الكاتب: دعوة للجميع
المكان ، بقعة ما من شاطئ البحر أما عن الزمان فلا يمكنني أن أنسى منظر الشمس الذهبية الذائبة في المياه عند الغروب . كنت أجلس وحدي على صخرة كبيرة لا أرى أمامي سوى الرمال و المياه والسماء ، لا أكثر و لا أقل .
لا أسمع سوى صفير الريح و صوت تحطم الأمواج المتلاحقة على الشاطئ التي يبدو و كأنها لا تسأم هذا النمط المتكرر منذ بدء الخليقة و حتى يومنا هذا ، و لا أعتقد إنها ستتوقف عنه يوما ما . هدوء و سكون لا أعتقد إنني سأتعرض لهما مرة أخرى أبدا ، على الأقل طوال حياتي ، ربما بعد انتقالي إلي السماء أيضا ! لست أدري !
و لكني لم أكن أشعر بهذا الهدوء ، ففي بقعة ما في داخلي و في أعمق أعماقي عقلي كان ينطلق صخب هائل يملأ كل كياني و يتغلغل في أنفاسي ، صخب يمثله سؤال واحد . نعم سؤال واحد ! حتى إني كنت أتصور إن الدنيا كلها تسمع تساؤلي بل و تردده ورائي :أين أنت ؟ أين أنت يا الله ؟ أبن أنت ؟ فكنت أشخص ببصري إلي السماء قائلا : أنت حقا في السماء ؟ و لكن ماذا عن الأرض ؟ نعم أنت موجود في كل مكان ، فالسماء والأرض مملوءتان بمجدك و بهاءك و سلطانك ، فالسماء تسبح بعمل يديك و الفلك يخبر بمجدك . و لكني أريد أن أراك ، فلماذا لا تجعلني أراك لقد قلت لموسى في القدم : لأن الإنسان لا يراني و يعيش . أما في عهد النعمة فأنت قد تنازلت و تجسدت و كل الناس رأتك .
إني أسمع عن أناسا قديسين رأوك و سمعوك ، فلماذا لا أكون مثلهم . أليست لي نفس هي الأخرى عزيزة لديك . نعم أنا أعرف إنها نفس خاطئة و لكنك قلت أن السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون إلي التوبة . و أخذت أصرخ : يارب أريد أن أسمعك ، أن أكلمك ، أريد أن أراك ، أريد أن .....
و فجأة ، فوجئت بهذا الصوت يخترق عقلي و يتسرب داخلي و يتغلغل في أنفاسي . أهو ضميري الذي استيقظ من سبات عميق طال رقادي فيه ؟ أم هو ملاكي الحارس يصرخ بي ؟ أم هي نفخة الروح القدس التي بداخلي ؟ لا أعرف .
و لكنه صوت قوي حنون يسألني : " أتريد أن تراني " .
- نعم إذا كنت أنت الرب .
- انطلق .
- ماذا ؟
- انطلق ، تخلص من إنشغالاتك و تحرر من قيودك . كيف تراني و أنت بعيد عني ؟ كيف تراني و ذهنك مشغول عني . هيا انطلق ، أنسى العالم و اترك شهواته .... دوس عليها بقدميك و ارفع عيونك إلي و أنت تراني .
و فيما هو يقول هذا و جدت نفسي فجأة أتخلص مما حولي . فلم يعد هناك شاطئ و لا رمل و لا مياه ، لم يعد هناك قيود تقيدني بهذا العالم ، وجدت نفسي أتحرر من الأغلال التي تقيدني إلي الأرض . نعم أصبحت في مكان لا يبعث في نفسي سوى الراحة و الفرح ، يجلس أمامي شخص هو قمة الجمال و البهاء ، لم أكد أبصر الثقوب في يديه و رجليه و الجروح الغائرة في رأسه و الطعنة النافذة في جنبه ، حتى تعرفته . إنه هو المسيح ، إنه هو رب المجد ، إنه من اشتاقت إليه نفسي ، إنه هو من تغنى داود الملك ببهائه و حسنه و رحمته ورأفته في العهد القديم . إنه الرب الشافي الحنون المصلوب على الصليب و القائم من الأموات في العهد الجديد .
وجدت نفسي أرتمي في حضنه و التصقت به حتى صرنا شبه جسد واحد . مضى وقت ، ليس بقليل ، و نحن على هذا الحال و لو سألتني عن شعوري وقتها لقلت لك : لولا إنه لمسني من كتفي و جعلني أقف أمامه برفق ، لكنت حتى الآن بين ذراعيه . و لو كانت الحياة الأبدية بمثل هذه الروعة ، فأنا مستعد لأن أضحي بأي شيء في العالم لأنالها .
خرج من بين شفتيه صوت هو أعذب ما سمعت ، و أطلت من عينيه نظرة هي أجمل ما رأيت و قال : ها قد رأيتني و ها نحن قد التقينا ، هل تشعر الآن بروعة التخلص من قيود العالم .
- و أي روعة .
- هل تشعر ببهجة اللقاء .
- و هل تماثلها بهجة .
- هل تشعر بقوة روحك و قدرتها على سحق إبليس وجنوده .
- لو شعرت بها من قبل لما سقطت .
- و هل تشعر بتجدد نفسك بعد هذه الرؤية .
- حقا يارب تجدد كالنسر شبابي .
و لكني لاحظت إن صوته صار يبتعد رويدا رويدا ، حتى أنا صرت أصرخ لكي يسمعني ، و وجدت نفسي أبكي كالطفل و أقول : لا يارب ، أريد أن أبقى بجانبك ، تحملني بذراعيك كأب يحمل ابنه ، تحفظني بحضنك فلا أعطش و لا أجوع ثانية . أريد أن أراك دوما يارب ، فلا تفارق صورتك عيناي و لا يفارق صوتك أذناي و لا يفارق أسمك شفتاي .
فقال لي : لا تخف ، ستجدني دوما ، فصوتي ستسمعه دوما في إنجيلك . أما اسمي فتستطيع أن تردده في صلاتك ، أما عن صورتي فأنا موجود بشخصي كل يوم على المذبح . فمتى تأكل جسدي الذي صلب عنك و متى تشرب دمي الذي سفك ليخلصك ، سأسكن فيك و أنت في و ستتمتع بي في الحياة الأبدية .