر ياكل الطعام كالحيوان ! (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ) . مائدة 75.
وشابه قوم من نصارى العرب حال مريم بحال ابنها فألهوها ، فاستفظع ذلك منهم ، ووصل الاستغراب إلى الله عز وجل فاستجوب عيسى عن ذلك : ( اذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله ؟ قال : سبحانك ! ما يكون لي ان أقول ما ليس بحق ! ) مائدة 116
فالقضية في القران هي دائما قصة (اتخاذ) و (تأليه) ، دون تمييز بين حال وحال .
وليس تأليه عيسى – وأمه – منه بل من بعض اتباعه كما يظهر من جواب المسيح لله في يوم الدين ، وهو (غلو) من قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا . لذلك يعتقد القران اعتقا النصارى في الوهية المسيح (غلوا) منهم في دينهم لا غير ويردعهم عنه : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ) . نساء 171؛ فلا تتبعوا أهواء من سبقكم : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ) مائدة 77.
لذلك يدعوهم إلى التوحيد الخالص : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ). ال عمران 64.
ذلك هو اعتقاد القران في ألوهية عيسى كما فهمها بعض نصارى العرب الجهال : وهو بعيدا كل البعد عن تعاليم الإنجيل وايمان النصارى : فليست ألوهية عيسى تأليها ولا اتخاذا ! هذا مستحيل !
وليست بنوته العقلية الروحية في جوهر الله الفرد بنوة مخلوقة بشرية جسدية جنسية تناسلية : كل بنوة من هذا النوع منسوبة إلى الله افك وشرك وكفر ! .
كأن الله اتخذ مريم الآهة صاحبة استولدها عيسى آلها من دون اله ! ان مجرد فكر كهذا لكفرا محض ، ! كفر لا يقول به إلا من أوغل في الهمجية ، وما قدر الله حق قدرة ! ينزل الخالق منزلة المخلوق ! وينسب اللاهوت لغير الله ! يا قوم إلا رحمة بعقولكم وعقولنا ! ألا أنصافا لكتابكم وكتابنا ! نحن اعقل من هذا ! وانتم اعدل من هذا !
اجل لقد كفر الذين جعلوا الملائكة والنبيين أربابا من دون الله!
اجل لقد كفر الذين اتخذوا الأحبار والرهبان أربابا من دون الله!.
اجل لقد كفر الذين قالوا : عزير ابن الله ! .
اجل لقد كفر الذين قالوا : ام المسيح الاهة من دون الله او مع الله !.
اجل لقد كفر الذين قالوا : ان الله هو المسيح ابن مريم فجعلوا المسيح آلها آخر دون الله ! .
اجل لقد كفر الذين قالوا: ان الله ثالث ثلاثة . أي ثلاثة آلهة .
اجل، اجل لقد كفروا : فالذات الإلهية واحدة ، والجوهر الإلهي فرد أحد ! ليست بنوة(كلمة الله) منه تعالى جسدية ، ولا معنوية ، ولا اتخاذا ، ولا تبنيا ، ولا تأليها،حتى ولا إلهية بمعنى أنها غريبة عن جوهر الله الفرد ، ومن خارج الذات الإلهية الواحدة.
فالمسيح (روح الله) ، وبنوته روحية في الله ذاته .
والمسيح (كلمة الله) ، وبنوته عقلية .
وهكذا فالخلاف على ألوهية المسيح بين الأناجيل والقران خلاف ظاهري وليس بينهما خلاف جوهري : ليست ألوهية عيسى ابن مريم – تلك الألوهية الكاذبة التي حاربها القران عند بعض نصارى العرب الجاهلين – بألوهية المسيح الحقة التي يعلمها الإنجيل . واعتقد كل الاعتقاد انه لو وصل تعليم الإنجيل إلى محمد سالما لاعتنقه ودان به "
قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ . زخرف 81.