الإسلام دعوة نصرانية
يسوع الناصري – ويسوع المسيح
انها لسنة شرقية مألوفة تسمية معلم أو زعيم بالنسبة إلى بلدته ، أو مسقط رأسه .
فلما ظهر يسوع يدعو بين اليهود بدعوته ، لقبه اتباعه الأولون ، فالشعب ، فالسلطات اليهودية والرومانية : ( يسوع الناصري) نسبة إلى بلدته ، الناصرة ، التي نشأ فيها .
وصحابة يسوع الناصري كانت تؤمن انه المسيح ، وترادف بين اللقبين : فتدل بالأول على قوميته ،
وبالثاني على عقيدتهم فيه .
والإنجيل بحسب حرف البشير متى ، الذي دون في البيئة الإسرائيلية ، ولها قبل غيرها ، ينقل في مطلعه اللقب الذي اشتهر به يسوع ؛ فيقول : ( جاء وسكن في بلدة تسمى الناصرة ، ليتم ما قيل : (انه يدعى الناصري) متى 2 : 23.
انقسام اتباع يسوع في الاسم إلى (نصارى) و (مسيحيين)
بعد ارتفاع يسوع حيا إلى السماء ، ونزول الروح القدس على رسله وصحابته ، اندفعوا بالدعوة للإنجيل . وطالما بقيت الدعوة محصورة في فلسطين كانوا يسمون (نصارى) ؛ فلما انتشرت الدعوة المسيحية في سوريا اخذ الناس يسمونهم (المسيحيين) .
في الدعوة ليسوع المسيح في أورشليم قال بطرس ، زعيم الرسل ، في خطابه الأول لبني إسرائيل: ايها الرجال الاسرائيليون اسمعوا هذه الاقوال. يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما انتم ايضا تعلمون. هذا اخذتموه مسلّما بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبايدي اثمة صلبتموه وقتلتموه. الذي اقامه الله ناقضا اوجاع الموت اذ لم يكن ممكنا ان يمسك منه. لان داود يقول فيه كنت ارى الرب امامي في كل حين انه عن يميني لكي لا اتزعزع. لذلك سرّ قلبي وتهلل لساني حتى جسدي ايضا سيسكن على رجاء.
لانك لن تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فسادا. عرفتني سبل الحياة وستملأني سرورا مع وجهك. ايها الرجال الاخوة يسوغ ان يقال لكم جهارا عن رئيس الآباء داود انه مات ودفن وقبره عندنا حتى هذا اليوم. فاذ كان نبيا وعلم ان الله حلف له بقسم انه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح انه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادا. فيسوع هذا اقامه الله ونحن جميعا شهود لذلك. واذ ارتفع بيمين الله واخذ موعد الروح القدس من الآب سكب هذا الذي انتم الآن تبصرونه وتسمعونه. لان داود لم يصعد الى السموات. وهو نفسه يقول قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى اضع اعداءك موطئا لقدميك. فليعلم يقينا جميع بيت اسرائيل ان الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه انتم ربا ومسيحا ) . اعمال 1 : 22-36.
فيسوع الناصري هو، في دعوة الرسل الأولى ، المسيح الرب .
ثم جرت معجزة فظيعة على يد بطرس ، زعيم الدعوة ، بشفاء مقعد مشهور كان يجلس عند باب الهيكل يستعطي . شفاه بطرس (باسم يسوع المسيح الناصري ) اع 3 : 6 .
فأوقفه السنهدرين ، مجلس اليهود الاعلى ، مع يوحنا الرسول رفيقه لاستجوابهما في دعوتهما وفي المعجزة التي سببت ايمان المئات من اليهود بيسوع المسيح . اع 4:4 : ( فأجاب بطرس وهو ممتلئ من الروح القدس (الفارقليط) وقال لهم يا رؤساء الشعب وشيوخ اسرائيل ان كنا نفحص اليوم عن احسان الى انسان سقيم بماذا شفي هذا فليكن معلوما عند جميعكم وجميع شعب اسرائيل انه باسم يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه انتم الذي اقامه الله من الاموات. بذاك وقف هذا امامكم صحيحا. هذا هو الحجر الذي احتقرتموه ايها البناؤون الذي صار راس الزاوية. وليس باحد غيره الخلاص. لان ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي ان نخلص ) اعمال 4 : 1-12.
فصحابة المسيح ورسله ، في بيئتهم اليهودية ، يجمعون في ألقاب يسوع اللقب النبوي الذي به يؤمنون ، المسيح ؛ واللقب القومي الذي به يعرفون، الناصري.
فلا بد إذن من ان يسمي اليهود الجاحدين مسيحية يسوع اتباعه : ناصريين او نصارى ( بحسب صيغة الجمع الآرامية ) .
