![]() |
|||||||
المشكلة ، يا عزيزي بروتس لا تكمن في نجومنا، و لا هي في مطالب الناس التي لا تنتهي . المشكلة الحقيقية في داخلنا فالسؤال الأساسي يبقى : " أريد حقاً أن تحبّ و هل تقبل أن تكون " منفعة عامة " مضخة الماء العمومية التي وُضعت ليستعملها الجميع بحرية ؟ أتريد حقاً أن تدع المسيح يتجسد مرة أخرى في " إنسانيتك " ؟ المسيح هو " الشخص الذي تخلى عن ذاته في سبيل الآخرين " . فإذا وهبته ذاك فهو سيضعك حالاً في خدمة الآخرين ، بشكل من الأشكال .
جاء المساء وغمر الظلام فشعشعت الأنوار في القصور والمنازل وخرج الناس إلي الشوارع بملابس العيد الجديدة وعلي وجوههم سيماء البشر والاستكفاء ومن بين دقائق لهاثهم تنبعث رائحة المآكل والخمور ...
أما أنا فسرت وحيداً منفرداً مبتعداً عن الزحام والضجيج أفكر بصاحب العيد.
أفكر بنابغة الأجيال الذي ولد فقيراً وعاش متجرداً ومات مصلوباً ...
لقد وجدت كنزاً، وهذا الكنز هو محبة الله. أنت تعرف الآن مكان هذا الكنز، ولكنك لست مستعداً بعد لامتلاكه بالتمام. فهناك الكثير من التعلقات لازالت تسحبك بعيداً عنه. أن أردت أن تملك كنزك هذا بالتمام فلابد لك من أن تخفيه في الحقل الذي وجدته فيه وتذهب فرحاً لبيع كل ما تملكه، ومن ثم تعود وتشتري هذا الحقل.
نحن في هذه الدنيا سائحون، وكل منا في مسيرة خاصة، يخطو فيها على وقع موسيقاه، يتسلق قممه الشخصية ويجهد في سبيل تحقيق كيانه الذي ما من كيان آخر يشبهه. أنا أنا، وأنت أنت، وكل منا يشعر بأمان عندما يسلك برفقة آخرين الطريق الذي اختبر السير عليه زمناً طويلا. أما الطريق الذي تسلكه قلة من الناس فيبقى أكثر عرضة للمخاطر... ولكنني إذا ما دُعيت إلى المخاطرة، فعليّ أن أتقبل المجازفة وأتحمل الآلام، أن أكبو وأن أنهض، أن أعرف كيف أفشل من دون أن أنكسر. ورغم الخوف والضياع عليّ أن أقتحم الخطر.
منذ عدة سنوات عندما كنت أعمل مع المعالجة النفسية "ديفرز براندين" عمدت هذه السيدة إلى اخضاعي لتدريب كانت تقوم به، وهو تدريب "فراش الموت"
وطلبت مني أن أتخيل نفسي بوضوح وأنا نائم على فراش الوفاة وأن أتقمص تماماً المشاعر المرتبطة بالإحتضار والوداع، ثم طلبت مني بعد ذلك أن أدعو كل شخص يهمني في الحياة كي يزورني وأنا راقد على فراش الموت على أن يأتي كلٌ على حدة وبينما كنت أتخيل كل صديق وقريب وهو يأتي لزيارتي، كان علي أن أتكلم مع كلً بصوت عالٍ. كان عليّ أن أقول له ما كنت أريده أن يعرف ثم احتضر.
وخلال حديثي مع كل شخص استطعت أن أشعر بصوتي وهو يتغير. ولم يكن بوسعي أن أتفادى البكاء فغرغرت عيناي بالدمع، واستشعرت إحاساً بالفقدان، ولم أكن حينها أبكي حياتي وإنما أبكي على الحب الذي سأفقدة بالوفاة وبشكل أدقق كان بكائي تعبيراً عن حب لم أعبر عنه قبل ذلك.
وخلال هذا التدريب الصعب عرفت حقاً حجم ما افتقدته من حياتي، كما عرفت كم المشاعر الرائعة التي كنت أدخرها لأطفالي على سبيل المثال، ولكني لم أعبر عنها صراحة قبل ذلك.
وبنهاية التدريب تحولت إلى كتله من العواطف المختلفة فقلما بكيت بمثل هذه الحرارة من قبل أما حينما تحررت من هذه العواطف حدث شيء رائع اتضحت الأمور أمامي، فعرفت ما هي الأشياء المهمة وما هي الأشياء التي تعنيني حقاً وللمرة الأولى فهمت ما الذي كان "جورج باتون" يعنيه بقوله ( قد يكون الموت أكثر إثارة من الحياة ).
ومنذ ذلك اليوم عاهدت نفسي أن لا أدع شيئاً للصدفة وقررت أن لا أدع شيئاً دون أن أعبر عنه وأصبحت لدي الرغبة في أن أعيش كما لو كنت سأموت في أي لحظة، وقد غيرت هذه التجربة برمتها أسلوب تعاملي مع الناس، وأدركت مغزى التدريب. ليس علينا أن ننتظر لحظة الموت الحقيقية حتى نستفيد من مزايا انتقالنا إلى ******* ، وبإمكاننا أن نعيش هذه التجربة في أي وقت نريدة.
وقد حذرنا الشاعر ويليام بليك من أن نحبس أفكارنا دون أن نعبر عنها حتى الموت ( عندما تَسجن الفكر في كهوف، فهذا يعني أن الحب سوف يغرز بجذوره في جحيم عميق ).
فالتظاهر بأنك لن تموت سوف يضير تمتعك بالحياة كما يضار لاعب كرة السلة لو اعتقد أنه ليس هناك نهاية للمباراة التي يلعبها، فهذا اللاعب ستقل حماسته، وسوف يلعب بتكاسل وبالطبع سينتهي به الأمر إلى عدم إحساس بأي متعه في اللعب، فليست هناك مباراة دون نهاية وإذا لم تكن واعياً بالموت فإنك لن تدرك تماماً هبه الحياة.
ومع هذا فهناك كثيرون ( وأنا منهم ) يظلون على اعتقادهم بأن مباراة الحياة لا نهاية لها ولذلك نظل نخطط لفعل أشياء عظيمة في يوم ما نشعر فيه برغبه في الخلود، وبهذا نعزو أهدافنا وأحلامنا إلى تلك الجزيرة الخيالية في البحر والتي يسميها "دينيس ويتلى" ( جزيرة يوماً ما ) ولذلك نجدنا نقول: ( في يوم ما سنفعل هذا، وفي يوم ما سنفعل ذاك ).
ومواجهتنا للموت لا تعني أن ننتظر حتى تنتهي حياتنا، والحقيقة أن القدرة على أن نتخيل بوضوح ساعاتنا الأخيرة على فراش الموت تخلق إحساساً في ظاهره الإحساس بأنك قد ولدت من جديد وهي الخطوة الأولى نحو التحفيز الذاتي الجريء وقد كتب الشاعر وكاتب اليوميات "نين" قائلاً ( من لا يشغل نفسه بولادته يشغل نفسه بالوفاة ).
كيف تكون الشخص الذي تريد!
لمؤلفه "ستيف تشاندلر"
الصفحة 26 من 40