كل المعضلة المطروحة على الضمير المسيحي اليوم هي أن نسعى بحيث تظهر الرسالة التي نحملها كجواب على انتظار البشرأفيكون انتظار الله وانتظار الملكوت غريبا عن انتظار العالم ومجئ ملكوت الله ، تللك المعضلة التي هي في قلب التفكير الحالي حول علاقات الكنيسة والعالم . ولكن هذا النقاش ليس نظريا وقفا على خبراء اللاهوت حسب ، بل يهم حياة كل مسيحي علماني ملتزم يبني العالم الحالي .
أمل العالم يتحتم علينا نحن المسيحين ، شهود الله في عالم لا اله له ان نشرع باحترام الامال الكبيرة التي ترفع العالم المعاصر : بناء العالم افضل وترقي الشعوب وتحرير الانسان من الحتميات المزعومة التي هي الجوع والحرب والجهل . ولربما لاول مرة وعت الكنيسة الملتئمة في مجمع بوجود مشروع جماعي للبشرية له شرعية حتى قبل ان تعمده المسيحية . وبعنى اخر أن العالم هو اكثرمن الاطار لبناء ملكوت الله ، فهو يحمل في ذاته مدلولا ثابتا .أن قراءة ( علامات الازمنة ) التي دعانا اليها البابا يوحنا الثالث والعشرون في رسالة( سلام على الارض ) أعتراف ضمني بأن حركة التاريخ بالذات ليست عديمة المعنى . وهكذا فان أنتظار الله لايناقض الامال الاكثر اصالة عند بشرية في سعي دائم لتحرير ذاتها وتحقيق أكتمالها : أنها تضطلع بها وتتيح لها أن تفضي الى ما وراء التاريخ .
صحيح قد نسي بعض المسيحيين ذلك بسهولة اليوم ، ان بناء عالم أفضل لا يؤدي مباشرة الى ملكوت الله . فان كلمة الله تاتي من عل ، والنعمة عطية محبة كلها مجانية ، وحركة التاريخ الدنيوي يحتم علي أطعام البشر. ولكن اطعامهم وتحريرهم من الخوف ومن مستوى ادنى من حياة بشرية ، لا يعني خلاصهم بعد . ولذلك فأن الاعتراف بقيم مسيحية ضمنية مبذولة في سبيل تحرر الانسان واصدارحكم أكثرتفاؤلا حول فرص الخلاص السارة للبشر .
المسيح محور التاريخ يجب ان نعتبر معا دون تناقض ، ضرورة رسالة الكنيسة في اعلان يسوع المسيح ومن خلاله الكشف عن المعنى الاخير وعن الحقيقة الكاملة كقيم يشترك فيها كثيرون الناس . وهذا اليقين الاخر اي ان المسيح هو مخلص لكل البشر وربهم . وبمعنى اخر كل انسان يظل خاضعا لجاذبية يسوع المسيح الذي هو محور التاريخ .وكل أنسان تعمل فيه نعمة الخلاص سريا . هذا هو اساس تفاؤلنا المسيحي ازاء البشرية التي ليست ضمن عمل الكنيسة التاريخي . وبفضل هذا التفاؤل ، كان بأستطاعة البابا بولس السادس ان يقر رسميا من منبر الامم المتحدة بهذه المؤسسة العليا الا وهي هيئة الامم المتحدة بوصفها ( السبيل اللازم للحضارة المعاصرة والسلام العالمي ) ان حركة البابابولس السادس ترمز الى التلاقي بين أنتظار ملكوت الله الذي تشهد له الكنيسة ههنا وبين أنتظار تجمع سلمي لكل شعوب الارض الذي تشكل الامم المتحدة وعدا له . أن الكنيسة هي الشاهدة لرجاء يتخطى موضوعه تماما مشروع البشر على الصعيد التاريخي . وهذا الموضوع هو الله ( كل في الكل ) وشركة البشر مع الله . الان ان هذا الرجاء المتسامي ليس غريبا عن الانتظارالعظيم في قلوب البشر الذين يجتهدون في طرق التاريخ . فثمة تلاقٍِ بين حركة التاريخ التي تنزع بقدر ما هي متطابقة للمتطلبات البشرية ، الى مصادرها الخاصة للتقرب من المثل العليا التي تتوخاها الجماعة البشرية المتحققة في العالم الاخر وبين هذه شركة البشرالسعيدة الله التي هي هبة مجانية ممنوحة من عل .
فأن عالم الخلقة وعالم الفداء ليسا عالمين متجاورين . كلاهما خاضعان لربوبية المسيح رب العالم ( وتللك هي دعوة الكنيسة ) تتضمن اذن خدمة الخليقة والعالم . ان دعوتنا الفريدة هي ان نكون شهود انتظار عالم اخر ، في حين ان البشر يتصرفون كما لو لم يكن ثمة خلاص اخر ينتظرونه الا ذاك الذي بوسعهم الحصول بأنفسهم . بيد أن انتظارنا لن يكون أنتظار ملكوت الله ، اذا ما مكثنا دون احساس تجاه انتظار البشر الشرعي لمدينة الارض . لا يمكن معارضة انتظار الله بانتظار البشر حيما يتعلق هذا الانتظار بالعلاقات السلمية بين البشر والسيطرة على قوى الطبيعة والتقدم في نظام الانسنة .
أن البشر يحققون دون علمهم وبمصادرهم الخاصة ، تصميم الله بالذات ، جمع كل انسان وكل مخلوق في المسيح ، ان هذا المشوع البشري جيد وشرعي ، وعلى المسيحين ان يساهموا فيه بكل قلبهم . ولكنهم لن يكونوا ملح الارض اذا ما كفوا عن الاعلان في الوقت ذاته بأن هذا المشروع يستأنف ويتحقق بطريقة سامية فيما وراء التاريخ .
كتاب مجال الله / كلود جفري