الكاتب: دعوة للجميع
أكدت دراسة أمريكية حديثة أن لغة الزهور هي لغة العشاق الأولى للتعبير عن الحب؛ فهي رسالة حب تجمع بين المحبين تشيع بينهم البهجة والسعادة والرضا بالنفس.
وقد أجمع علماء النفس في دول العالم علي أن الزهور هي لغة الأمل والتفاؤل, فإذا فقدت القدرة علي الحب وأردت أن تحركي مشاعرك فعليك بزهرة الياسمين, أما إذا فقدت القدرة علي السعادة وأردت أن تخرج من حالة الاكتئاب التي تسيطر عليك فاستنشقي في الحال زهور النرجس، وإذا فقدت القدرة علي الهدوء وأردت إعادة الاسترخاء لأعصابك فعليك بزهور البنفسج، أما إذا فقدت القدرة علي ممارسة حياتك بصورة طبيعية فاذهبي مسرعة إلي أقرب محل للزهور وستخرجين بعد قليل بمشاعر متجددة وأحاسيس مختلفة, فالمكونات الكثيرة لرائحة الزهور لها تأثيرات كيميائية سريعة علي المخ .
فأن للغة الزهور أيضا دورا كبيرا في موضوع الارتباط والزواج في كثير من بلدان العالم. ففي جزر هاواي إذا أرادت الفتاة أن تعلن عن رغبتها في الارتباط فإنها تضع زهرة علي أذنها اليمني أما المرأة المتزوجة بالفعل فتضع زهرة علي كلتا أذنيها, وفي المجر تتخذ الورود طريقها للتفاهم والتخاطب إذا بها تعبر الفتاة عن رأيها في شريك حياتها فإذا قبلت باقته كان ذلك إعلان للقبول أيضا أن لكل لون من ألوان الزهور معني.. فاللون الأخضر يعبر عن الأمل والرجاء, والأحمر يعبر عن حب قوي دفين, والأبيض دليل الطهارة والصفاء والأزرق دليل الوفاء ونقاء القلب أما باقة الزهور المختلفة فهي تدل علي شهامة الحبيب.
و نجد أن الحب انتقل من التعبير بالنظرة والابتسامة والكلمة إلي التعبير بالزهرة والثمرة والنبات, فهذه الزهور صارت بمنزلة معاني الحب وأحواله ودرجاته.. بل يمكن إدراك نمو العلاقات العاطفية وانتكاستها أو ما يسمي في لغة العشق بالهجر من خلال حوار العاشقين بلغة الزهور.
و إذا كانت بعض الكتب ودواوين الشعر العربية قد أوردت نتفًا قليلة، وأشعارًا متناثرة تنطوي على ملامح لعشاق في مجال الزهر والنبات، فإن جهدًا كبيرًا نهض به نسيب المشعلاني، ويُعدُّ علامة بارزة في ميدان لغة الزهور، إذا وضع معجمًا جمع فيه ملامح مئات الزهور والنباتات، ورتبه على حروف الهجاء، ودعاه: "مخابرات الحب السرية ورسائل المملكة النباتية" ونشره عام 1897 في بيروت، هو كتاب في لغة الأزهار جمعه وذكر أوله كلامًا عامًّا في الزهور ومعانيها ورمزه أن والسر في دلالتها على ما يدلون عليه بها ثم جاء بأسماء الأزهار مرتبة على الأبجدية ولا يقل عددها عن 1300 زهرة وبإزاء كل منها المعنى المراد بها، ولا يقتصر ذلك على الأزهار بل يتناول الثمار وسائر أصناف النبات. ومن أمثلة ذلك دلالة الفل على اللطف والفستق على حفظ السر أي أنك إذا قدمت فستقًا إلى أحد فكأنك تقوله له: "أنا أحفظ السر" وكدلالة القرنفل على الجسارة، والقمح على الغنى، وزهر اللوز على الرجاء، والورد على المحبة، والهليون على التعزية وقت الضيق، والنارنج على الجمال مع رداءه الأصل، فإذا قدمت نارنجة إلى أحد فكأنك تقول له أنت طيب..وقس على ذلك. وقدم له بدراسة تناولت عددًا من الأزهار مع إيضاح أسباب تسميتها، وذكر ما دار حولها من أساطير وحكايات، وحلاه بشعر رقيق يدور حول الحب والزهور.
