الكاتب: دعوة للجميع
نحن في هذه الدنيا سائحون، وكل منا في مسيرة خاصة، يخطو فيها على وقع موسيقاه، يتسلق قممه الشخصية ويجهد في سبيل تحقيق كيانه الذي ما من كيان آخر يشبهه. أنا أنا، وأنت أنت، وكل منا يشعر بأمان عندما يسلك برفقة آخرين الطريق الذي اختبر السير عليه زمناً طويلا. أما الطريق الذي تسلكه قلة من الناس فيبقى أكثر عرضة للمخاطر... ولكنني إذا ما دُعيت إلى المخاطرة، فعليّ أن أتقبل المجازفة وأتحمل الآلام، أن أكبو وأن أنهض، أن أعرف كيف أفشل من دون أن أنكسر. ورغم الخوف والضياع عليّ أن أقتحم الخطر.
يبدو أن على السائح السائر نحو أرض الميعاد أن يتحلى، فوق كل شيء، بالشجاعة والصلابة. وإنني أشعر أحياناً بأن التصميم على الاستمرارية يحول وحده دون خروجي من المسيرة. فالتجربة كبيرة، تلك التي تشدني إلى الاسترخاء في بقعة مشمسة والاستقرار هنالك، وأنا في مخيلتي الخلاقة أجد ألف سبب وسبب لأقنع نفسي بصوابية ذاك القرار، بل بحتميته: "ما أنا عليه حسن" و"لِمَ المخاطرة"... ثم أروح أتفنن في الاستغاثة فيهرع إلى نصرتي العديد من أصحاب القلوب الشفوقة وكل بدوره يتفنن في البحث لي عن أعذار تريحني وتقنعني بأن ما أنا عليه حسن وما بي من حاجة إلى بذل أي جهد في سبيل التغيير.
وهكذا أحكم على نفسي بالمراوحة فأكرر ما تعودت القيام به وكأنني أشبه بالآلة، سلوكي كله يصبح روتينيًا وردّات فعلي هي هي لا جديد فيها. ويراني بعضهم في ذلك صلب الإرادة ومستقرًا. بيد أن آخرين يفطنون إلى أن مخاوفي هي التي تكبلني وتقعدني، تشدني إلى المراوحة و"الاستنقاعية". فيصبح كل يوم لي نسخة من الآخر، ويزداد الشبه في حالي بين السنة وأختها. تتكاثر الآلام في جسدي، وتغزو التجاعيد وجهي... ولكنني مع ذلك أشعر وكأنني لن أتغير بعد اليوم وأروح أتابع العيش في عالم هجرته التحديات وغابت عنه إرادة التجدد.