نرى ذلك لما قبض اليهود على بولس الرسول في أورشليم لتقديمه للمحاكمة المدنية لدى الوالي الروماني فيلكس . فرفع الدعوة عليه باسم المجلس اليهودي الاعلى المحامي ترتلس الشهير عندهم ، قال : ( اننا حاصلون بواسطتك على سلام جزيل وقد صارت لهذه الامة مصالح بتدبيرك فنقبل ذلك ايها العزيز فيلكس بكل شكر في كل زمان وكل مكان. ولكن لئلا اعوقك اكثر التمس ان تسمعنا بالاختصار بحلمك. فاننا اذ وجدنا هذا الرجل مفسدا ومهيج فتنة بين جميع اليهود الذين في المسكونة ومقدام شيعة الناصريين وقد شرع ان ينجس الهيكل ايضا امسكناه واردنا ان نحكم عليه حسب ناموسنا. فاقبل ليسياس الامير بعنف شديد واخذه من بين ايدينا وامر المشتكين عليه ان يأتوا اليك. ومنه يمكنك اذا فحصت ان تعلم جميع هذه الامور التي نشتكي بها عليه. ثم وافقه اليهود ايضا قائلين ان هذه الامور هكذا ) اعمال 24 : 1-10.
ففي البيئة اليهودية اسم اتباع المسيح هو : (النصارى) ؛ وهم من بني اسرائيل .
ثم انتشرت الدعوة المسيحية خارج فلسطين . وقام بها كطلائع للرسل ، صحابة المسيح ، اليهود الهلينيون الذين ولدوا في المهاجر ونشأوا على الثقافة اليونانية ، ثم آمنوا بالمسيح .
وبسبب ثقافتهم والحرية الدينية التي تعودوا عليها في مها جرهم ، كانوا أجرا الناس دعوة للمسيحية، حتى في أورشليم ، فثارت عليهم السلطات اليهودية وقتلت زعيمهم اسطفان ( اع 7 : 54-60) ، وشتتوهم خار فلسطين ، (فاجتازوا الى فينيقية وقبرس وانطاكية وهم لا يكلمون احدا بالكلمة الا اليهود فقط. ولكن كان منهم قوم وهم رجال قبرسيون وقيروانيون الذين لما دخلوا انطاكية كانوا يخاطبون اليونانيين مبشرين بالرب يسوع. وكانت يد الرب معهم فآمن عدد كثير ورجعوا الى الرب) اعمال 11 : 19-21.
وهنا يذكر سفر اعمال الرسل ، وهو تاريخ تأسيس المسيحية : ( وفي انطاكية أولا دعي التلاميذ مسيحيين ) اع 11: 27.
ومنذئذ شاع هذا الاسم مع الدعوة في أقطار الدولة الرومانية ، ثم في أقطار الأرض كلها .
فالمسيحيون هم من الامميين . وهكذا صار اسم تلاميذ المسيح من بني اسرائيل : نصارى . وصار اسمهم من الامميين : (مسيحيين). وهذا الانقسام في الاسم ، بسبب البيئة ، سيجر إلى انقسام في العقيدة .
بحث ثاني
اختلاف الأمة الواحدة في البيئة والثقافة قد يجر إلى اختلاف في العقيدة .
كان اتباع المسيح في أورشليم وفلسطين كلهم من اليهود، في بدء الدعوة .
وكما كان المسيح ، مع دعوته بالإنجيل ، يمارس الشريعة الموسوية ، كان الرسل صحابته في دعوتهم للمسيحية يمارسون الشريعة الموسوية ؛ فيترددون على الهيكل ، ويحفظون الأعياد اليهودية ، ويحافظون على الختان ، والصوم وسائر أحكام التوراة ، لأنها أمست جزاءً من قوميتهم.
فكانوا كل يوم يلازمون الهيكل بنفس واحدة (اع 2:46) ؛ ويصعدون إلى الهيكل للصلاة في أوقاتها ( اع 3 : 1) ؛ وخارج أورشليم يقيمون الصلاة الإسرائيلية بأوقاتها ( اع 10 : 9) ؛ وكان المتحررون منهم مثل بولس يحافظون على عوا ئدهم كالنذر التوراتي ( اع 18: 18) .
وكانوا يعيدون مع اليهود أعياد الفصح ( اع 20 : 6 ) . وهذه صورة كاملة للحياة النصرانية اليهودية ، في حوار يعقوب ، أسقف أورشليم ، مع بولس الرسول الذي كان يدعوا إلى التحرير من الشريعة الموسوية . قال يعقوب ، زعيم النصرانية ، لبولس ، زعيم المسيحية : ( أيها الأخ أنت ترى كم ربوة من اليهود الذين آمنوا وهم جميعا غيورون للناموس. وقد أخبروا عنك انك تعلّم جميع اليهود الذين بين الامم الارتداد عن موسى قائلا ان لا يختنوا اولادهم ولا يسلكوا حسب العوائد.