وتشعر من خلال هذا المعجم أن الحب انتقل من التعبير بالنظرة والابتسامة والكلمة إلى التعبير بالزهرة والثمرة والنبات فهذه الزهور صارت بمنزله معاني الحب وأحواله ودرجاته. بل يمكن إدراك نمو العلاقات العاطفية وانتكاستها، أو ما يسمى في لغة العشق بالهجر و السلو، من خلال حوار العاشقين بلغة الزهور.
ومن مزايا هذا المعجم الفريد إظهار المعاني بكلام قليل، فقد يكون المعنى كلمة واحدة، أو كلمتين مترادفتين، أو جملة قصيرة مفيدة. وهذا المعنى المكون من كلمة أو أكثر، له إيحاء ووقع في العواطف، وقدرة على تحريك المشاعر، وما أود قوله أن مدلول زهرة ينبه نفس القارئ إلى ذكرى، حتى وإن لم يكن قد أهدى إلى من أحب زهرة من نفس النوع.
بل إنَّ هناك فارقًا في دلالات الزهور والثمار في تراث الحب العربي والتراث الأوربي أو التراث الذي نقل عنه المشعلاني، فالسوسن عن العرب دلالته السوء. وفيه يقول شاعر:
يا ذا الذي أهدى لنا سوسنا ما كنت في إهدائه محسنا
أوله سوء، فقد ساءني يا ليت أني لم أر السوسنا
أما عند الإفرنج فإنه يعني الحوار والوصال، فإذا أرسل محب لمحبوبه سوسنا فإنه يعني أن يحرر له رسالة. ويتطير العشاق العرب من زهر الياسين لأن في اسمه يأس، يقول شاعر:
أهدي حبيبي ياسمينا فبي من شره الطيرة وسواس
أراد أن يؤنس من وصله إذا كان في شطر اسمه الياس
أما عند من نقل عنهم المشعلاني فيدل الياسمين على اللطف والأنس، والرمان عند العرب ينبئ بقرب الوصال واللقاء.
وعن اللوز قال الشاعر:
ومهد إلينا لوزة قد تضمنت لمبصرها قلبين فيهما تلاصقا
كأنهما حبان فازا بخلوة على رقبة في مجلس فتعانقا
والأشعار الأخرى الواردة في كتاب المشعلاني تشكل حديقة ساحرة، تتماوج فيها الزهور المختلفة الألوان والأوصاف، وبين هذه الأزهار أودع المحبون المتيمون أسرارهم.
أحوال وأمزجة:
ويدخل في معاني الزهر والثمر والنبات أحوال العشاق النفسية وأمزجتهم الشخصية فإننا نراهم يتطيرون من زهور وثمار، ويتفاءلون بغيرها دون سبب حقيقي أو سند واقعي يبرر قولهم أو فعلهم.
والعاشق بطبعه متطير يتوقع الفرقة والبين، متوتر كثير التوجس والتوهم، لا يأمن الحاضر، ويخشى المستقبل، وكل هذا له تأثير في اختياره للزهور أو النباتات التي تعبر عن أحواله وتحمل إلى معشوقه أسراره.
ولأحمد أمين مقالة عن "لغة الأزهار والثمار" ذكر فيها انه كان للظرفاء والمحبين المتيمين لغة متعارفة تدل على الهجرة والوصل والتفاؤل والتشاؤم، وبين أنهم كرهوا التهادي بالسفرجل لأنه أوله سفر قال الشاعر:
منه وظل متيما مستعبرا أهدت إليه سفر جلا فتطير
سفر فحق له بأن يتطيرا خاف الفراق لأن أول اسمه
وكرهوا التهادي بالذهب حتى لا يعتري العشق ذهاب وكرهوا التهادي بالسوسن لأن أول اسمه سوء، والياسمين لأن أول اسمه يأس، والخلاف لدلالته على الخلاف، والبان لدلالته على البين وهكذا..
