الكاتب: دعوة للجميع
اعتادت بعض الأسر أن تجعل من فترة تناول العشاء أو الغداء.. حفل سمر.. يشترك فيه جميع أفراد الأسرة..
فلماذا تُغفل هذه الفرصة التي من الممكن أن تتيح لجميع أفراد الأسرة المشاركة معاً، ويتحدث كل فرد من أفرادها عن أحداث يومه.. ويكون هناك حوار وتواصل بين أفراد هذه الأسرة..
لأنه إن لم يبدأ الطفل تعلم لغة الحوار داخل البيت، لن يتعلم كيف ومتى يتكلم، وكيف يستمع للآخر.. وهكذا.
فالبذرة الأولى لتعلم لغة الحوار الصحيح، تبدأ من البيت منذ نعومة أظفار طفلك..
والطفل الرضيع في حوار دائم مع أمه، ومع من حوله، دون أن يتكلم، ولكنه يعبر عن نفسه من خلال صراخه، ودموعه، أو نظراته وضحكاته. ونحن لا نبادله هذا الحوار على اعتبار أنه لا يعي .. وأنه يطلق أصوات أو نظرات فقط..
حاور طفلك مهما كان عمره!
من المهم أن تحاور طفلك الرضيع هذا.. كيف؟
أن تتحدث معه في كل فرصة، حينما تضع الأم رضيعها في سريره، أو في أثناء أخذ استحمامه.. يمكن للأم والأب أن يتكلما مع الطفل ويحكيا له قصة.. فالأصوات التي يصدرها الطفل قبل بلوغه ستة أشهر، هي نفسها الأصوات التي تصدر عن كل الأطفال بكل اللغات..
فالأطفال يحـتفظون بالصوت الذي يسمعونه، ثم يعيدونه، ولذلك فإنه حتى في الفترة الأولى من عمر الرضيع، يحتاج أن تحاوره..
ثم بعد ذلك يمكنك أن تقرأ له قصة صغيرة، وفي أثناء تعلمه المشي تحاوره في كلمات قليلة..
ومن عمر سنتين يمكنك قراءة كتاب يتعلم منه قصة، أو موضوع، واجعله يكرر بعدك ما سمعه منك.
من عمر ثلاث سنوات يمكنك أن تشرك طفلك في عمل صغير، وتتحدث معه عن هذا العمل، ثم اجعله يقول لك رأيه فيما يفعله..
وكلما تقدم في العمر حاوره أكثر.. وعلمه أن الحوار هو تبادل للرأي، وهــو مقــارنة بين رأي ورأي آخر. والحوار هو حديث بينك وبينه.. وإنه من الممكن أن تتفقا سوياً على هذا الرأي، أو أن تختلفا، وليس من الضروري أن الاختلاف في رأيكما يكون خلافاً أو خطأ.. وعليه قبول الاختلاف في الرأي بسلاسة. وعَلّمه أيضاً أنه حينما يختلف مع الرأي الآخر، فليس معنى ذلك أن يقاطعه أو يرفض التعامل معه.. وعليه أن يفصل بين الموضوع والشخص.. وكل هذه الأمور عليك بتوصيلها لابنك بأمثلة ومواقف وليس بكلمات فقط ..
كيف تتحدث وتتحاور مع طفلك؟
- دع عينيك في عيني طفلك: دع أطفالك يعلمون أنهم يستحوذون على انتباهك، وأنت تتحدث معهم.. وعندما تبدأ حديثك معهم، اترك كل ما تفعله، وتحدث معهم ناظراً إليهم في عيونهم..
- استمع جيداً: لا تستمع إلى الكلمات فقط، ولكن إلى المعنى المختبئ خلف الكلمات.. واستمع إلى نغمة أصواتهم، وتعبيرات وجوههم، لأن لكل منها مغزى.
- اسألهم أسئلة تعبر عن اهتمامك بهم: بمعنى أن تفكر في أسئلة تساعد طفلك على أن يتحدث إليك، كأن تسأله عن أحداث يومه، وما تعرض له مــن أحــداث سعيدة، أو غير سعيدة، وعن علاقاته مع الآخرين. وحاوره في كل ما يقوله..
- أعد على طــفلك ما سمــعته منه: للــتأكيد له أنك سمعته جيداً، وإشعاره بأنك فهمته جيداً..
- لا تنهر طفلك حينما يخطئ: وبخاصة أمام الحاضرين، لأن ذلك سيجعله يشعر بالخجل والذنب، ويخاف أن يدلي برأيه مرة أخرى لئلا يخطئ.
لكن يمكنك أن تحاوره في مكان بعيد عن الموجودين، وتشرح له وجهة نظرك، وفي الوقت نفسه استمع له، وللأسباب التي جعلته أن يخطئ سواء بالكلمات، أو بالتصرف أو بالتعمد لإتلاف شيء ما.
- شجعه أن يقول رأيه: في بعض الأمور التي تخص الأسرة، فمثلاً خذ رأيــه، ما هــو المكــان الــذي يــفضل الذهاب إليه، إذا كنتم على وشك سفر أو رحلة للاستجمام، أو التنزه في مكان ما.. وإذا قرر شيئاً لا يناسب ظروف الأسرة تُشرح له الأسباب.
- اجعله يختار: فعند الخروج مثلاً، اطلب من طفلك أن يختار ما يريد ارتــداؤه، وإذا اخــتار بنطالاً لا يتناسب لونه مع القميص مثلاً.. فاحضر له ما يناسب البنطال ووضح له أن هذا اللون لا يتناسب معه، بل أن ذاك هو الأنسب.. فهنا يتعلم الطفل أن يختار، وكيفية الاختيار، وتربية الذوق لديه.
- وعند شراء لعبة ما : إذا طلب لعبة أكبر من سنه، فيمكنك في حوار بسيط أن تشرح له أن هذه اللعبة لا تناسب عمره الآن، أو لا تناسب الميزانية الموضوعة لشراء هذه اللعبة.
- في الأمــاكن الــعامــة: إذا ذهــبتم إلى مــكان عــام، مثــل المتاحف، أو المسارح أو السينما، أو حتى جلستم في حديقة عامة أو ما شابه، حاور طفلك فيما رآه وناقشه واشرح له، وأعطه بعض المعلومات التي تناسب سنه عن هــذا المتــحف، أو هذا المكان.. وتأكد أن ما أعطيته من معلومات، ستُختزن داخل ذهنه، وسوف يسترجعها حينما يحتاجها، حتى ولو بعد سنوات عديدة.. وكل هذه المعلومات تُزيد رصيده من الكلمات والمعاني التي تجعله يستطيع أن يتحاور، ويناقش فيما بعد..
وعليك أن تعرف أن حوارك الناجح مع طفلك هو أن تنقل له بوضوح ودقة ما تقصده.. فيتعلم منك ذلك.
وعلى الطفــل أن يعرف ويتعلم منــك أن الحــوار احــتياج إنساني، وأنه يحتاج دائماً إلى أن يقدم التقدير والتشجيع والاحترام لمن حوله، حتى يحصل عليه هو أيضاً.. وفي الحوار يستطيع الإنسان أن يؤكد ذاته لنفسه وللآخرين، وأن يكتسب حبهم واحترامهم، وأن يشعر بدفء الحياة..