يوجد بون شاسع وفرق بعيد بين العقيدة المسيحية وعقائد الوثنيين, فالمصريون القدماء، كانوا يؤمنون بثالوث ممثل في أزوريس، وإيزيس، وهو ريس, ولكن هؤلاء لم يكونوا إلهاً واحداً بل كانوا ثلاثة آلهة,
وكذلك الهنود, آمنوا بأن جوهر إلهي بسيط غير شاعر بنفسه، خال من الصفات صدر منه ثلاثة آلهة تنوب عنه، وتفوق غيرها من الآلهة مقاماً, واسم الأول براهمة، وهو الخالق وأصل كل شيء, واسم الثاني وشنو، وهو الحافظ لكل شيء, واسم الثالث شيوا، وهو المخرب وهم أيضاً ثلاثة آلهة,
أما الفرس فقد آمنوا بوجود إلهين عظيمين، اسم الأول أرومازاد، وهو إله الخير, واسم الثاني أهرمان، وهو إله الشر وقالوا أن كل ما هو خير وروحي يرجع إلى إله الخير، وكل ما هو شرير ومادي يرجع إلى إله الشر, وإذا رأوا أن الصراع بين الخير والشر صراع دائم مستمر قائم، التزموا أن يقولوا أن هذين الإلهين أزليان متساويان، ولا يمكن لأحدهما أن يتغلب على الآخر,
على أي حال فالثالوث المسيحي، لا يمت بآية صلة إلى هذه المعتقدات الوثنية وليس في وجودها, ما يبطل حقيقته مثله كاسم الجلالة الله فمع أنه عرف عند العرب الوثنيين قبل الإسلام، إلا أن هذا الواقع لم يجد الإسلام فيه ما يشكل طعناً في القرآن فقد ذكره شعراء الجاهلية في قصائدهم منهم:
لبيد إذ قال:
لعمرك لا تدري الضوار بالحصى ---- ولا زاجرت الطير ما الله صانع
النابغة الذبياني إذ قال:
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم ---- من الجود والأخلاق غير موارب
وقال أيضاً:
ألم تر أن الله أعطاك صورة ---- ترى كل ملك جونها يتذبذب
وهل يقل فضل القرآن في كونه جعل الطواف بالصفا والمروة من شعائر الله، مع العلم أنه في الصفا والمروة كانت تقام عبادة الصنمين أساف ونائلي قبل الإسلام,
وكذلك الحج والعمرة والوقوف في عرفه, والمزدلفة ورمي الجمار, وتقبيل الحجر الأسود, كانت من شعائر العرب الوثنيين قبل الإسلام,
وما قولك في أن لقصة الإسراء والمعراج مثيلاً في كتب الزرادشتية الدينية, وهل يضر الإسلام في شيء في كون اليهودية سبقته إلى عقيدة التوحيد,