لم يهاجم القرآن المسيحيّة التي أسّسها المسيح ونشرها رسله القديسون، ولكنه هاجم بِدعاً خاصة كانت قد ظهرت عند ظهوره، ونادت بتعاليم لا تقرّها المسيحية، فحاربها كما حاربتها المسيحية من قبل ومن بعد، وكلنا يعلم أنّ الشرق - وقت ظهور الإسلام - كان مرتعاً خصيباً للاضطرابات الدينية والخلافات المذهبية، فقد كانت الحرب لا تزال مستعرة بين اليهودية والمسيحية من جهة، وكانت الفِرق المبتدعة الخارجة عن النصرانية تتحارب مع بعضها من جهة ثانية،
كما كانت الوثنية تنازع هاتين الديانتين - اليهودية والمسيحية - من جهة ثالثة. وكل من يطّلع على تاريخ الهرطقات يقف متحيراً إزاء ما كان بين هذه الديانات والمذاهب من تطاحن وعداوة وبغضاء، أشار إليها القرآن بقوله في المائدة 5: 14: فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فقد كانت كل فرقة تكذّب الأخرى وتكفّرها.
الكتاب الذي بين يديك، عزيزي القارئ، بلغ شأواً قلّما بلغه كتاب غيره في مضمار المقارنات الدينية والحوار الإسلامي المسيحي.
ولقد أثبت فيه مؤلفه الراحل نزاهة نفسه، ونُبْل قصده، وسعة أفقه، عندما وضع في كتابه هذا، الحقائق جلية واضحة، في غير تهجّم أو تعرُّض لأمر يجرح فيه ضمير أحد. فجاء الحق على لسانه وبقلمه شهادة حقة نقيّة لشخص المسيح الطريق والحق والحياة ، في التوراة والإنجيل والقرآن.
والناشر إذ يزفُّ هذه الطبعة الخامسة المنقّحة، يهيب بالمطالع العربي - إن رام ثقافة نظيفة - أن يُقبل على قراءة هذا السفر النفيس بما يستحقه من روّّة وتفكير. عسى رعيل النزاهة يكثر، وذوي الضمائر الحيّة تزيد وتتسامى وتتجاوب، فيحق الله بهم الحق، ويجلو بواسطتهم ما ران ويرين على الحق الإنجيلي وشخص المسيح المبارك من متاهات التأويل والتخريج في عالمنا العربي والإسلامي، بقصد أو بغير قصد محاكاة لذوي الهوى والغرض.
والله سبحانه نسأل، أن يبارك كلمات هذا الكتاب وكل من يقرأها، وأن يرافق بروحه الصالح أثرها وإيماءاتها، له المجد والكرامة إلى أبد الآبدين، آمين, الناشرون
التعليقات
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة