الكاتب: دعوة للجميع
الناس الذين يؤمنون بأنّ الله لا يستطيع الدخول إلى عقولهم بأفكاره و توجّهاته , و إلى إرادتهم بقوّته و رغباته , و إلى عواطفهم بسلامة , يتردّدون فجأة أمام فكرة تحريك الله لمخيّلتهم , فيسمعون في داخلهم كلاماً و يرون رؤى . لقد أخبرتني أمّي يوماً , و كأنّها تبوح لي بسرّ , أنّ الله كلّمها مراراً و أعطاها توجيهات دقيقة لحياتها . و قالت : " لن أبوح بذلك إلى أحد سواك مخافة أن يظنّ الآخرون أنّي أُصبت بشيئ من الجنون " . و أذكر أنّي طمأنتها بأنّ ذلك أصبح تقليداً في العائلة , لأنّه حدث لي أنا أيضاً أحسست بيد الله في داخلي , كما و شعرت مراراً بأنّه يغذّي مخيّلتي بلمساته اللطيفة .
تلك كانت مشكلة جان دارك و الأصوات التي كانت تسمعها . و هذا ما لفت الانتباه إليه جورج برناردشو في روايته " القديسة جان " :
روبرت : ماذا تعني ؟ أصوات ؟
جان : أنا ذ أن أفعل .
إنّها تأتي من الله .
روبرت : إنّها تأتي من مخيّلتك .
جان : بالطبع , هكذا رسائل الله تأتي إلينا .
و إذا كان من الصعب أحياناً أن تفرّق بين إيحاءات نعمة الله و ما نولِد نحن في ذواتنا , فليس ذلك بالسبب الكافي لكي ننكر عمل الله في مخيّلتنا .
أذكر أنّي سألت الله مرّة ما الذي يريد أن يقوله لي أو يطلبه منّي . كان ذلك في لحظة حماسة داخليّة , و قد أحسست أنّني على استعداد لسماع كلمة من لدنه . و في سكون إصغائي سمعته يقول : " إنّي أحبّك " . أعرف ذلك , قلت في نفسي , و فجأة بدا لي واضحاً أنّني , في الحقيقة , ما تقبّلت ذلك في العمق , و أنّ تلك الحقيقة لم تترسّخ في داخلي و أنّ فيّ حاجة إلى سماعها .
و في لحظة النعمة تلك , أدركت حقاً ما كنت أعرفه و هو أنّ الله كان دائماً صبوراً عليّ و غفوراً ,من دون أن أكون قد رأيت حبّه في ذلك ...
عندما يتكلم الله إلينا , نشعر دائماً بشيئ من المفاجأة . و حقيقته تتّضح لنا و تترسّخ فينا .