ويتفاءلون بالتهادي بالعود لأن في اسمه معنى العودة وبالنبق كما قال الشاعر:
ومن فات الورى سبقا أيا أحسننا خلقا
فأهديت لنا النبقا تفاؤلت بأن نبقى
ما سرك أن تبقى فأبقاك إله الناس
ولكن هذا لا ينهض على قاعدة منطقية، ولا يقنع العقل اليقظ، ولا يقاوم أمواج الحياة المتضاربة، فقد يقع البين بالرغم من إهداء النبق، ويهجر الحبيب بعد تقديم "العود" لمن يحب.
وهذه المناقشة المنطقية لا تحول دون استخدام العشاق لسيمهم أو تحد من تفاؤلهم، وكل ما يمكن قوله إن المزاج الشخصي تدخل في صياغة السم العاطفي.
جولة في العالم:
وعن لغة الورود يقول الدكتور "صلاح زرد" أستاذ النباتات بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة:
هناك دور تلعبه الأزهار في موضوعات الخطبة والزواج ،فقد جاء في كتاب منزل وحديقة أفضل للكاتب الأمريكي د. ميلتون كارلتون.. للزهور دور كبير في الخطبة والزواج في كثير من بلدان العالم، ففي جزر هاواي إذا أرادت الفتاة أن تعلن عن رغبتها في أن تخطب فإنها تضع زهرة على أذنها اليمنى، وعندما تتم خطبتها تضع الزهرة على أذنها اليسرى، أما المرأة المتزوجة فعلاً فتضع زهرة على كلتا أذنيها، وفي المجر تتخذ الورود طريقًا للتفاهم والتخاطب إذ بها تعبر الفتاة عن رأيها في شريك حياتها، فإذا قبلت باقته كان ذلك إعلان القبول وعلى الشاب أن يطلبها من أهلها، وقريب من هذا يحدث في رومانيا أيضًا، وجاء في كتاب ميلتون أيضًا أن لكل لون من ألوان الزهور معنى، فاللون الأخضر يعبر عن الأمل والرجاء، واللون الأحمر يعبر عن حب قوي دفين، والأبيض دليل الطهارة والصفاء، والأزرق دليل الوفاء ونقاء القلب.
كذلك تعدت الزهور والنباتات دور الزينة والبهجة، والاحتفال بها في الربيع، إلى السياسة، فقد اتخذت بعض الزهور شارات لدول، مثل اللوتس لمصر الفراعين، والريحان لألمانيا. على زمن غليوم الكبير، والأرز للبنان، وبلغ القرنفل حدًا من إعجاب الناس به، وفضلته ماري انطوانيت على غيره من الزهور، وكانت تخفيه في طيات ثيابها وهي سجينة، وجعل أحد ملوك العصور الوسطى حاشيته تمضع الفرنقل قبل التحدث إليه لتفوح رائحته العطرية من أفواههم.ولم يكن الزنبق أقل مكانة فقد صار رمزًا مقدسًا لمريم العذراء، وحبذه شارل العاشر (فرنسا) على سائر الأزهار، وكانت البنفسج زهرة وطنية في أثينا القديمة، كما كانت زهرة نابليون المفضلة عندما كان منفيًا في جزيرة ألبا، وانتقلت معه بعد هروبه إلى فرنسا، وما زالت حرب الوردتين تعرف في تاريخ إنجلترا أثناء الحرب الأهلية عندما تنازعت على العرش أسرة يورك وشعارها الوردة البيضاء، وأسرة لانكاستر وشارتها الوردة الحمراء.
طفنا بكم في عالم سيم العشاق ولغة الزهور..
فلا تنسوا..
بالورود.. تهادوا..تحابوا.