الكاتب: دعوة للجميع
تقول الأسطورة القديمة أن كيوبيد إله الحب.. ذاك الطفل الجميل يحمل وراء ظهره جعبة مليئة بالسهام البلورية الوضاءة.. وفي رأس كل سهم قلب أحمر قان.. مشتعل بالحب.. ويطير كيوبيد في سماء الحب.. جوال.. رحَّال.. يسدد سهامه إلى قلوب البشر.. ويا لسعادته مَن يرشق بصدره سهم الحب فيصير عاشقاً ولهاناً.
وتنتهي الأسطورة بأن القلوب تهوى وتحب بغير إرادتنا.. إننا نعيش حياتنا طبيعية حتى نصاب بسهم الحب على غفلة منا ودون تفكير أو تخطيط سابق فنتحول إلى محبين وعاشقين!
فهل نحب بالفعل دون إرادة منا؟ وهل لا نملك اختيار مَن نحبه؟ هل الحب فعلاً سهماً يأتينا على حين غرة؟! أو قد يخطئ هذا السهم أحياناً؟!
أو قد نعطي حبنا لمن لا يستحق؟! أهو عمى الحب.. أم عمى القلب.. أم التعامي وإلغاء العقل؟
تموج بداخلنا كل هذه التساؤلات حينما نعيش قصة حب عميقة مفعمة بالمشاعر والأحلام والأماني تنتهي بالزواج الذي أحياناً قد يشكل نهاية هذا الحب! فهل العيب يكون في الزواج نفسه.. أم العيب في الحب.. أم هو انسياقنا وراء القلب دون العقل؟!
إنها علامة استفهام كبيرة نرغب وبشدة في الإجابة عنها.
النرجسية:
(أحمد...) مهندس بترول يحكي لنا قائلاً:
أول ما لفت انتباهي لها هو جمالها الأخاذ ونعومة شخصيتها الآسرة.. إنني حقاً أحببتها بكل وجداني.. فلقد رأيتها رقيقة ناعمة.. برغم أنني كنت ألاحظ حرصها الشديد على جمالها وحديثها المتكرر عن محاسنها ولكني لم أكن أظن أن ذلك سيمثل شيئاً مروعاً فيما بعد..
وربطت بيننا قصة حب قوية وفي مدة قصيرة كانت تزين بيتي الصغير امرأة طالما أحببتها.. ولكني يوماً بعد يوم لا أجد لها حديثاً إلا عن جمالها.. ويوم وراء الآخر أرى الفوضى تعم بيتي.. وأعود من عملي فلا أجد طعاماً وشهر وراء الآخر لا أرى أية دلالة على حدوث حمل وفوجئت ذات يوم بالمأساة.. فقد سمعتها تحدث صديقة لها عبر الهاتف قائلة: إنها تستخدم وسائل لمنع الإنجاب لأنها تخشى آلام الحمل والوضع وتخشى زوال جمالها وضياع ملامح جسدها الرشيق الذي طالما حافظت على لياقته ورشاقته!
وصدمت إية صدمة فلقد تحملت فوضى بيتي.. وتغاضيت عن ذلك لكن أن يصل الأمر إلى حد أن تحرمني من أسمى شيء في الوجود.. أن تحرمني من طفل.. وبكل ما ثار فيَّ من غضب خيرتها ما بين الحياة معي كزوجة طبيعية وبين أن تظل على نرجسيتها وحبها المريض لجمالها.
السلبية والتراخي:
نهلة - مُعلمة:
ست سنوات من الحب والحنان والاهتمام ولكن بلا نهاية.. لقد أحب كلانا الآخر ولأنني رومانسية بطبعي فلقد غرقت في هذا الحب دون التفكير في المستقبل ودون التفكير في النهاية الطبيعية لهذا الحب.. ولكنني شيئاً فشيئاً بـــــدأت أحــمــي مصــيري.. فصديقاتي وقريباتي مَن منهن تزوجت أو خُطبت، بل إن بعضهن أنجبن.. وأنا.. ماذا عني؟! إنني كما أنا أحبه ويحبني دون أية خطوة إيجابية.. وبدأت في سؤاله عن مستقبلنا.. ولكنه كان قادراً على مراوغتي.. ولأنني أحصيت سنوات حبنا ووجدتها ست سنوات كاملة دون حتى أن يتقدم لطلب يدي من أسرتي.. فزعت! ولم يستطع مراوغتي حينها وصممت على حسم علاقتنا بالتقدم لأسرتي وطلب الزواج مني بشكل رسمي.. لكنه فاجأني بأنه طوال السنوات الست لم يدخر شيئاً بل لم يحاول! ولأول مرة فتحت عيناي على عيوبه.. إنه في منتهى السلبية والتراخي.. فقررت الانفصال عنه.. ومررت بفترة عصيبة كنت فيها على درجة كبيرة من التخبط والانهيار.. فقبلت بأول مَن تقدم لخطبتي ولكني لم أستطع الاستمرار في هذه الخطبة وانفصلنا.
