الصفحة 30 من 37
الرسول احمد في الإنجيل
توطئة
قصة احمد في القران والسيرة :
1) في سورة الصف هذه الآية اليتيمة: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ
مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ .
قال ابن هشام في سيرته النبوية ج 1/249 : صفة رسول الله من الإنجيل : " وقد كان فيما بلغني عمّا كان وَضَعَ عيسى بن مريم فيما جاءه من الله في الإنجيل لأهل الإنجيل من صفة رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) مما أثبت يُحَنّس الحواريّ لهم، حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى بن مريم عليه السلام في رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إليهم أنه قال: من أبغضني فقد أبغض الرب، ولولا أنّي صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي، ما كانت لهم خطيئة، ولكن من الآن بَطِرُوا وظنّوا أنهم يَعُزُّونني، وأيضاً للربّ، ولكن لا بد من أن تتمّ الكلمة التي في الناموس: أنهم أبغضوني مجاناً، أي باطلاً. فلو قد جاء المنْحَمنّا هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الربّ، وروح القُدُس هذا الذي من عند الربّ خرج، فهو شهيد عليّ وأنتم أيضاً؛ لأنّكم قديماً كنتم معي في هذا، قلت لكم: لكيما لا تشكوا.
والـمُنْحَمنّا بالسريانية: محمد: وهو بالرومية :الْبَرَقْلِيطِس، صلى الله عليه وآله وسلم" .
فأهل السيرة يرشدونا في اسم (احمد) الوارد في القران ، الى لفظه السرياني والرومي، (مما أثبت يُحَنّس الحواريّ لهم، حين نسخ لهم الإنجيل).
1 – (احمد) في القران
نوجز الواقع القرآني في هذه الاعتبارات .
اسم النبي العربي في القران هو (محمد) ، كما يرد في أتربع آيات :
(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) ال عمران 144.
(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ ). الأحزاب 40
(وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) . محمد 2 .
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) . الفتح 29 .
لذلك فوروده بلفظ (احمد) مرة يتيمة مشبوه ، ولا يعرفه الواقع التاريخي.
2) ان تغير اسم (محمد) المتواتر إلى (احمد) في لفظة يتيمة في القران كله ، تغيير مقصود ، لكي ينطبق على قراءة شاذة ، لا اصلها في المخطوطات الإنجيلية كلها ، في كلمة (الفارقليط) ، بحسب الإنجيل . فالتحريف ظاهر في القران ، كما سنرى .
3) في القران كله ، في النصوص كلها التي يرد فيها ذكر المسيح، ظاهرتان :
الأولى : يقفي القران على كل الرسل بالمسيح ، ولا يقفي على المسيح بأحد ( البقرة 87 ؛ المائدة 44 ؛ الحديد 27).
الثانية : المسيح نفسه في ما ذكر القران عنه، لا يبشر بأحد من بعده على الإطلاق ، إلا في بعض تلك الآية اليتيمة .
وهذا يجعل تعارضا ما بين الموقف المتواتر ، والموقف الشاذ اليتيم فيه .
والعقيدة في كتاب منزل تؤخذ من المحكم فيه ، لا من المتشابه .
4) وفي محكم نظم القران ، اذا اسقط بعض الآية المشبوه ، لا يختل النظم ولا البيان ولا التبيان ولا السياق اللفظي او المعنوي:
( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ . فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ) .
ويؤكد ذلك المعنى نفسه المتواتر في ( ال عمران 49 ؛ المائدة 44؛ الزخرف 63 : ففيها جميعا لا يبشر المسيح برسول من بعده.
فهذا الواقع المتواتر يشير إلى إقحام مكشوف في آية الصف 6 .
5) سورة الصف كلها حملة على اليهود الذين كفروا بموسى (5)
وبعيسى ( 7 ويكفرون بمحمد(8-9) . ويختتم السورة بإعلان تأييد الدعوة القرآنية للنصرانية على اليهودية ، حتى )اصبحوا ظاهرين (14) . فلا إشارة في السورة ، ولا دليل ، يقضي بهذه الإضافة :
(وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) .
فتأمل موقف اليهود من المسيح وهو يبشرهم برسول يأتيهم من العرب الوثنيين ! فلو فعل لكفروه مرتين ، ولقتلوه مرتين ! .
6) ليست قراءة اسمه احمد ثابتة. فهي غير موجودة في قراءة أبي.
وهذا دليل اثري على تطور الإقحام قبل التدوين الأخير . راجع : blachère : le coran > T II p 909
فيحق لنا إسقاط قراءة (اسمه احمد) . حينئذ يأتي التبشير (برسول يأتي من بعدي ) متطابقا في القران والإنجيل على الروح القدس .
7) الإنجيل يعتبر المسيح خاتمة النبوة والكتاب . والقران يصدق الإنجيل في ذلك ، إذ انه لا يقفي ، في تسلسل الرسل على المسيح بأحد . والرسول الذي يبشر به الإنجيل ، هو الروح القدس ؛ وهو ليس ببشر ؛ ولا يظهر لبشر حتى يكون (رسولا بشرا) ، اسمه (احمد) .
فكل تلك القرائن والدلائل تشير إلى إقحام (اسم احمد) على آية الصف؛ وقد أسقطت الإقحام قراءة أبي .
2 – (الفارقليط) في الإنجيل
في الإنجيل بحسب يوحنا ، الذي تقودنا إليه السيرة النبوية لابن هشام ، لا كلمة (الفارقليط) تعني (احمد) ؛ ولا اوصاف (الفارقليط) فيه يمكن ان تعني ( محمدا) أو بشرا على الإطلاق.
وفي توحيد السيرة ، نقلا عن الإنجيل ، بين الفارقليط والروح القدس ما كان يغنيهم عن ورطتهم . فالإنجيل يقول (الروح القدس) على العلمية، وسنرى معناه في الإنجيل . والقران يجعل (روح القدس) ، جبريل،(النحل 103 ؛ البقرة 92) . فكيف يكون الفارقليط ، روح القدس جبريل النبي (احمد) ؟ وكيف خفي هذا عن أهل السيرة وأهل التفسير ؟ . وكيف يمكن لعاقل اليوم ان يدعي بان (احمد) هو الفارقليط ، روح القدس ؟ أكان ذلك بحسب قراءة القران ، أم بحسب قراءة الإنجيل .
والواقع الإنجيلي فيه مسألة أثرية ، ومسألة موضوعية .
1) المسالة الأثرية . ان المخطوطات الكبرى التي ينقلون عنها الإنجيل، والموجودة في المتاحف الشهيرة ، هي من القرن الرابع ميلادي ، قبل القران بمئتي سنة ونيف .
وكل المخطوطات قرأت الفارقليط ، البارقليطس (paracletos )
أي المعين – وبعضهم ترجم : المعزي ، المحامي ، المدافع – ولم يقرأ مخطوط على الإطلاق (Periklutos) أي محمود الصفات ، احمد الأفعال، كثير الحمد .
لكن في نقل الكلمة اليونانية بحرفها إلى العربية (برقليطس) ضاعت القراءة اليونانية الصحيحة ؛ وجاز تحريف المعنى إلى (احمد) . فقولوا الإنجيل ما لم يقل .
وقد حاول تقويم التحريف الذين قرأوا ( فارقليط) القريب في مخرجه من مطلع الحرف اليوناني .
فليس في الحرف اليوناني الصحيح ، الثابت في جميع المخطوطات ، من اثر لقراءة تعني (احمد) .
2) المسِألة الموضوعية .
كذلك ليس في أوصاف الفارقليط في الإنجيل ، ما يصح ان ينطبق على مخلوق : فكيف يطبقونه على بشر رسول ؟.
في حديث أول ، قال يسوع : ( وأنا أسأل الآب فيعطيكم فارقليط آخر ، ليقيم معكم إلى الأبد ، روح الحق ، الذي لا يستطيع العالم ان يراه ، ولا يعرفه . أما انتم فتعرفونه ، لأنه يقيم معكم ) يوحنا 14: 16-17. تلك الأوصاف تدل على إلهية الفارقليط :
الفارقليط يقيم مع تلاميذ المسيح إلى الأبد – وليس هذا في قدرة مخلوق.
الفارقليك هو (روح الحق) ، أي روح الله . وهو أيضا روح المسيح لأن المسيح وصف نفسه : (الحق) يوحنا 4: 6 – فهو روح الله وروح الحق . ومن الكفر نسبة هذه المصدرية إلى مخلوق .