فاذا ماذا يكون. لا بد على كل حال ان يجتمع الجمهور لانهم سيسمعون انك قد جئت. فافعل هذا الذي نقول لك. عندنا اربعة رجال عليهم نذر. خذ هؤلاء وتطهر معهم وانفق عليهم ليحلقوا رؤوسهم فيعلم الجميع ان ليس شيء مما أخبروا عنك بل تسلك انت ايضا حافظا للناموس. واما من جهة الذين آمنوا من الامم فارسلنا نحن اليهم وحكمنا ان لا يحفظوا شيئا مثل ذلك سوى ان يحافظوا على انفسهم مما ذبح للاصنام ومن الدم والمخنوق والزنى. حينئذ اخذ بولس الرجال في الغد وتطهر معهم ودخل ) . أعمال 21 : 17- 27.
هذه الصورة تظهر لنا ان اتباع المسيح من اليهود ، وعلى رأسهم آل البيت ، كانوا يقيمون التوراة والإنجيل معاً ؛ وينادون بالايمان بموسى وعيسى معا؛ ويرفعون شعار العماد والختان معا .
هذا محور عقيدتهم ، الذي يظهر تشيعهم (النصراني) لأهل بيت المسيح وتوراة موسى ، على حساب الرسل ، صحابة المسيح ، وعلى حساب حقيقة الإنجيل ، كما نرى في رسائل العهد الجديد إليهم .
بدأت المشاكل تظهر عندما آمن بعضهم من الأميين المشركين .
وشريعة التوراة ، قبل القران : ( إنما المشركون نجس) ! وعلامة شركهم انهم غير مختوني! فهل يصح لليهودي النصراني ان يجتمع بالمسيحي من اصل وثني ، ويدخل بيته ، ويأكل معه ؟ فاحتاج بطرس (ولما صعد بطرس إلى اورشليم خاصمه الذين من أهل الختان . قائلين انك دخلت إلى رجال ذوي غلفة واكلت معهم) . اعمال 11 : 1-3
فشرح لهم بطرس انه فعل ذلك بأمر رباني ، وثبته الله بحلول الروح القدس على المهتدين من الامميين ، كما حل على الرسل أنفسهم ! ( فلما سمعوا ذلك سكتوا وكانوا يمجدون الله قائلين إذا أعطى الله الأمم أيضا التوبة للحياة) اع 11 : 17-18.
فالمشكل الأول الذي واجه الجماعة المسيحية هو المؤالفة بين أهل الكتاب وألاميين في الايمان بالمسيح : هل المهتدي إلى المسيح من الأمم عليه ان يتهود مع ايمانه بالمسيح حتى تصح مسيحيته؟.
انتشرت الدعوة المسيحية بين الأميين ، وتكاثر عدد المسيحيين من الأمم حتى فاق عدد أهل الكتاب من اليهود المتنصرين . كانوا يهتدون دون ان يتهودوا ويخضعوا لشريعة موسى والختان . فظهر بين اتباع المسيح سلوك في الحياة المسيحية متعارض : النصارى اليهود ظلوا يقيمون شريعة موسى مع العماد والايمان بالمسيح ؛ والمسيحيون من الأمم يعتنقون المسيحية من دون اليهودية وشريعتها . وسرعان ما ذر الشقاق قرنه بين العنصرين المؤمنين ايمانا واحدا : ما هو موقف الدعوة المسيحية من الشريعة الموسوية ؟ . جاء الجواب مختلفا ، باختلاف البيئة ؛ فالنصارى اليهود يقولون بإقامة التوراة والإنجيل معا بلا تفريق ؛ والمسيحيون من الاميين يقولون بالإنجيل وحده من دون الشريعة الموسوية والختان .
وتزعم مقالة النصارى ال بيت المسيح ، وعلى رأسهم أبناء قلوبا ، عم المسيح بحسب البشرية ، الذين كانوا يسمونهم لهذه القرابة (اخوة الرب)؛ وكانت منزلتهم عندهم تضاهي منزلة الرسل ، صحابة المسيح. ولذلك أمروهم أساقفة عليهم في أورشليم من دون الرسل أنفسهم . فكان زعيمهم وزعيم ال بيت المسيح ، يعقوب (أخو الرب) اول أسقف على أورشليم ، بوجود الرسل أنفسهم .وبدأ يظهر تشيعهم للشريعة ولآل بيت المسيح ، على حساب المسيحية العامة ، عند هداية جماعة الفريسيين ( اع 15: 5) .
وتزعم مقالة المسيحيين من غير أهل الكتاب بولس ، رسول الأمم ، منذ هدايته وبعثته .
فكان في رسالاته ورسائله ، إيلافاً للدعوة المسيحية بين الأمم غير الكتابية ، يدعو إلى تحرير المسيحية من اليهودية وشريعتها وختانها .
كان لكل فريق حججه في تأييد نظريته .