عندها أدركت أنني لا أقوى على الابتعاد عنه فكانت العودة...
نعم عدت له بكل ما أحمل من شوق واحتياج.. ولم يهمني مَن منا سيتحمل الأعباء المادية.. وتحملت أغلبها بل أثقلها وتزوجنا.. ولكن عاداته لم تتغير فهو كما هو.. متراخي وسلبي.. أنا أجري هنا وهناك وأعدو هنا وهناك توفيراً لمتطلبات أسرتنا خاصة وقد أنجبت طفلين هما قُرة عيني ولا أدخر وسعاً لتحقيق وتوفير ما يرغبانه.. وهو كما هو!!
إنني في النهاية أنثى.. أريده أن يشعرني بأنوثتي ولا يحملني ما لا أطيق.. لقد واجهته بذلك كثيراً ولكن دون جدوى إنني كمن تناطح السحاب أو تحارب طواحين الهواء!
والــدته:
(س) ليسانس حقوق: تقول:
إن عالمه بأكمله لا يدور إلا بعلم شخص واحد وموافقة شخص واحد.. والدته! بل أكاد أقول إنني أنا وزوجي عرائس متحركة أحبالها بيدها هي! بل أنه ويا لحزني.. إنه يحكي لها عن تفاصيل علاقتنا الحميمة! وعندما أثور عليه يرد عليَّ بمنتهى اللامبالاة قائلاً: إنه يجب أن يُطمئن والدته على أحوالنا..
ووالدته لا يهدأ لها بال إلا إذا وقفت على كل صغيرة وكبيرة في حياتنا لتدرك كم أتفانى في إسعاد زوجي.
لقد كنت ألمس ارتباطه الشديد بأمه من قبل زواجي منه إلا أنني كنت دائماً ألتمس العذر له ولها.. هي توفى عنها زوجها من زمن بعيد كان فيه زوجي رضيعاً.. فارتبطا ببعضهما بشدة.. وكنت خلال فترة الخطبة ألاحظ عدم قدرة زوجي على اتخاذ أي قرار بشأن أي شيء إلا بعد مشاورتها وكنت أعترض.. ولكني ما ألبث أن استسلم وأبرز لنفسي موقفها بأنها أم وسعيدة بزواج أبنها.. كما كنت أراه حنون طيب القلب لأقصى درجة.. مما شجعني على الاستمرار.. واعتقدت أن تلك الأحوال ستتغير عندما نتزوج..
ولكني كنت واهمة.. بل كنت غارقة في حبي له لدرجة أنني لم أحمله عبء تبرير مواقفه.. بل كنت أنا التي أبرر واقنع نفسي.. تصوروا كم كنت حمقاء!
دون جوان:
(أحلام. ف) مهندسة اتصالات - بعد تنهيدة حارة طويلة قالت: لقد تعبت وأرهقني حبي له وزواجي منه وأعصابي التي تحترق في اليوم مئات االمرات وصحتي التي تدهورت من جراء نزواته التي لا يكف عنها والتي تصلني أخبارها وأحياناً أجد شواهدها رؤى العين!
لقد سئمت كرامتي التي يهينها مع كل امرأة غيري.. حادثته كثيراً.. وثورت عليه كثيراً.. وهددته بتركه ولكن لا فائدة.. فهو لا يكف إلا إذا أصابه الملل من امرأة ليبحث عن أخرى.. تصوروا!