الفارقليط يتمتع بطريقة وجود الله في كونه وعالمه : الوجود الخفي ، لذلك ( لا يستطيع العالم ان يراه) – ومن الكفر نسبة تلك الصفات إلى البشر .
الفارقليط يتمتع بسعة الله ، وروحانيته ، في إقامته بنفوس المؤمنين. (يكون معكم ويكون فيكم ) – ومن الكفر اسند هذه الصفة لمخلوق .
فكيف يكوت الروح القدس ، الفارقليط ، النبي (احمد) ؟ او أي بشر رسول ؟ او أي مخلوق ؟.
ومن ناحية أخرى ، فان الفارقليط ، الروح القدس ، يبعث إلى الحواريين الذين يخاطبهم المسيح ، مسليا لهم في رفعه عنهم إلى السماء . فكيف يكون الفارقليط (احمد) آلاتي بعد ستمائة سنة للعرب ؟.! .
فكل القرائن اللفظية والمعنوية تدل على ان الفارقليط لا يمكن ان يكون بشرا ولا مخلوقا .
وصفاته الإلهية وخلوده وعمله في المسيحيين (إلى الأبد) ، براهين ساطعة على ألهيته .
في حديث ثان ، يقول المسيح : ( قلت لكم هذه الأشياء وأنا مقيم معكم. والفارقليط ، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي ، فهو الذي يعلّمكم كل شيء ، ويذكركم بجميع ما قلت لكم) يوحن 14 : 25-26.
هنا يسمي الفارقليط باسمه المتواتر : (الروح القدس) . لاحظ التعبير المطلق ، على العلمية : فهو (الروح) على الإطلاق – وهذه صفة إلهية؛ وصفه (القدس) تنزيه له عن المخلوق ، لان (القدس) في لغة التوراة والإنجيل والقران كناية عن اله ، بصفة التجريد والتنزيه . ولاحظ الفرق العظيم مع التعبير القرآني ، (روح القدس) مرادفا لجبريل ، فهنا إضافة للتشريف ، لا للمصدرية . انها تسمية ، ما بين الإنجيل والقران ،على طريقة المشاكل، لا على طريقة المقابلة . وبما ان (روح القدس) هو جبريل في القران ، فقد كفر بمحمد نفسه من جعل محمدا الملاك جبريل، روح القدس ، الفارقليط .
هذا في ذات الفارقليط . وفي صفاته قول :
ان الفارقليط يرسله الله باسم المسيح – فهل أرسل (احمد) باسم المسيح ؟.
ان الفارقليط يعلم الحواريين كل شيء – فهل تخطى (احمد) الزمن وظهر للحواريين (يذكرهم جميع ما قاله المسيح لهم) ؟ .
والفارقليط يعلم رسل المسيح (كل شيء) : هذا هو العلم الرباني وسعته الإلهية – فهل ينطبق هذا على بشر ؟ ام على مخلوق ؟ .
فذات الفارقليط وصفاته تمنع من ان يكون (احمد) ، الرسول البشر.
ان مصدرية الفالقليط الإلهي ، وعمله الإلهي ، أسمى من المخلوق؛ ورسالته تتمة لرسالة المسيح ، وهي مخصوصة برسل المسيح والمسيحية .
في حديث ثالث قال : ( ومتى جاء الفارقليط الذي أرسله إليكم من لدن الآب ، روح الحق الذي ينبثق من الآب ، فهو يشهد لي ، انتم أيضا تشهدون بما أنكم معي منذ الابتداء) يوحنا 15: 26.
هذه الآية تعلن مباشرة إلهية الفارقليط : انه (ينبثق من الآب) أي من ذات الآب. والتعبير (ينبثق) ينفي الصدور بالخلق .
فهو (روح الحق) يصدر من ذات الآب ، في ذات الآب ، لذات الآب.
وبما ان (الحق) هو أيضا (المسيح نفسه) فصفته (روح الحق) تدل على صدوره أيضا من المسيح، بصفة كونه (الحق) مع الله، أي كلمة الله. ودليل صلته المصدرية بالمسيح ، لمة الله ، كون المسيح هو الذي يرسله من لدن الآب : (أرسله إليكم من لدن الآب) .
