(و) الرسوم والنقوش والفرائض
يوفر لنا تاريخ الكنيسة أيضاً بيّنات أخرى هامة على اعتقاد مسيحيي القرون الأولى الوثيق بصلب المسيح وموته وقيامته، فقد تم العثور في سراديب روما وأقبيتها على رسوم شعار الصليب ونقوشه، وهي أماكن كان يجتمع فيها المسيحيون سراً خوفاً من جواسيس الحكومة الرومانية الوثنية. كذلك عمد المسيحيون إلى نقش شعار الصليب على أضرحة موتاهم تمييزاً لها عن أضرحة الوثنيين. فلو لم يكن هؤلاء المسيحيون على ثقة أكيدة من صلب المسيح لما أخذوا الصليب شعاراً لهم، ولا سيما أن الصليب كان رمز عار عند اليهود والرومان على حد سواء. أما الآن بعد صلب يسوع المسيح البار عليه أصبح رمز فخر وإيمان. ولو لم يكن الصليب حقيقة متأصلة في إيمان هؤلاء المسيحيين لما تحملوا من أجله كل اضطهاد واستشهدوا في سبيله. وبعض هؤلاء كانوا شهود عيان لصلب المسيح، والبعض الآخر تسلموا هذه الحقائق من الحواريين أو مما وصل إلى أيديهم من الأناجيل والرسائل المكتوبة التي أوحى بها الروح القدس.
أما الفرائض وبالأخص فريضة العشاء الرباني التي مارسها المسيح في الليلة التي أُسلم فيها، فقد احتلت مكانة مرموقة في ممارسات الكنيسة على مر العصور. وترجع أهمية هذه الفريضة إلى أنها - كما أوَّلها المسيح نفسه - رمز إلى صلبه وموته. وعندما يمارسها المسيحيون فإنما يفعلون ذلك لإحياء الذكرى المقدسة (إنجيل متى 26: 26- 29، إنجيل مرقس 14: 22-25، إنجيل لوقا 22: 14-20، والرسالة الاولى إلى أهل كورنثوس 11: 23-27).
ومن الملاحظ أيضاً أن فريضتي العشاء الرباني والمعمودية تذكرنا بموت المسيح فداءً عن خطايانا والمعمودية التي حض المسيح حوارييه على القيام بها (إنجيل متى 28: 19) كرمز لموتنا وقيامتنا معه، قد مارسهما الحواريون أنفسهم تطبيقاً لوصية المسيح بالذات. وما برحت الكنيسة تعمل بهما إلى هذا اليوم.