إنني لا ألوم إلا نفسي فقد حذرتني عائلتي منه ومن الزواج والارتباط به.. ولكني كنت أحبه بجنون.. فقد كنت إحدى ضحايا وسامته وكلامه المعسول وحبائله المجدولة بإحكام.. ووقعت.. وكلما كانت عائلتي ترفضه وتحذرني منه.. كنت ازداد إصراراً عليه وشوقاً له وانجذاباً إليه!! وتحديت.. وتزوجت.. ولكن يوماً بعد يوم.. تحققت من كل كلمة وكل تحذير تلقيته من أسرتي..
والآن.. أنا أُطعن في كرامتي وحبي حتى النزف! ولا أقوى على البوح أو الشكوى لأحد!
تلك كانت قصتنا الأخيرة.. ولكنها ليست بآخر القصص التي يجرفنا فيها تيار الحب إلى إلغاء العقل والوقوع في هوة المشكلات التي قد تودي بحياة زواجنا.
ويؤيدنا في الرأي الأستاذ يوسف النعماني - الباحث الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.. كما يُزيد علينا قائلاً:
إن الشباب الآن لم يعد يكتفي بطرق التعارف التقليدية التي تتيحها الجامعة مثلاً أو العمل أو النوادي والمؤسسات الاجتماعية.. وإنما أصبح الشباب يتكالبون على طرق التعارف الحديثة التي توفرها لهم شبكة الإنترنت وغرف الدردشة والأقمار الصناعية.. كل تلك الوسائل يسرت الاتصال بين الشباب.. إلا أنها تشكل مشكلة كبيرة إذا ما صارت وسيلة للإيقاع في الحب ومن ثم الزواج فيما يعرف بزواج الكمبيوتر وزواج الإنترنت.. فهذه الأنواع من الزيجات غالباً ما تكون غير ناجحة.. فهي مبنية على أوقات التسلية التي يتعرف فيها الشباب على بعضهم البعض وأغلب هذه العلاقات تحمل الكثير من التضليل والخداع.. فيرسم كل طرف لنفسه صورة الملاك.. تلك الصورة التي يتوق لها الطرف الآخر وهنا يبدئا بالانجذاب ثم الانسياق وراء عواطفهما دون التفكير في مدى حقيقة كل منهما وتحدث الكارثة عندما يتم الزواج بالفعل وتسقط الأقنعة وتختفي الصورة الملائكية الزائفة.
فمرحلة المراهقة والشباب بما تحمله من ثورة في المشاعر وثورة في العواطف واتسامها بالاندفاع والتحمس السريع.. كل هذا من شأنه إيقاعنا في أخطاء جسيمة ما لم نتحكم فيها بالعقل وهذبناها بالأخلاق والتدين والتقرب من الله.. ولابد أن نثق أن مشاعرنا الجميلة وطاقات الحب المغتربة داخلنا تبلغ من القيمة الغالية ما يلزمنا بالحفاظ عليها وبذلها لمن يستحقها بالفعل.
إن الحب ليس بأعمى.. إنه ليس بشيء خارج إرادتنا.. ولكنه تعامي وافتعال العمى بالتغاضي عما نراه من عيوب وإرجائها لما بعد الزواج للاستمتاع بلحظات الحب.. في حين أن مواجهتها وعلاجها فور اكتشافها هو ما يبشر بنجاح الزواج ودوام الحب.
إن دعوتنا هذه ليست دعوة لرصد كل ما هو كريه في الطرف الآخر والوقوف على المساوئ فقط.. لا ليست كذلك.. فكلنا نحمل عيوباً.. فكلنا بشر.. ولكنها دعوة للعقل والتعقل.. للتروي والتمهل.. إنها دعوة لإعمال الفكر والتدبر.. دعوة لعقد موازنة موضوعية بين العيوب والمميزات.. بين الجوانب السلبية ومدى نجاحنا في علاجها وبين الجوانب الإيجابية.. فلابد من النظر بتفكر وروية وحســاب كلا الجانبين.. فانجرافنا وراء العواطف والمشاعر يعمينا عن إدراك نواقص الغير.. في حين أننا إذا تحكمنا فيها بعض الشيء وأفسحنا الطريق للعقل والتفكير حينئذ سيكون من اليسير علاج هذه النواقص قبل أن تشكل مشكلة صعبة المراس بعد الزواج.