الحياة تدب فينا منذ ولدنا، وتسرقنا أحداثها. فنصحو يوماً لنجد أنفسنا نستنشق الهواء بشق النفس، نتحرك وسط الناس وكأن أرجلنا مكبلة، نقترف الأخطاء والخطايا ونكره أنفسنا. لكننا نتستر عما في داخلنا من ضعف! توجعنا ضمائرنا، ويثقل قلبنا بالمشكلات فنحاول أن نتكلم. تخوننا الكلمات، فنحن لا نعلم من أين نبدأ، فنلوذ بالصمت. وعندما نفقد قدرتنا على الفهم نقنع أنفسنا أن هذا هو حال كل الناس. فاقدي الاتصال بأرواحهم، فاقدي السيطرة على حياتهم. فنستكن إلى الاستسلام لتمضي حياتنا بسلام! ولكن أي سلام؟!
ويتسرب داخلنا برودة شبيهة ببرودة الموت، لكننا لا نميزها ولا نشعر بها. فهى تتسلل لمشاعرنا في الظلام لنفقد حبنا لأنفسنا ولأعز ما لدينا. لكن سلامنا المزعوم يعمينا عن ما تخلفه من دمار. فنمضي في علاقاتنا العاطفية وأعمالنا الخارجية حتى نصطدم بهشاشة أنفسنا وعدم قدرتنا على تحمل ما تجود به حياتنا من تحديات. لكن أصوات الماضي تسكننا فتقول لنا أن هذا هو الحال، لا من مناص، فهذه هى الحياة! فنختار السلامة لتعبر الحياة في سلام!
لكن منا من يستجمع شجاعته ويسأل هل ما أراه في حياتي وعلاقاتي وانجازاتي تعبير صادق عما أريده وتصبو إليه نفسي؟ لماذا أنا منحني النفس وضعيف؟ هل هذا حقاً ما كتب على أن أحياه؟ هل هناك اختيار آخر؟ ألست أريد أن أكون خفيفاً يملأني الطموح والأمل؟ أسعد بمن أحب وأسعدهم؟ اتواصل مع نفسي ومشاعري وأعبر عن ذاتي وضعفاتي؟ اتحرر من خوفي وأغير حياتي؟
عندما يواجه الانسان حقيقة حياته وحقيقة ما يبتغيه، يبتلعه خوف لا يوصف. فاعتناقه لفكرة التغيير تعني اعترافه بالفشل! فشل دفاعاته السابقة و ما عود نفسه عليه من أساليب حماية. فمنذ نعومة أظافرنا تلونـَّا حسب ما واجهناه من مصاعب. فاستخدمنا الإنكار تارة والغضب تارة أخرى. الثورة أو الاستسلام. إدمان النجاح أو الانسحاب والاكتئاب. التعلق الشديد بالناس والعلاقات العاطفية المتعددة أو الإنعزالية وفقد الثقة في الحب. ادمانات مختلفة أو أي شئ يعيننا على قبول حياتنا لنموت بهدوء.
هل سنقبل أن نستمر في فشلنا؟ أنماط حياتنا المختلفة ما هي إلا وسائل مسكنة لآعراض مرضنا. بعضها انقلب علينا وصار مرضاً جديداً في شخصياتنا. لكننا نعرفها. تعودنا على دوائنا وتعايشنا مع مرضنا ونستطيع أن نستمر هكذا حتى نلقى ربنا!
أم حان وقت التغيير!! وكل تغيير مخيف!! يهدم السلامة لكنه يبني المجهول الذي يعد بالحياة. يعد باستعادة حرارة المشاعر والقدرة على الكلام. يعد باحترام الذات ومواجهة الضعفات. يعد أن نسأل من أخطأنا في حقهم الغفران ونطلب حقنا ممن أساءوا إلينا: هل نستمر في موتنا بسلام؟ أم نواجه الحياة ونختار التغيير؟ وكل تغيير يصاحبه الألم! هل نموت بسلام أم نحيا بألم؟
كتب الدكتور يحي الرخاوي في كتابه "أغوار النفس" في قصيدة بعنوان "دراكيولا" على لسان من قررت الخروج من الحياة الميتة (مثل حياة دراكيولا وعشيقاته) إلى الحياة الحقيقية المُتعِبة من خلال حضور مجموعة علاجية. تقول هذه المُغامِرةَ للمجموعة:
إنما باظت منِّي اللعبة.
ولا كنت أعرف....
ولا كنت أعرف إن الناس الحلوة كتار
ولا كنت أعرف إن صْباع الرجل الحَيّ
أقوى كتير من مليون ميت