فالفارقليط ، (روح الحق ، الذي ينبثق من الآب) هو روح الله الآب ، والمسيح الكلمة في آن واحد فمن الكفر نسبته إلى مخلوق .
ورسالته هي الشهادة ، مع الحواريين ، للمسيح :فهل كان (احمد) يشهد مع الحواريين في زمانهم للمسيح ؟ .
في حديث رابع يقول : (إني أقول لكم الحق : ان في انطلاقي لخيرا لكم ، فان لا انطلق لا يأتكم الفارقليط ؛ واما متى انطلقت ، فإني أرسله إليكم . ومتى جاء فهو يفحم العالم على الخطيئة ، وعلى البر وعلى الدينونة . فعلى الخطيئة لأنهم لم يؤمنوا بي . وعلى البر ، لأني منطلق إلى الآب ولا تروني من بعد . وعلى الدينونة ، لأن زعيم هذا العالم قد ين ) ب يوحنا 16: 7-11 .
يسلي المسيح حوارييه ببعثة الفارقليط إليهم ، ويربط بين رفعه إلى السماء ، وبين بعثة الروح الفارقليط . فهل من رابط شخصي او زماني او مكاني او حياتي او رسولي بين رفع المسيح وبعثة محمد ؟ وهل يصح ان ينطبق ذلك على (احمد) بعد مئات السنين ؟.
ورسالة الفارقليط ، ( الذي لا يستطيع العالم ان يراه ) ، هي رسالة روحية فلا يصح بحال ان تنسب إلى (احمد) . ورسالة الفارقليط هي تتمة متلاصقة لرسالة المسيح ؛ وليست هكذا بعثة (احمد) .
ورسالة الفارقليط هي الشهادة للمسيح وحده : فهو يفحم العالم على خطيئته لنه لم يؤمن بالمسيح ؛ ويفحم العالم بصحة الايمان بالمسيح ، وان رفع إلى السماء ؛ ويفحم العالم بنصر المسيح على إبليس ، زعيم هذا العالم ، الذي رفع المسيح سلطان إبليس عنه . وهذه رسالة لا يمكن ان يقوم بها (احمد) ولا أي رسول بشر .
في حديث خامس يقول أخيرا : ( وعندي أيضا أشياء كثيرة أقولها لكم غير انكم لا تطيقون حملها الآن . ولكن متى جاء هو ، روح الحق فإنه يرشدكم الى الحقيقة كلها. فإنه لا يتكلم من عند نفسه ، بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بما يأتي . إنه سيمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم . جميع ما هو للآب هو لي . من اجل هذا قلت لكم إنه يأخذ مما لي ويخبركم ). يوحنا 16: 12-15.
عالم الفارقليط الهي : فهو يرشد رسل المسيح ( إلى الحقيقة كلها) ويخبرهم بما يأتي ( - فهل يستطيع هذا (احمد) مع حواريي المسيح ؟ وهو لا يعلم الغيب ؟.
عالم الفارقليط الهي أيضا في مصدره : ومصدره هو العلم الإلهي الواحد بين الله الآب والمسيح كلمته ، (فجميع ما للآب هو لي؛ من اجل هذا قلت لكم إنه يأخذ مما لي ويخبركم ) – فهل يستمد (احمد ) علمه كما يستمد ذاته ، من الله الآب نفسه، ومن كلمته ذاته ؟.
وعمل الفارقليط الإلهي يتم مع صحابة المسيح أنفسهم : فهل كان (احمد) فوق الزمان والمكان مع صحابة المسيح ؟ .
وفصل الخطاب: ان ذات الفارقليط ، الروح القدس ، إلهية وصفاته إلهية ؛ وأفعاله إلهية . تلك هي شهادة النصوص الخمسة في الفارقليط. اليس من الكفر القول بان الفارقليط في الإنجيل هو (احمد) ؟. ولا تصح هنا أيضا فرية تحريف الإنجيل ، لان تلك النصوص الخمسة ، مكتوبة على الرق ، محفوظة إلى اليوم ، من قبل القران بمئتي سنة ونيف . فهي شهادة تاريخية – ان لم نقل منزلة – على الهية الفارقليط، الروح القدس . فمن الكفر تطبيقها على (احمد) الرسول البشر . فإن ذكر (احمد) لا اصل له لفظا ولا معنى في الإنجيل
أضف تعليق